بعد أن طوت 2015 أوراقها ورحلت بكل إيجابياتها وسلبياتها، نستقبل اليوم العام الجديد بروح الأمل التي تجمع هذه الأمة وتوحد صفوفها، لعل الغد يحمل الخير والتقدم والنماء، وتعاملا أفضل مع السلبيات بعد سنوات صعبة مرت بنا وبعد مكابدة حقيقية مع ظروف غير مواتية على أصعدة عدة. أمس الأول، دشن الرئيس عبدالفتاح السيسي مشروع استصلاح المليون ونصف المليون فدان في الفرافرة بالوادي الجديد، في إطار الوعود الرئاسية التي قطعها على نفسه، حيث تتضمن خطة العمل خلال المرحلة المقبلة جميع مناطق المشروع العملاق. كانت الفرافرة في استقبال الرئيس وكبار المسئولين والشباب الذي تقوم على سواعده المشروع، بلافتات الأمل التي تقول "يلا نكمل المشوار" بينما سادت أجواء الفرحة والتفاؤل مكان الاحتفال، في رد واضح على دعوات اليأس والإحباط، التي يروج لها البعض، مستغلا بعض السلبيات والتناقضات والتعامل الرخو من جانب مسئولين مع ملفات مهمة، والتي تسعى جاهدة من أجل إجهاض المشوار وإطفاء جذوة الأمل في النفوس. من الفرافرة وفي عمق الصحراء كانت بداية العام الجديد مفعمة بروح مصرية وثابة، ترى الخير في الإعمار والبناء، وتحمل ثقة في توجهات القيادة السياسية التي لا تدخر وسعاً في حشد الطاقات وتوفير الإمكانات اللازمة لتحقيق انطلاقة جديدة للمجتمع المصري، كانت الروح وثابة وهي ترى الانتهاء من تجهيز عشرة آلاف فدان بالفرافرة ومن حفر 40 بئرا جوفية كبداية لمشروع عملاق يستهدف زيادة الأراضي الزراعية، فضلا عن زيادة الرقعة المؤهلة للسكان ورفع صادرات مصر من المنتجات الزراعية من خلال ثلاث مراحل الأولى تبلغ نحو 500 ألف فدان والثانية تنمية واستصلاح 490 ألف فدان والمرحلة الثالثة تشمل 610 آلاف فدان. تمضي قاطرة التنمية والتحديث من خلال سياسات الأمل في عامي 2015 و2016 والتي استهلت العام المنصرم بالمؤتمر الاقتصادي الدولي في شرم الشيخ الذي أسفر عن تعاقدات مهمة مع الشركاء الدوليين، أهمها توقيع عقد تنمية حقل "ظهر" للغاز الطبيعي في مياه البحر المتوسط قبل الإعلان عن الكشف العملاق في نهاية أغسطس الماضي من جانب الشركة الإيطالية القائمة على تطوير الحقل، وبدء العمل فعليا في الحفر قبل أيام قليلة، وكذلك التوصل إلى اتفاقيات عاجلة مع كبرى شركات صناعة التوربينات المولدة للطاقة في العالم لسد فجوة إنتاج الكهرباء التي أسفرت، بعد أشهر قليلة في العام الماضي، عن القضاء التام على ظاهرة انقطاع التيار الكهربائي وتخفيف الأحمال، وهي المشكلة التي عانى المصريون منها في الأعوام القليلة الماضية، وأدت إلى تراجع كبير في الإنتاج الصناعي. وفي أغسطس أيضا، كان موعد مصر مع افتتاح قناة السويس الجديدة التي حققت ازدواجا للقناة في زمن قياسي بسواعد مصرية وبمشاركة واسعة من الشركات المحلية والعالمية تحت إشراف الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، التي قدمت نموذجا مثاليا لسرعة الإنجاز ودقته، والعمل لا يهدأ في مشروع الطرق القومي بطول خمسة آلاف كيلو متر، وظهرت