يبدو أن السماء لاتزال تمطر حتى الآن أبرياء في جميع قضايا قتل الثوار منذ 25 يناير وإلى اليوم، فكل القضايا قيدت ضد مجهول، المعلوم من الفلول بالضرورة، ربما هبطت كائنات خيالية من الفضاء الى ميدان التحرير وباقي ميادين الثورة لتقتل 864 شهيدا في الايام الاولى للثورة و11 شهيدا آخر يوم موقعة الجمل. احترنا واحتار دليلنا مع هذا المولد المتكرر للبراءة للجميع، الذي يعكس قصورا متعمدا وفاضحا من أجهزة الامن المنوط بها القيام بالتحريات وجمع الادلة والاستماع لشهادة الشهود، وكان هذا هو الخطأ الاول والاساسي الذي ارتكبته عن عمد حكومة الفريق أحمد شفيق، فقد أعطت القط مفتاح "الكرار" وكلفت "الجناة" (بعض رجال الشرطة) بأن يتولوا هم أنفسهم جمع الادلة التي ستدينهم، أي ان المشكو في حقه هو من سيحقق مع نفسه او رجاله، فكان من الطبيعي ان نرى إتلاف ال"سي دي" الرئيسية الدالة على قتل الثوار في احداث القضية الرئيسية التي ادين فيها الرئيس المخلوع مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي، ليس لتواطئهم وتحريضهم على قتل الثوار، ولكن لامتناعهم السلبي عن ايقاف هذا القتل رغم علمهم به!!! في نفس الوقت الذي تم تبرئة المساعدين الستة لحبيب العادلي. وكان من بينهم مهندس عمليات قتل واصابة الثوار، مدير مباحث امن الدولة المنحل. ومنفذ العمليات بالميدان، قائد قوات الامن المركزي. وكان من الطبيعي بعد ان حصل كل من اتهموا في قضايا قتل الثوار بجميع المحافظات على البراءة على مدى الشهور الماضية، أن يرفل ايضا في نعيم البراءة كل المتهمين في قضية موقعة الجمل، وان يلجوا من الاتهام كما يلج الجمل من سم الخياط (الابرة) وهو التعبير الذي استخدمه القرآن الكريم للدلالة على استحالة حدوث الشيء، أي انه لو وقع هذا المستحيل فسوف ينفذ الجمل من الابرة. الان المستحيل تحقق وخرج كل المتهمين في موقعة الجمل من خرم الابرة او سم الخياط. قد يكون هناك بعض الابرياء بين هؤلاء المتهمين، ولكن وقائع القتل والتخريب والاصابة التي شاهدها الملايين على الهواء مباشرة على مدى ما يقرب من 24 ساعة متواصلة، تقطع بما لا يدع مجالا لادنى شك بأن هناك قتلة ومتورطين ومحرضين، وبالتالي فمن سقطوا شهداء بالميدان في ذلك اليوم لا يجب ان تذهب دماؤهم "فطيس" او تضيع ارواحهم هباء. كما ان علينا واجبا أن ننأى بانفسنا عن الهجوم على قضاة التحقيق او انتقادهم، فهم قد قاموا بعملهم بناء على ما تقدم اليهم عن عمد من ادلة مهلهلة وشهود تتناقض شهاداتهم مع بعضهم البعض واقوال مرسلة وشهادات مجروحة لبعض قادة الجيش الذين قالوا انهم لم يروا قتلى في الميدان يوم موقعة الجمل. ربما كانوا يتحدثون عن ميدان الطرف الاغر في لندن، لا ميدان التحرير بالقاهرة! الأمل اليوم في لجنة تقصي الحقائق المشكلة للبحث في قضية قتلي الثوار منذ 25 يناير وحتى 30 يونيو، واتمنى على الرئيس محمد مرسي أن يكلف جهازا أمنيا مستقلا بمساعدة هذه اللجنة التي ستقدم تقريرها للرئيس في نوفمبر القادم، حقيقة ان هناك ممثلين لاجهزة امنية سيادية في لجنة تقصي الحقائق، الا انه لو عهد الى جهاز امني مستقل يعلو على جهاز الشرطة، بجمع المزيد من الادلة والقيام بتحريات جديدة والاستماع الى شهود ربما كانوا قد تعرضوا لضغوط من قبل، بشرط توفير الحماية لهم، ربما لو تولى أمر هذه القضية الحساسة، التي سيقاس على اساسها: هل نجحت الثورة المصرية ام لا ؟ جهاز امني اقوى واعلى من الشرطة، ربما استطعنا فك لغز القضية وتوصلنا الى الجناة الحقيقيين كي نشفي صدور امهات الشهداء الثكالى وزوجاتهم الارامل وابنائهم اليتامى. بالتأكيد سيكون ذلك اكبر حفاظ على مكتسبات الثورة وطمأنة لكل من فقد عينيه او اصبح قعيدا او جريحا بفعل القمع البشع لرجال الامن ايام الثورة، كما سيكون تأكيدا على ان رئيس الجمهورية يفي بتعهداته بأن دماء الشهداء وحقوق المصابين التي وضعها في رقبته، لن تضيع، وسيتم القصاص من كل من تلوثت يداه بقتل أو إصابة الثوار حتى لا نشعر أن "خيبة الأمل راكبة جمل". نقلا عن جريدة أخبار اليوم