حضرت لقاء الرئيس محمد مرسي مع رؤساء الأحزاب والقوى السياسية وكنت ومازلت أرى أن الحوار هو الوسيلة الوحيدة للقاء بين جميع أطراف اللعبة السياسية في مصر وأن اخطر ما يهدد مستقبل هذا الشعب هو الانقسام الذي اجتاح كل القوى والصدام الذي يهدد كل شئ.. مازلت أرى اننا جميعا نتجه إلى مرحلة من الفوضى قد ندفع ثمنها غاليا وان القوى السياسية لم تكن على مستوى الأحداث من حيث المسئولية والمصداقية ومراعاة ظروف الوطن.. في بداية لقاء الرئيس مع القوى السياسية أبدى استعداده الكامل لأن يسمع كل الأراء وان تتكاتف كل الجهود لتوحيد إرادة هذا الشعب بكل قواه الوطنية وأننا أمام مرحلة تحتاج إلى جهودنا جميعا.. بعد ان أنهى الرئيس كلمته بدأ السفير د. عبد الله الأشعل مسئولية إدارة الحوار وهنا انفجرت القاعة لتطفو على السطح أشياء كثيرة.. طوفان من الكلمات التي لا تليق.. إشتباكات بالألفاظ وصلت إلى حد الاتهامات والشتائم لغة لا تليق في حضور رئيس الدولة.. هنا ادركت أن النخبة السياسية المصرية تواجه بالفعل أزمة خطيرة وان علينا أولا ان نؤمن بثقافة الإختلاف حتى يمكن أن نفتح أبواب الحوار.. ادركت ان هناك حالة من الرفض الكامل لتبادل الأراء وان كل فصيل يحتاج إلى معجزة إلهية حتى يكون قادرا على قبول الرأي الآخر.. وأننا بالفعل نعيش محنة عقول موصدة لا تريد ان تقتنع أو تتفاهم أو تواجه الحقيقة. أكثر من قضية سيطرت على اللقاء مع رئيس الدولة كان في مقدمتها جمعية إعداد الدستور والتشكيل والمنتج النهائي وهنا كان الخلاف والانقسام حول كل شئ فريق يرى أن الأمر يتطلب ان نبدأ من جديد من خلال جمعية جديدة وتشكيل جديد والفريق الثاني يرى أن الجمعية الحالية انجزت شيئا كبيرا وان علينا أن نكمل المشوار كان أخطر ما في هذه المناقشة ان الإتفاق شبه مستحيل وأن كل فريق يصر على إلغاء الأخر وأنه لا وسيلة للتفاهم و في مثل هذه الحالات من الخلاف بين الفرقاء يصعب الحديث عن الحوار أو توافر قدر من الحكمة أو قليل من التنازلات وفي ظل مناخ يرفض كل شئ تبدو الصورة قاتمة خاصة إذا كان هذا الرفض في حضور رئيس الدولة وصاحب القرار. انتقل الحديث إلى قضية أخرى هي موقف الاقتصاد المصري والاستثمارات والإضرابات الفئوية وخروج النقابات المهنية في مظاهرات حاشدة تحمل مطالبها.. ثم ارتفعت حرارة المواجهة ووصلت إلى درجة الإشتباك بالتهم والكلمات التي لا تتناسب مع أهمية المكان ومكانة الحضور وكان الإتهام الأخطر ان الفلول اقتحموا اللقاء وفيه عدد كبير منهم.. وانتهى اللقاء بوعد على لقاء آخر بعد أيام لإستكمال حوار لم يبدأ بعد.. هنا أتوقف عند بعض الملاحظات حول قضية الحوار بين القوى الوطنية وهذه البداية التي لم تحقق الهدف الذي نسعى إليه وهو ضرورة التواصل وتبادل الأراء: أولا: كان اللقاء ارتجاليا فلم تكن هناك خطة عمل أو برنامج للحوار وكان ينبغي ان تكون امام الحاضرين ورقة عمل تشمل الموضوعات التي يدور حولها الحوار بين القوى السياسية ورئيس الدولة وقبل هذا ينبغي التوقف عند عناصر الحوار وهل تشمل الجميع ام ان هناك تحفظات على بعض القوى ومنها رموز النظام السابق. ثانيا: غابت اسماء مهمة عن اللقاء ولا اعتقد أن الذين حضروا يمثلون القوى السياسية الحقيقية ولا أدري هل قامت مؤسسة الرئاسة بدعوة هذه الأسماء خاصة أن الدعوة للقاء جاءت متأخرة جدا وكان ينبغي أن