إيران والولاياتالمتحدة يعربان عن استعدادهما للحرب في الخليج، لكن فيما يبدو أن الطرفان يحرصان على تجنب الصراع ومنع التصعيد ولو بطريق الخطأ على الأقل في الوقت الراهن. وقد دفعت سلسلة من التصريحات الإيرانية المتشددة -خلال هذا الاسبوع- بما في ذلك تهديد جديد باغلاق مضيق هرمز وتدمير القواعد الأمريكية -خلال دقائق- من وقوع هجوم أسعار خام القياس الاوروبي مزيج برنت لتجاوز 100 دولار للبرميل للمرة الأولى منذ يونيو. ويقول مسؤولون ومحللون عسكريون غربيون ان طهران لديها القدرة على اشاعة الفوضى بالمنطقة، لكنهم يعتقدون أن الحرب الكلامية الحالية تهدف بشكل أكبر الى تحريك الاسواق ومحاولة دفع الغرب لاعادة التفكير في مسألة تشديد العقوبات النفطية الرامية لتقييد برنامج ايران النووي. جدير بالذكر أن حظرا أعلنه الاتحاد الاوروبي -في وقت سابق هذا العام - على استيراد النفط الايراني قد دخل حيز التنفيذ في أول يوليو، في حين تشدد الولاياتالمتحدة القيود المالية أيضا على طهران وحتى بعض الدول الاسيوية مثل الصين -التي كانت تأمل في الاستمرار في الحصول على الخام الايراني -حيث خفضت فيما يبدو مشترياتها لوجود صعوبة في العثورعلى تأمين على الشحن أو خطوط تعامل بنكية تاركة ايران تعاني من عزلة متزايدة. فقد قال نائب الاميرال مارك فوكس -وهو نائب رئيس العمليات البحرية الامريكية - في مؤتمر بحري بالمعهد الملكي للدراسات الامنية والدفاعية في لندن "ما نراه دائما هو أن لهجة الخطاب الايراني تصل الى ذروتها عندما تكون هناك تطورات بشأن قضية العقوبات". وأضاف "شاهدنا هذا عام 2010 وشاهدناه في يناير من هذا العام انهم يستخدمون الخطابة والمناورات العسكرية لتقديم وجهة نظرهم، مضيفا أنه من الافضل دائما أن نكون مستعدين ونحن دائما كذلك". وأبرزت واشنطن حشودها العسكرية الخاصة، مشيرة الى انضمام كاسحات ألغام جديدة وطائرات دورية والسفينة الهجومية بونس للاسطول الخامس الذي يضم المجموعتين القتاليتين لحاملتي الطائرات "ابراهام لنكولن" و"انتربرايز". وهددت إيران مرارا بالرد على أي هجوم إسرائيلي أو هجوم تقوده الولاياتالمتحدة على مواقعها النووية التي تقول ان أنشطتها سلمية تماما لكن الغرب يشتبه في أنها تهدف لتطوير أسلحة، لكن تصريحاتها هذا الاسبوع كانت أكثر عدوانية من المعتاد. وفي أحد العناوين الرئيسية -على موقعها على الانترنت - وصفت قناة برس التلفزيونية التي تديرها الدولة السفن الحربية الغربية في الخليج بأنها "كبط راقد". وقالت لجنة برلمانية ايرانية انها ستقر مشروع قانون يسمح لطهران بمنع مرور سفن أي دولة تؤيد العقوبات على طهران عبر مضيق هرمز الذي تمر منه صادرات نفط من جميع دول الخليج. وقال مايكل كونيل وهو متخصص في الشؤون الايرانية في مركز التحليل البحري الذي يقدم تحليلات للجيش وجهات اخرى في اطار مؤسسة سي.ان.ايه البحثية التي تمولها الحكومة الامريكية "ايران تذكر بشكل أساسي الولاياتالمتحدة وحلفاءها الاقليميين بأنها قادرة على الرد اذا تعرضت لهجوم". وأضاف "هناك أيضا عنصر محلي وهو تطمين مواطنيها بان قواتها المسلحة محترمة ومرهوبة الجانب". وقال اري راتنر مستشار شؤون الشرق الاوسط السابق بوزارة الخارجية الامريكية في حكومة الرئيس باراك اوباما "خطر تنفيذ ايران فعليا للاجراءات التي تهدد بها ضئيل الا أن هناك خطرا متناميا من أن هذه اللهجة الخطابية أو التصرفات الاستفزازية المتزايدة من الجانب الايراني يمكن أن تؤدي الى حسابات خاطئة تجعل الخليج يتحول الى صندوق بارود وأي شرارة غير مقصودة ربما تحدث انفجار في أي وقت". ويقول خبراء "ان اشتعال أي صراع من هذا القبيل يمكن أن يسفر عن خسائر فادحة حيث ستكون حتى السفن بالغة التطور معرضة لهجمات انتحارية بزوارق سريعة أو لهجمات بغواصات صغيرة أو صواريخ محمولة على شاحنات"، لكنهم يقولون "ان النتيجة النهائية لن تكون محل