حالة من الترقب والقلق والخرف من المستقبل تعيشها الاسرة المصرية في انتظار القانون الجديد للتأمينات والمعاشات.. النظام الجديد للمعاشات - حسب تأكيد وزير المالية - يتلافي عيوب القانون الحالي ويحقق العدالة والشفافية، ويقوم علي انشاء حساب دفتري لايداع 12% من الاجور به وتستثمر في سندات حكومية غير قابلة للتداول، وعند التقاعد يحول رأس المال المسجل في الحساب إلي معاش، وحساب آخر يودع به 5% من الاجور تستثمر في اصول مالية.. ويتضمن النظام الجديد المقترح منح معاش اساسي 100 جنيه لكل من تجاوز عمره 65 عاماً ولا يتقاضي معاشاً من الدولة. استطلعت «الوطني اليوم» آراء التأمينات حول النظام المقترح.. البعض حذر من خطورة اتجاه الدولة لسحب دورها الاجتماعي، كما انه يلغي توريث المعاش ويخفض قيمته، ويقصر تغطية المخاطر علي الشيخوخة والوفاة والعجز فقط.. فهل القانون الجديد لصالح المواطنين ام لصالح الدولة؟. وهل تسعي الدولة بالقانون الجديد إلي التخلص من ديونها لبنك الاستثمار القومي والبالغة 40 مليار جنيه؟. الدكتور محمد عطيه وكيل أول وزارة التأمينات الاجتماعية سابقاً يؤكد ان قانون المعاشات الجديد الذي تسعي وزارة المالية حالياً للانتهاء منه وعرضه علي مجلس الشعب، يحمل في ثناياه عدداً من المخاطر أهمها إلغاء فكرة توريث المعاشات لأن النظام الجديد قائم علي إنشاء حساب إدخاري باسم العامل تديره شركات تأمين واستثمار خاصة ويقضي بصرف أرصدة العامل المتجمعة في حسابه الخاص دفعة واحدة أو يتم عمل وثيقة معاش بهذا المبلغ لدي إحدي شركات التأمين التي تنوي الحكومة إقامتها، يصرف منها العامل معاشه بشكل دوري، وفي حالة الوفاة يتم تسييل الأرصدة المتبقية في الوثيقة وصرفها للورثة علي أنها تركة. ويضيف الدكتور عطيه قائلاً.. إن نظام المعاشات الجديد سوف يكشف بوضوح عن إنسحاب الدور الاجتماعي للدولة وترك إدارة أموال التأمينات لشركات خاصة تحت إشراف هيئة للمعاشات كذلك فإن النظام الجديد سيقوم بتخفيض عدد المخاطر الاجتماعية التي يغطيها النظام الحالي وهي الشيخوخة والعجز والوفاة والمرض وإصابة العمل والبطالة إلي ثلاثة مخاطر فقط هي «العجز والوفاة والشيخوخة» حتي يتمكن وزير المالية من تخفيض الاشتراكات من 40% إلي 17% وبدون ذلك لن يستطيع الوزير تخفيض نسبة الاشتراك اذ إن كل واحد من تلك المخاطر له نسبة اشتراك محددة وبالتالي فتخفيض نسبة الاشتراكات يقتضي تخفيض عدد تلك المخاطر.. مشيراً إلي ان وزارة المالية تسعي إلي معالجة مشكلة الدين المحلي علي حساب أموال التأمينات حيث تبلغ ديون الخزانة العامة لصندوقي التأمينات حوالي 40 مليار جنيه. ويطالب بالابقاء علي النظم الحالية مع تطوير نظام معاشات الضمان الاجتماعي والذي تتحمله الخزانة العامة لتحقيق هدف الحد من الفقر الإجتماعي، كذلك ضرورة إنشاء نظام اختياري يغطي العاملين في القطاع غير الرسمي وتطوير صناديق التأمين التكميلية التابعة للهيئات والنقابات المهنية والبالغ عددها 673 صندوقاً تعاني جميعها أزمات مالية الآن. وفي دراسة مهمة للدكتورة أمينة حلمي أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية عن النظام الجديد للمعاشات في مصر أكدت أن النظام