كم مرة كتبنا في هذا المكان وصرخنا بأعلي الأصوات أن وحدة التراب الوطني في خطر وان فيروس التفكك بدأ ينشط في مصر ويهدد تماسك أقدم دولة في التاريخ، ولم أكن الوحيد الذي دق نواقيس الخطر لكن من بيدهم الحل والعقد تجاهلوا كل التحذيرات بل قاموا بتسخيف مخاوفنا من "تحلل" الدولة المصرية. وبعد محاولات كثيرة للتهوين أو الإنكار نمنا واستيقظنا علي مذبحة رفح في شهر رمضان الماضي التي كانت مجرد الجزء البارز من جبل جليد مختفي تحت السطح وكانت عملية "كاشفة" لتآكل السيادة الوطنية ومظاهرها وآلياتها علي شبه جزيرة سيناء وأدي هذا التراجع في هيبة الدولة إلي تجاسر عناصر تنتمي إلي السلفية الجهادية علي الجهر بالعمل علي انفصال سيناء وإقامة إمارة اسلامية علي أرضها. حدث هذا- ولا يزال يحدث- في الشمال الشرقي للبلاد بينما كانت الأوضاع في أقصي الجنوب تشهد تطورات لم تكن تخطر علي بال أحد وصلت مؤخراً إلي إعلان حركة انفصالية نوبية مسلحة عن نفسها! الحركة تسمي "كتالة" وهي كلمة نوبية تعني "المحارب" أو "المعركة" ويقول رئيسها التنفيذي أسامة فاروق اخترنا هذا الاسم لأن الإخوان المسلمين استولوا علي كل شيء يمكن أن يأتي بحقنا.. ونحن الآن في حالة حشد لكل غيور علي النوبة. وتقول مراجع نوبية إن هذه الحركة ولدت في أواخر العام المنصرم رداً علي السياسات الخاطئة لجماعة الإخوان المسلمين وتحديداً بعد ان وجهت قيادات الإخوان العديد من الإهانات لأهالي النوبة عندما وصف الدكتور عصام العريان أهالي النوبة ب "الغزاة" و"الهكسوس" بينما اعتبرهم الرئيس محمد مرسي "جالية" ووصفهم قيادي إخواني آخر ب "البربر". هذه الإهانات أضيفت إلي تاريخ طويل من تجاهل مطالب أبناء النوبة المشروعة خاصة العودة إلي موطنهم الذي أجبروا علي مغادرته كضريبة وطنية لإنشاء السد العالي وبحيرة ناصر. فضلاً عن إهمال الثقافة النوبية الرائعة والتعالي العنصري علي النوبيين في العديد من الممارسات الكريهة. وكان الأمل أن يتم تدارك ذلك كله بعد ثورة 25 يناير لكن الآمال تبددت وكانت النتيجة لهذا الإحباط ميلاد حركة انفصالية تلوح باللجوء إلي العنف. وهناك من أبناء النوبة من يقللون من أهمية وخطورة حركة مثل "كتاله" ومن هؤلاء الناشطة النوبية منال الطيبي التي اكتسبت احترام قطاعات واسعة من المصريين بسبب مواقفها في اللجنة التأسيسية للدستور قبل استقالتها منها، والتي نقلت عنها مواقع إخبارية قولها "مش أي حد يعمل جروب علي الفيسبوك نعتبره تنظيم. هم مجموعة من الشباب غير المسئول يعني مجرد فتح بق". وأضافت: "نضالنا ليس باعتبارنا نوبيين فقط وإنما نضالنا باعتبارنا مصريين. فلو تحققت مطالب كل المصريين تحققت مطالب النوبيين". بينما يري منير بشير رئيس الجمعية المصرية النوبية للمحامين ان "الحديث عن ظهور حركات انفصالية مسلحة في أرض النوبة كحركة "كتاله" وغيرها إنما هو بمثابة ممارسة ضغط علي الدولة بعد فشل كل المحاولات والمفاوضات مع الحكومة ورئاسة الجمهورية لاسترداد حقوق النوبيين المهدرة منذ تهجيرهم وتهميشهم في الدستور الجديد وعدم اختيار ممثلين عنهم في مجلس الشوري". وهذه الدعوة الانفصالية المسلحة في رأيه "لا تمثل الموقف الرسمي لأهالي النوبة فهم بطبيعتهم سلميون ويرفضون العنف لكن في ظل تهميش وإهمال الدولة للنوبيين لا نستبعد أي شيء". الخطر إذن قائم مهما كانت درجته وسرعة احتمالات حدوثه وليس من الحكمة انتظار وقوع البلاء وتفاقم الأمور ولا معني للتكلؤ في الاستجابة للمطالب المشروعة لأبناء النوبة ودفعهم إلي حافة اليأس وتعريض وحدة الوطن والأمة لخطر التقسيم والانقسام. نقلا عن صحيفة الجمهورية