شك وهي رد واسع النطاق تقوده الولاياتالمتحدة يدمر الجيش الايراني". ورغم كل هذا الحديث يقول ضباط بحريون ان التوتر في الخليج بين القوات التي تقودها الولاياتالمتحدة والقوات الايرانية أقل مما كان عليه قبل بضع سنوات أو حتى شهور مع وجود دلائل واضحة على أن ايران نفسها تتراجع. وقال قائد العمليات البحرية الامريكية جوناثان جرينرت في مؤتمر صحفي الاسبوع الماضي ان البحرية الايرانية تواصل العمل "بطريقة حرفية ومهذبة". واضاف أن عدد المواجهات مع الوحدات البحرية للحرس الثوري التي يقتربون فيها أكثر من اللازم من السفن الامريكية قد انخفض أيضا. ورغم الحديث بين الحين والاخر عن رفض ايران السماح لحاملات الطائرات الامريكية بالمرور عبر مضيق هرمز يقول ضباط بالبحرية الامريكية انه يبدو في الحقيقة أن الوحدات الايرانية تلقت تعليمات بالابتعاد عندما تعبر الناقلات المضيق. من جانبه قال نائب الاميرال فوكس "لم أعمل قط بجدية أكبر من قبل لمنع نشوب صراع"، وتقول مصادر مطلعة بالبحرية ان الزيادة الحالية في القوات بالخليج كانت مقررة منذ شهور. وقال هنري سميث محلل شؤون المنطقة لدى كونترول ريسكس في لندن "نلاحظ زيادة أخرى في الحرب الكلامية من جانب ايران وبدرجة أقل من جانب الولاياتالمتحدة، لكن لا ينوي أي من البلدين بدء حرب في الخليج الفارسي، فالدولة التي ينبغي مراقبتها هي اسرائيل، وطالما قالت حكومة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو انها تحتفظ بالحق في توجيه ضربة مباشرة ايران اذا رأت اسرائيل أن واشنطن والقوى الاخرى لا تفعل ما يكفي من خلال العقوبات أو الدبلوماسية لمنعها من الحصول على سلاح نووي، لكن هناك فهم متزايد بأن هذا الاحتمال ربما بدأ ينحسر بالفعل وأن الولاياتالمتحدة واسرائيل ستواصلان على الارجح الاعتماد على أساليب سرية -مثل فيروس الكمبيوتر ستكسنت- لابطاء التقدم النووي الايراني". وأضاف هنري "ربما قرر نتنياهو نفسه بالفعل الانتظار على أمل أن يتم انتخاب الجمهوري ميت رومني رئيسا جديدا للولايات المتحدة ويكون أكثر تأييدا لاسرائيل ويعطيها على الاقل الذخائر المتطورة الخارقة للتحصينات اللازمة للوصول الى المواقع النووية تحت الارض". واستمر هنري في القول "في حين أنه قد لا يرغب أحد في الواقع في المجازفة بالتصعيد في الوقت الراهن فمن المرجح أن تستمر المواجهة في الخليج على حالها الى حد كبير ودون تغيير حتى وان تضمن ذلك بعض نوبات التوتر الشديد التي تؤثر على الاسواق، وحتى اذا أسفر اشتباك عرضي عن تحطم طائرة أو الحاق أضرار بسفينة حربية يعتقد البعض أن جميع الاطراف ستجد سبيلا لنزع فتيل التصعيد بسرعة". وقالت ريفا بالا رئيسة قسم الاستراتيجية في ستراتفور لاستشارات المخاطر السياسية ومقرها في الولاياتالمتحدة "هذه الزيادة في التوتر متوقعة، لكن الطرفين مشاركان في مسرحية الى حد ما انهما يعرفان ما يفعلانه وسيخسران كثيرا جدا في حالة وقوع مواجهة فعليه، لكن البعض يعتقد أن هذا النمط غير قابل للاستمرار". وأضافت ريفا "في ظل الاعتقاد بأن طهران تقترب من امتلاك القدرة على انتاج سلاح نووي فعال واشتداد أثر العقوبات الاقتصادية على الايرانيين العاديين يقول هؤلاء انه يتعين أن يحدث شيء في نهاية الامر وتعتقد معظم أجهزة المخابرات أن ايران لم تخذ حتى الان قرارا سياسيا بامتلاك سلاح نووي. وترى ريفا "أن هناك مخاوف من ان يبدأ زعماء الجمهورية الاسلامية في حالة الضغط عليهم أكثر من اللازم معركة على أمل توحيد الشعب خلفهم ضد عدو مشترك". وقال ضابط مخضرم في البحرية يتمتع بخبرة كبيرة في المنطقة "نحن ندفعهم بشكل أساسي في زاوية - كطيار مقاتل قديم - اعتدنا القول عندما تنفد خياراتك عليك اعادة تحديد المعركة التي تخوضها سيضطرون عندها اما الى الاذعان أو فعل شيء غير متوقع.، وأعتقد أنهم سيفعلون أي شيء عندما يتعلق الامر بالدفاع عن وجود النظام".