الحالي للمعاشات أصبح غير قادر علي الاستمرار بسبب ارتفاع عجز الاشتراكات المحصلة عن تغطية المعاشات المستحقة من 8,2 مليار إلي 6,6 مليار جنيه موضحة أنه في حالة استمرار هذا الوضع سيصل العجز إلي نحو 40 مليار جنيه عام 2020 ثم إلي 327 مليار جنيه عام 2050. وتضيف الدكتورة أمينة أن ارتفاع معدل الاشتراكات تبلغ 40% من الأجر الأساسي للفرد و 35% من الأجر المتغير - عن المعدل السائد في دول الشرق الأوسط وشمال افريقيا والذي يتراوح مابين 8 و14% فقط، شكل عاملاً مهماً في فشل نظام التأمينات الحالي. وتقول الدكتورة أمينة حلمي إن النظام المقترح تطبيقه الآن يقوم علي توفير حد أدني من المعاش لكل مواطن مصري بلغ 65 عاماً ولا يتقاضي معاشاً من الدولة كما سيتم رفع الحد الأقصي لأجر الاشتراك الشهري من 1200 إلي 2000 جنيه وتحديد معدل الاشتراك عند 17%، تسجل 12% منه في الحساب الدفتري و 5% في الحساب النقدي علي أن يتحدد معاش الفرد المستحق له عند التقاعد بمجموع قيمة الاشتراكات التي قام بسدادها بصفة دورية طوال مدة خدمته في كل من حسابيه الدفتري والنقدي إضافة إلي معدل العائد السنوي المركب الذي تحدده الحكومة بالنسبة للأرصدة الدفترية. والسائد في السوق بالنسبة للأرصدة النقدية، مقسوماً علي عدد السنوات المتوقعة لحياة الفرد بعد التقاعد إلي جانب ان النظام الجديد سوق يشجع من يرغب من المواطنين في الانضمام لصناديق معاشات تكميلية لتحسين معاشه عند التقاعد وسوف تخضع هذه الصناديق لرقابة وإشراف الهيئة المصرية للرقابة علي التأمين التابعة لوزارة الاستثمار. وتضيف انه من المتوقع ان تؤول الاشتراكات المحصلة إلي الخزانة العامة لتستخدمها في سداد المعاشات المستحقة لأصحاب المعاشات الحاليين وجميع المصروفات الإدارية المرتبطة بتلك الحسابات الدفترية.. مشيرة إلي امكانية عدم تحمل الخزانة العامة لأية مساهمة في تمويل الزيادات السنوية للمعاشات أو أعباء الاقتراض من بنك الاستثمار القومي مما يعني ان النظام الجديد سيخفض الأعباء المالية علي الخزانة العامة بأكثر من 29 مليار جنيه. وتؤكد الدكتورة أمينة ان النظام الجديد ينطوي علي ايجابيات عديدة أهمها ان تخفيض معدل الاشتراكات من 40% إلي 17% سوف يساعد علي تخفيف العبء المالي علي المشتركين مما يشجع الالتزام بسداد الاشتراكات المستحقة وعن الأجور الحقيقية وزيادة الطلب علي العمالة في القطاع الرسمي إلي جانب أن تحديد قيمة معاش الفرد بطريقة الاشتراكات المحددة سيخفض أكبر قدر ممكن من التناسب بين الاشتراكات التي يسددها الأفراد طوال سنوات خدمتهم والمعاشات التي يحصلون عليها مما يشجعهم علي مزيد من العمل والإدخار وان النظام الجديد سوف يحد من ظاهرة التقاعد المبكر إذ إن أخذ العمر المتوقع للحياة بعد التقاعد في الاعتبار عند حساب قيمة المعاش المستحق تعني أنه إذا تقاعد الفرد مبكرا سينعكس ذلك علي معاشه بالانخفاض مع ارتفاع عدد سنوات الحياة المتوقع له بعد التقاعد كما ان الحسابات النقدية القائمة علي الاشتراكات المحددة والممولة بالكامل وبإدارة خاصة سوف تساعد علي تطوير سوق رأس المال بما توفره من مدخرات للتمويل طويل الأجل وما تولده من طلب علي أدوات ومؤسسات مالية جديدة