بشائر المشروع على أكثر من محور يخدم برامج التنمية في كل أنحاء البلاد، وفي أقصى الشمال، موعد آخر مع التحدي في مشروع تنمية منطقة شرق بورسعيد، التي نسابق الزمن للانتهاء منها في غضون عامين فقط والتي تشمل مرحلته الأولى إنشاء ميناء شرق بورسعيد بالتوازي مع إنشاء منطقة صناعية بمساحة 40 كم متربع، تضم صناعات للسيارات ومستلزماتها، وصناعات هندسية ومناطق للتغليف والتعبئة، ومنطقة مزارع سمكية بمساحة 80 كيلومترا مربعا لإنتاج 55 ألف طن من الأسماك سنويا، وإنشاء نفقين، ونفق سكة حديد يربط الطريق الدولي الساحلي عبر الأنفاق بالحدود الشرقية للبلاد، وتعد منطقة شرق بورسعيد انطلاقة حقيقية لمشروع التنمية على مساحة 160 مليون متر مربع، منها ميناء تجاري بحري كبير به العديد من الأرصفة بطول 20 كيلومترا، ورصيف غربي بينهما مجرى مائي كمرحلة أولى، وقد وصلت ماكينات حفر الأنفاق إلى جنوب بورسعيد وشمال الإسماعيلية بالفعل حيث ينطلق العمل في يناير الحالي. قصدت من العرض السابق أن نرى حجم ما يتم إنجازه على الأرض دون مبالغة أو دون دليل ملموس، حيث الهدف الحقيقي هو تحقيق التنمية المستدامة من خلال مشروعات كبرى تستوعب أعدادا كبيرة من الشباب في سوق العمل، وتسهم في محاربة وحش البطالة بعيدا عن الشعارات الفارغة المضمون، كما أن السياسات الاجتماعية تقع في صلب السياسة التي تستند عليها الحكومة في عملها بتكليفات واضحة من القيادة السياسية ومنها سياسة السيطرة على الأسعار وتوفير السلع لمحدودي الدخل، وهي السياسة التي أثمرت في الأسابيع الأخيرة تحسنا ملحوظا في طرح السلع الضرورية بأسعار مناسبة، مع وجود اتجاه طويل المدى لمراقبة الأسواق لمنع التلاعب بقوت الشعب، وفي الشهور الماضية، كثف الرئيس السيسي من مساعيه لإدماج القطاع الخاص ورجال الأعمال في عملية إعادة البناء، لإيمانه أن القطاع الخاص يمثل عصب الاقتصاد الوطني، وأن دور الدولة هو حماية الاستثمار وتوفير بيئة جديدة ملائمة لضخ المزيد من رءوس الأموال في شرايين الاقتصاد المحلي. وفي جميع ما سبق، تنطلق القيادة السياسية من التعامل بواقعية مع مشكلات المجتمع المصري بما يوفر في نهاية المطاف "سياسات عملية" تسعى لتحفيز نمو الاقتصاد وبث جرعات من الثقة في أوصاله لتعظيم المكاسب والمنافع للجميع، فالسياسات الاجتماعية تنجح عندما تقترب أكثر من احتياجات الطبقات المهمشة والفقيرة ومحدودي الدخل، مثلما حدث في حقبة الستينيات، وتفشل تلك السياسات عندما تبتعد عن أهداف التنمية الحقيقية، وتغفل مكاسب تلك الطبقات على غرار ما جرى بعد حرب أكتوبر 1973، وفي سنوات حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك وأدى تآكل التأييد للسياسات المطبقة إلى الثورة الشعبية ضده قبل خمسة أعوام. في الجانب السياسي، شهد الربع الأخير من العام الماضي إتمام الاستحقاق الانتخابي لمجلس النواب الجديد وأسفرت، نتائج الإنتخابات عن تمثيل غير مسبوق لشرائح كان غيابها عن البرلمانات السابقة يمثل خللا خطيرا، وهي فئات