تأتي في الوقت المناسب حتى يشارك أكبر عدد من رموز القوى السياسية.. لقد غاب عن اللقاء الدكتور البرادعي والسيد عمرو موسى وحمدين صباحي والدكاترة السيد البدوي وعبد المنعم ابو الفتوح وسليم العوا ورفعت السعيد وغاب ايضا عدد من الرموز الفكرية ومنهم د. كمال ابو المجد ود. ثروت بدوي وسيد ياسين واسامة الغزالي حرب ومكرم محمد احمد وصلاح منتصر وفهمي هويدي وحمدي قنديل وبهاء طاهر والأسواني والغيطاني.. وفي تقديري ان مؤسسة الرئاسة لا بد ان تفتح ابوابا أوسع للحوار مع كل هذه القوى مع تعدد مواقفها وافكارها ولا ينبغي ان تترك مسئولية إعداد هذه اللقاءات لجماعة الإخوان المسلمين وحساباتها السياسية أو لحزب الحرية والعدالة ومواقفه وخصوماته كان من الواضح في اللقاء ان روح الإنقسامات تسيطر على الجالسين فيه إبتداء بالآراء وانتهاء بالجبهات المتنازعة.. وهنا لا بد أن تكون مؤسسة الرئاسة بعيدة تماما عن التقسيمات الحزبية والأيديولوجية لأن الرئيس محمد مرسي يتحمل الآن مسئولية 95 مليون مواطن من بينهم جماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة. على الجانب الآخر، لا اتصور من حيث المبدأ أن يرفض رموز العمل الوطني حضور مثل هذه اللقاءات تحت أي دعوي أو لأي اسباب ولا يعقل ان يعرض رئيس الدولة وصاحب القرار فكرة حوار مجتمعي حول مستقبل الوطن ولا يجد من يستجيب له أو يرفض المشاركة.. هذه الإعتذارات تفتح ابوابا كثيرة لخلافات اكبر واعمق خاصة أن الأسماء التي نتحدث عنها تحمل تاريخا سياسيا وإحساسا بالمسئولية يفرض عليها مبدأ المشاركة والحوار والصراع والرفض إذا اقتضى الأمر.. أما أن ينسحب الجميع ويرفضون الحوار فهذه أشياء ومواقف أبعد ما تكون عن الديمقراطية والمشاركة السياسية كما ينبغي ان تكون من حيث المسئولية والمشاركة. لا حظت ايضا غياب الصحافة والإعلام عن اللقاء وفي تقديري ان مثل هذه اللقاءات لا بد ان تكون لقاءات مفتوحة أمام أجهزة الإعلام سواء الحكومية أو الخاصة وان تدعى إليها المؤسسات الصحفية والفضائيات وان تكون هناك مشاركة شعبية في هذا الحوار.. لا ينبغي ان تغلق مؤسسة الرئاسة الأبواب على نفسها ولا ينبغي ايضا ان تغلق الأحزاب والقوى السياسية وسائل الحوار وتكتفي بالحديث على الفضائيات وشن الحملات وإشعال الفتن هنا وهناك لا بد ان تلتحم كل هذه القوى بتياراتها وأفكارها ورؤاها ان مؤسسة الرئاسة لا بد ان تسمع نبض الشارع والأحزاب لا بد ان تتواصل مع سلطة القرار اما هذا الإنفصال فسوف يحملنا إلى كارثة. إذا كان الهدف ان نتجاوز المحنة وان نواجه الموقف بشجاعة فإن ذلك لن يكون إلا بالمشاركة والتواصل.. اما مبدأ القطيعة الذي يسود الساحة المصرية الأن فهو مراهقة سياسية لا تليق بشعب عظيم ينتظر مستقبلا اكثر إستقرارا وأمنا. لا اتصور ان يهبط مستوى الحوار في مثل هذه اللقاءات امام لغة هابطة واسلوب لا يتناسب مع اهمية هذه الحوارات أو ان يكون اللقاء مفتوحا على الهواء على الفيس بوك أو التويتر وان نحافظ على سرية هذه اللقاءات خاصة ما تشهده احيانا من مشاحنات أو خلافات يجب ان تبقي بين الجدران.. كان لقاء الرئيس مع القوى السياسية بكل ما فيه مفتوحا في نفس اللحظة وهذه قضية تتعلق بالأمن في مؤسسة الرئاسة ومستوى الحاضرين ومن يستحق المشاركة في مثل هذه اللقاءات. لاحت امامي في الإجتماع الأول روائح وبقايا التربيطات