وهو ما سينعكس إيجابيا علي التنمية الاقتصادية. وأكد الدكتور عبدالفتاح الجبالي مستشار وزير المالية الاسبق ورئيس الوحدة الاقتصادية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أن إصلاح نظام التأمينات لا يتم الا عن طريق الاعتماد علي النظام ذاته وذلك عن طريق إعادة النظر في القوانين الحالية ودمجها رسميا في قانون موحد للتأمينات يأخذ في عين الاعتبار علاج جميع المشكلات التي يعاني منها النظام الحالي وبما يضمن امتداد الحماية التأمينية علي جميع المؤمن عليهم والمزايا الاجتماعية الأخري. وتشجيع إنشاء صناديق تأمينية تكميلية فيما يزيد الحد الأقصي لأجر الاشتراك في النظام العام لمن يرغب في زيادة معاشه عن الحد الأقصي وتساعد علي توفير الحماية التأمينية الكاملة للأعضاء وأشار د. الجبالي الي أن النظام التأميني إذا سار علي نفس المنوال الحالي سوف يؤدي إلي ارتفاع ما تحمله الخزانة العامة من 9,21 مليار جنيه في عام 2005 إلي 6,35 مليار جنيه في عام 2008 وبالتالي تتزايد الأعباء السنوية الملقاة علي الخزانة العامة مما يؤدي إلي مزيد من الاختلالات مما يتطلب سرعة البحث عن أفضل الحلول الممكنة عن طريق فك الاشتباكات المالية وتخفيف عبء المديونية المستحقة علي الخزانة العامة. يطالب د. الجبالي في القانون الجديد للتأمينات في مشروعه أن يقوم علي تعديل قانون بنك الاستثمار القومي ويقوم بدوره كبنك إنمائي واستثماري يمكنه من إدارة موارده المتاحة من المصادر الإدخارية المختلفة بأسلوب اقتصادي بما يضمن تحقيق عائد مناسب يمكنه الوفاء بالتزاماته علي أن تتولي وزارة المالية تمويل المشروعات الاستثمارية الخاصة بالجهاز الإداري للدولة وان تتولي الدولة البحث عن مصادر التمويل بأقل تكلفة وبما يتناسب مع طبية هذه الاستثمارات. ويوضح د. الجبالي أن استمرار صندوق التأمينات وفقا للقوانين الحالية مع إدخال التعديلات التشريعية اللازمة وتحصيل الاشتراكات السنوية من المؤمن عليهم وأصحاب الأعمال وتعيين خبراء اكتواريين لفحص وإعداد مركز مالي لها بما يضمن حسن استثمار هذه الأموال وقيام الخزانة بتحمل ما تعجز عنه الاشتراكات في تغطية المعاشات داعيا إلي إجراء تعديلات تشريعية علي القانون رقم 199 لسنة 1980 بتمويل المشروعات المدرجة بالخطة من مصادر التمويل بما في ذلك بنك الاستثمار. ومن جانبه نفي هشام توفيق مستشار وزير المالية والمشرف علي اللجنة المشكلة لصياغة مشروع القانون الجديد نية الحكومة استخدام القانون الجديد في إلغاء توريث المعاشات وسحب دورها الاجتماعي تجاه المواطنين، وقال إنه من المتوقع انخفاض قيمة المعاش مع بدء العمل بالنظام الجديد خاصة أن حسابات الفرد الدفترية والنقدية سوف يتم تقسيمها علي عدد السنوات المتوقع أن يعيشها صاحب المعاش وورثته، وكلما زادت السنوات انخفضت قيمة المعاش. ومن جانبه يوضح الدكتور محمد البنا أستاذ المالية بجامعة المنوفية ان النظام الحالي يعاني من أزمات ويحتاج إلي اصلاحات جذرية مؤكدا انه لا يوجد عجز في أموال التأمينات الاجتماعية التي حققت فائضا يزيد علي 250 مليار جنيه وتستثمر في بنك الاستثمار فيما يتجاوز 200 مليار جنيه وعائداً سنوياً مستحقاً يصل إلي 19 مليار جنيه.