الشباب والمرأة… فبعد أيام قليلة يعقد البرلمان جلسته الإجرائية ويلقي الرئيس السيسي خطابا مهما حول قضايا العمل الوطني وأوليات عمل الحكومة، بينما يترقب الرأي العام أداء نواب الشعب حيث الكل متعطش إلى رؤية كيف ستعمل السلطة التشريعية إلى جانب السلطة التنفيذية لإنجاز الكثير من القوانين ومراقبة الأداء الحكومي، وطرح رؤى جديدة للإصلاح تعين القيادة السياسية على المضي في طريق إعادة البناء، وهي مهمة لا يمكن الاستهانة بها ولا يمكن التقليل من آثارها، حيث البرلمانات تمثل دائما الرئة التي يتنفس من خلالها المجتمع، ويطرح عبر بواباتها همومه ومشاكله، فهي القناة الشرعية الأكثر زخما والأكثر حيوية في البيئات الديمقراطية السليمة. أرى أن النواب الجدد في حاجة إلى إعلاء مصلحة الوطن فوق المصالح الشخصية الضيقة، وفوق المكائد وأحاديث الصغار التي إستشرت على بعض القنوات الفضائية، وجعلت الرأي العام يتوجس خيفة من البرلمان قبل انعقاده وفي علاج الأمر السابق لا بديل عن بناء كتل برلمانية ناضجة تضع أولوياتها بنفسها، وتحدد مساراتها بدقة متناهية حتى لا تتوه الحقائق أو يغرق المجلس في الحسابات الضيقة والمشاحنات الفارغة…. مجلس النواب الجديد لابد أن يرتقي إلى وعي الأمة التي خرجت في 30 يونيو لإسقاط نظام فاشي جاهل لم يملك القدرة أو الرغبة في تحقيق مصالح الشعب، وانصب كل اهتمامه في تصفية الحسابات مع خصومه وإقصائهم من العملية السياسية، ووعي الأمة ظهر بوضوح في الإنتخابات الأخيرة عندما أسقط عددا كبيرا من رموز الفساد في عهد مبارك، وفي دفن أسطورة تيارات الإسلام السياسي في الصناديق وإنهاء أحلامهم في بناء كتلة برلمانية مؤثرة. وأرى أيضا أن وعي القيادة السياسية ووعي الأمة هما الرافعتان الكبيرتان اللتان تستندان إلى حماية قيم وثقافة المجتمع، ولا يمكن لنواب البرلمان أن يتجاهلوا تلك القيمة العظيمة الممثلة في البوصلة الشعبية والوطنية التي كانت الشعلة التي أهدت الأمة إلى نبذ الفاسدين والمدعين في السنوات السابقة، وهي البوصلة نفسها التي تثق اليوم في خيارات القيادة السياسية، وتدعمها في صمت وتقف عند اللزوم ضد دعاوى الفرقة والهدم. في مستهل عام جديد نتذكر شهداء الجيش والشرطة والمصابين منهما الذين ضحوا بأرواحهم وبأنفسهم من أجل أن يعيش 90 مليون مصري في اطمئنان وسلام واستقرار.. وهؤلاء يجب ألا تضيع دماؤهم هباء من أجل مصالح خاصة، أو من جانب صناع الفوضى ومثيري القلاقل والفتن. نعلم أن التحديات كبيرة وأن الفاسدين "والمناضلين" باسم ثورة 25 يناير والمتآمرين على مصالح الأمة لن يعدموا الحيل لإثارة الفوضى وتصدير الإحباط وافتعال الأزمات لوقف قطار التنمية وبناء الدولة الحديثة، لكننا نثق في صدق القول والفعل سواء من جانب السلطة السياسية الممثلة في الرئيس والحكومة، أو من جانب نواب البرلمان المنتخبين في واحدة من أكثر الإنتخابات نزاهة وشفافية في تاريخنا.. وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم.. نقلا عن جريدة الأهرام