انتظر كثيرون الانتخابات الأمريكية، واعتبروا أن الضربة الإسرائيلية لإيران ستأتي بعدها. إثر التهديدات الإسرائيلية المتكررة، والردود الإيرانية، والاستعدادات من قبل الفريقين السياسية والإعلامية والميدانية والعسكرية والمناورات التي أجرتها قواتهما، والإصرار الإسرائيلي على الضربة، والنقاش الإسرائيلي – الأمريكي الصعب. والتكهنات التي أطلقت حول الدور الأمريكي. تشارك أمريكا أو لا تشارك. تقوم إسرائيل بتوجيه الضربة وحدها؟ أم هي غير قادرة على ذلك وستفعلها أمريكا؟ مع مرور الوقت ودخول أمريكا أجواء الانتخابات ذهب كثيرون إلى الاعتقاد أن لا شيء قبلها بل ستكون الضربة مؤكدة بعدها. إيران لا يمكن أن تتراجع عن ملفها النووي ودورها الخارجي ولن تتخلى عن "أدواتها" واستخدامها هنا وهناك. لا بد من ضربها. انتهت الانتخابات. اعتبر كثيرون أن ثمة مشكلة بين نتنياهو وأوباما. قلنا لا تتفاءلوا. قال نتنياهو: "لن أسمح لأحد بالدخول بيننا. والعلاقات جيدة". مباشرة جاءت الضربة لغزة. الأولوية هي فلسطين بالنسبة إلى الإسرائيليين. الموافقة الأمريكية تم تأكيدها بموقف أوباما شخصياً الذي أيد العملية العسكرية العدوانية ضد غزة. برّر لنتنياهو حربه وإجرامه . لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها. دعا الدول القادرة على لعب دور إلى الضغط على "حماس" وعلى السلطة الفلسطينية. دعا مصر إلى ممارسة نفوذها لوقف "العنف" في غزة. حدد سقفاً عالياً. أكد الضوء الأخضر "والشرعية" لإسرائيل في حربها ورغم هول الجريمة والإصرار على توسيع دائرتها فإن المواقف الدولية تراوحت بين مؤيد واضح على النسق الأمريكي ومُدين بخجل دون أي فعل يذكر لوقف العدوان على غزة. الاستعدادات الإسرائيلية بدأت منذ فترة. التهديدات توالت. التعبئة توالت. التحذير من خطر "حماس" و"المنظمات الإرهابية الأخرى" لم تتوقف. تم تحضير كل شيء إلى أن جاءت اللحظة. لماذا الآن؟ وما هي الأهداف؟ 1- انتهت الانتخابات الأمريكية. فليكن التحرك سريعاً. لا أقول ليُمتحن الموقف الأمريكي ولتختبر الجدية أو الصدقية الأمريكية في الالتزام مع إسرائيل بالدفاع عن نفسها! بل ليؤكد للجميع أن هذا أمر ثابت. وأن لا مشكلة بين الإدارتين في الدولتين. وقد ثبت ذلك. لا مشكلة حول الموقف من الفلسطينيين. 2- جاء هذا الأمر في وقت، المشكلة فيه كبيرة وعميقة بين الإدارة الأمريكيةوالفلسطينيين. فحركة "حماس" هي إرهابية بالنسبة إلى أمريكا. والسلطة الفلسطينية هي متهمة ومهددة. لا سيما وهي تتجه مجدداً نحو الأممالمتحدة للمطالبة بالحصول على مقعد لفلسطين كدولة في صفوف المنظمة الدولية. أمريكا رفضت. هددت السلطة بقطع المساعدات المالية عنها. بإغلاق مكتبها في واشنطن. ثم كان تهديد مباشر من أوباما للرئيس أبو مازن خلال مكالمة هاتفية بينهما. أوباما اتهم أبو مازن بالعمل على إشعال المنطقة! ممنوع الذهاب إلى الأممالمتحدة. ممنوع الدخول إليها كعضو. وإذا حصل الأمر ستكون عقوبات كبيرة وستصل إلى حد عدم دفع حصة أمريكا في ميزانية الأممالمتحدة. تماماً كما أوقفت أمريكا التمويل عن منظمة اليونسكو لأن فلسطين أصبحت عضواً فيها! 3- حصل تطور ملفت في الأسابيع الأخيرة في المواقف الأوروبية. إذ ظهر تراجع عن ذكر قرارات الأممالمتحدة في بيانات واتفاقات مشتركة مع دول عربية وفي لقاءات ومؤتمرات مشتركة حصلت في بروكسل والقاهرة وغيرهما من العواصم. لماذا؟ لأن إسرائيل لا تريد قرارات الأممالمتحدة وفيها القرار المتعلق بحق العودة. أمام قرارات مجلس الأمن فلا تشير إلى ذلك وهذه المسألة استراتيجية وحيوية في المشروع الإسرائيلي! ما جرى أوروبياً أعطى إسرائيل زخماً وتأييداً لموقفها. 4- الحرب على غزة، وبعد الارتياح إلى الموقف الأمريكي ستكون امتحاناً جدياً لمصر. أي مصر ستكون أمام إسرائيل؟ مصر الداعمة ل"حماس". مصر الفاتحة لمعبر رفح، مصر العاملة على إقفال الأنفاق التي يتم تهريب السلاح منها إلى غزة، وقد ظهرت أسلحة وصواريخ نوعية لدى مقاتلي المقاومة تم إدخالها عبر هذه الأنفاق! مصر "الإخوان المسلمين". أي موقف مصري ستكون له انعكاسات وإسرائيل اليوم داخل مصر. مصر التي تعاني صعوبات كثيرة وصراعات كثيرة وقد تكون فيها مشاكل كبيرة. آمل ألا تحصل، لكن كل المؤشرات تشير إلى احتمالات الغرق في مشاكل أمنية كبيرة. 5- السودان ضرب في عاصمته من قبل إسرائيل. وإسرائيل موجودة في الجنوب. وموجودة حوله. وهي تهدد مياهه ومن هناك تهدد مصر أيضاً. ولم يكن ثمة تحرك عربي بالمستوى المطلوب. 6- الأردن يواجه وضعاً صعباً للغاية: بداية حركة اجتماعية قوية كأنها ثورة رغيف . واقع داخلي مأزوم. معقد قلق مما يجري في محيطه في فلسطين، وخوف من انعكاسات الأزمة السورية عليه وتحليلات وإشارات وتسريبات تتحدث عن سعي البعض لتغيير التركيبة السياسية في البلاد. وفي واشنطن توصيف للتحركات الشعبية الأخيرة بأنها تعبّر عن الرغبة في التغيير! 7- سوريا في همومها، ومشاكلها، وأولوياتها. مواجهة "الإرهاب الداخلي" العدو الداخلي والبلاد تدمّر. وما دامت الأمور عند هذا الحد وعلى هذا النمط، فلن يكون تدخل حاسم في أمورها للتغيير السياسي حتى ولو اهتز الوضع في محيط الجولان فكل شيء تحت "المراقبة" حتى الآن. وأي تغيير في الموقف تكون له ارتداداته. مع الإشارة إلى إقفال مكاتب "حماس" في سوريا وخروج الحركة منها. وانسجام الحركة مع المعارضة السورية أكثر من تأييدها لمواقف النظام وسياساته. 8- الواقع العربي يشجّع إسرائيل. العرب في حالة ضياع. خارج دائرة القرار والتأثير، عالم عربي بلا قضية. فريق يرى "القضية السورية" قضيته الأولى. وفرق تعمل كل واحدة على حل قضاياها. من السودان إلى الصومال، إلى ليبيا، وتونس واليمن ومصر والخليج والأردن ولبنان والقضية الفلسطينية في آخر الاهتمامات. 9- روسيا أدانت العدوان، لكنها لا تمارس ضغطاً كالذي تمارسه لحماية النظام في سوريا مثلاً. لا تقوم بحركة لحماية الشعب الفلسطيني كما تفعل لحماية هذا النظام. 10 – حديث عن مفاوضات بين إيران وأمريكا لحل أزمة النووي الإيراني. مفاوضات مفتوحة هنا. ولا مفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين. سعي لحل قضية هناك وعدوان مفتوح لدفن قضية هنا. 11- المهم في كل هذا الموضوع هو الموقف الفلسطيني، الشعب الفلسطيني ردّ بقوة على العدوان، أصاب إسرائيل في قلبها في تل أبيب، لم تنفع التكنولوجيا الإسرائيلية الخطيرة في إسقاط الصواريخ. نتنياهو لجأ إلى أحد "الملاجئ". الذعر والهلع لم يعد في صفوف المواطنين الفلسطينيين. أصبح في كل حي إسرائيلي. المهم أن يستمر الموقف الفلسطيني على ثباته. على وحدته بالحد الأدنى. هذه هي الضمانة. الرئيس الفلسطيني على ما يبدو يتعرض لضغوط هائلة لمنع تقدمه بطلب الحصول على عضوية في الأممالمتحدة لدولته. لكنه مصمم حتى الآن ولم يتراجع. قد ترد إسرائيل بإلغاء أوسلو وإسقاط السلطة وربما محاصرة "أبو مازن" أو قتله أو فعل أي شيء. لكنه صامد حتى الآن. الفصائل الفلسطينية يجب أن تكون خطواتها منسقة: رد عسكري أو موافقة على هدنة أو عمل سياسي، لأن أي تباين في هذه المسائل سيرتد عليها في الداخل. وهذا ما تريده إسرائيل وما يريحها. وهي تخطط دائماً لإقتتال فلسطيني – فلسطيني. إسرائيل لن تقبل الهزيمة بطبيعة الحال. ستمارس سياسة الهروب إلى الأمام المهم أن يعرف الفلسطينيون كيف يديرون عملية المواجهة العسكرية السياسية. ملاحظة أخيرة : إدّعت اسرائيل أنها أعلنت الحرب على غزة بعد إطلاق صواريخ عليها. وعام 2006 شنت حرباً بعد أسر جندي اسرائيلي، فهل تشن حرباً على لبنان كما فعلت عام 2006 بعد أسر المقاومة جنديين على الحدود الجنوبية، إذا ما أُطلقت صواريخ من الجنوب اليوم؟ نقلا عن جريدة الاتحاد الاماراتية