القديمة في مجلس الشعب والشورى في العهد البائد وهذه روح من بقايا امراض سيد قراره ويجب ان نتخلص منها لا ينبغي ان نناقش قضايا مصر الأساسية بروح من العداء أو الخصومات أو تصفية الحسابات لأن هذه الأمراض أفسدت المناخ السياسي في حياة المصريين زمنا طويلا ويجب ان نتخلص منها. من حق جماعة الإخوان المسلمون وحزب الحرية والعدالة ان يتصدروا المشهد السياسي في الشارع المصري بحكم الأغلبية العددية ولكن أمام رئيس الدولة وفي مؤسسة الرئاسة فإن جميع القوى السياسية لها نفسها الحقوق والدرجة نفسها من التواجد لأن الرئيس مرسي الآن لم يعد رئيسا لحزب الحرية والعدالة ولم يعد مسئولا في جماعة الإخوان المسلمين ان الرجل رئيس مصر وحين يجلس مع القوى السياسية فإن لها نفسه المكان وكامل الحقوق.. في الاجتماع الأول للحوار مع الرئيس لا حظت قدرا من الهيمنة للسادة أعضاء حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان المسلمون عددا وحضورا وكثافة وإذا كان هذا امرا مشروعا في مظاهرة في ميدان التحرير فهو امر مرفوض في مؤسسة الرئاسة وحوار مع رئيس الدولة ويجب ان يدرك المسئولون حساسية مثل هذه التصرفات. يجب ان تدخل جميع القوى السياسية هذه اللقاءات وتلقي خلفها جميعا الإنتماءات الأيدلوجية والصراعات والخلافات وان تلتفت إلى شئ واحد هو مستقبل مصر وحياة شعبها وان يدرك الجميع اننا في سفينة واحدة وان علينا ان نشارك بكل ما نملك في الخروج بها من هذا المأزق التاريخي العصيب. .. ويبقى الشعر ألم.. ألم ماذا جنيت من الألم ؟ وجه كسير.. وابتسامات.. كضوء الصبح بعثرها السأم.. حلم حزين بين أطلال النهاية.. في ذبول.. يبتسم عمر علي الطرقات كالطفل اللقيط.. يسائل الأيام عن أب.. وأم نهر جريح تنزف الشطآن في أعماقه حتي سواقيه الحزينة.. مات في فمها النغم ندم.. ندم ماذا جنيت من الندم ؟ سيف تحنط فوق صدر النيل.. يحكي قصة الزمن الأشم سجنوه فانتحرت أغانيه الجميلة وانزوت أحلامه السكري وصارت كالعدم شطآنه الخضراء تأكلها الأفاعي ماؤه الفضي تسكنه الرمم في كل شبر.. من ربوع النهر أفاق يبيع الناس جهرا.. والذمم من جاء بالوجه الملطخ بالخطايا كي يؤم الناس في قلب الحرم من جاء بالقلم الأجير لكي يبيع لنا المواعظ والحكم لن يستوي سيف يسبح للضلال.. وسيف عدل.. قد حكم عدم.. عدم ماذا جنيت من العدم ؟ يبكي أبو الهول المحطم في ذهول.. تعلن الأحجار عصيان الهرم هل بعد هذا العمر.. يسقط تاجه المرصود من نور ودم ؟ ما بين أنصاف الرجال.. وباعة الأوهام.. والغلمان تنتحر الشعوب.. وينزوي فجر الأمم مازلت أمضي في الطريق.. وأسأل الزمن الجبان بأن يثور.. ويقتحم فيطل من بين الخرائب.. ألف دجال.. وألف مقامر.. والكل من جسم الغنيمة يقتسم من علم الوطن الجميل بأن يبيع الإبن في سوق النخاسة والعدم ؟ يا أيها الوطن الذي أسكنته عيني وأسكنني سراديب الندم قم من ترابك أطلق الأحجار في وجه السكاري.. والمواخير الكئيبة.. لا تدع في أي ركن من روابيها صنم كل الذي أبقت لنا الأيام في الوادي الجميل دموع حزن.. أو ألم من يا تري فينا ظلم من يا تري فينا ظلم فإلى متى.. سيظل يحملنا زمان القهر من هم.. لهم وإلى متى.. سيظل أقزام الزمان الوغد في اعلي القمم ؟ وإلى متى سنظل نجري في القطيع.. وخلفنا.. ذئب الغنم ؟ "قصيدة وخلفنا ذئب الغنم سنة 1993" نقلا عن جريدة الأهرام