أكد الأمين العام لجامعة الدول العربية الدكتور نبيل العربي أن النظام الإقليمي العربي، بمختلف مكوناته، يواجه تهديدات خطيرة وتصعيدا غير مسبوق في وتيرة الأحداث الملتهبة، التي تدور رحاها في عدة دول عربية ذات ثقل وتأثير مباشر على حاضر ومستقبل الأمن القومي العربي برمته، بل ومستقبل شعوب هذه الدول وأمن واستقرار المنطقة بأكملها والعالم. وقال العربي – في كلمته اليوم الأحد أمام الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة ال 144 لمجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية برئاسة الإمارات – "إن معالجة الأوضاع المعقدة والمتفاقمة التي تواجهها المنطقة تتطلب نهجا جديدا، وعلى نحو ملح، توجها مبتكرا وغير تقليدي، ومواقف قادرة على التأثير في مجريات الأحداث وتفاعلاتها الإقليمية والدولية، وبما يضع حدا لهذه الأزمات، وحتى يتمكن العمل العربي من الارتقاء إلى مستوى التحديات المطروحة ويستجيب لتطلعات الشعوب العربية ودولها". وأشار العربي إلى أن مجلس الجامعة العربية على مستوى القمة والمستوى الوزاري سبق أن اتخذ في هذا الصدد، العديد من المواقف والقرارات الهامة التي تحتاج إلى المتابعة الجادة والدؤوبة من قبل أجهزة العمل العربي المشترك والدبلوماسية العربية، لتجد طريقها إلى التنفيذ وتخرج من إطار القول إلى الفعل الملموس المواكب لحجم التحديات والمخاطر المتصاعدة. واعتبر أن الانتقادات الموجهة لفاعلية الجامعة العربية وأمانتها العامة كثيرا ما تكون قاسية، وتقلل دون وجه حق من شأن الجهود التي بذلت عبر سنوات طويلة من العمل الشاق من جانب الدول الأعضاء ومن جانب الأمانة العامة، إلا أننا يجب أن ندرك ما يكمن خلف قسوة هذه الانتقادات، هو رغبة عارمة لدى الشعوب العربية كافة في تطوير دور الجامعة، بحيث ترتقي لطموحات الشعوب، وهذا هو التحدي الذي يواجهنا اليوم. وسيحكم علينا التاريخ إن لم نقبل التحدي ونرتفع لمستواه. وأكد أن قضايا العمل العربي المشترك وما يواجه الجامعة العربية من تحديات في هذا المنحنى التاريخي الحاسم يتطلب التحلي بالجرأة والصدق اللازمين، بل واغتنام ظروف التحولات والمتغيرات الكبيرة التي يشهدها الوطن العربي، واستثمارها للإقدام على الخطوات المطلوبة لتطوير العمل في الجامعة، وإصلاح نظمها وهياكلها وآليات عملها، لتمكينها من مواجهة هذه التحديات. وقال العربي إن في مقدمة التحديات أمامنا دائما هي القضية الفلسطينية، القضية المركزية والمحورية، التي لازالت تعاني من انسداد أفق الحل والتسوية النهائية القائمة على مبدأ حل الدولتين، على الرغم من الجهود المضنية الفلسطينية والعربية والإنجازات الدبلوماسية التي تحققت بالفعل، والتي أسفرت خلال الأيام الماضية عن إصدار قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة برفع علم دولة فلسطين فوق مقارها. وأكد أن هذا القرار يشكل إنجازا دبلوماسيا هاما يحمل دلالة رمزية كبيرة باتجاه الاعتراف بدولة فلسطين كدولة كاملة العضوية في الأممالمتحدة، واعترافا جديدا يؤكد على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدسالشرقية. وتابع العربي: غير أنه يتعين الاعتراف بالواقع، وهو أن الجهود الدولية المبذولة لا تزال غير قادرة على ممارسة الضغوط اللازمة على الجانب الإسرائيلي، الذي ضرب بعرض الحائط كافة قوانين وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، وأتقن لعبة التسويف والمماطلة لإفشال ما طرح وما يطرح من مبادرات، في إطار إستراتيجيته التفاوضية الرامية لتضييع الوقت، واستكمال مخططاته في عمليات التوسع الاستيطاني وتهويد القدس وفرض واقع يستحيل معه إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدسالشرقية، طبقا لما نصت عليه قرارات الشرعية الدولية". وأشار إلى أن آخر مسلسل الانتهاكات الإسرائيلية يتمثل في الاقتحام الوحشي الذي قامت به قوات الاحتلال الإسرائيلي صباح اليوم لباحات المسجد الأقصى، والاعتداء على المصلين بداخله، ولابد من اتخاذ موقف فاعل ومؤثر من جانب الدول العربية والإسلامية لمواجهة الاعتداءات الإسرائيلية. ولفت العربي في هذا الصدد، إلى أن القرارات التي اتخذها مجلس الجامعة على مستوى القمة والوزاري، وكذلك المواقف التي عبرت عنها اللجنة الوزارية لمبادرة السلام العربية، والتحركات الدبلوماسية التي قامت بها اللجنة الوزارية المصغرة المنبثقة عنها، قد أكدت جميعها على الموقف العربي الداعي إلى إقرار التسوية الدائمة والعادلة لجميع القضايا العالقة وإطلاق مسار مفاوضات جدية لإنهاء النزاع، وفقا لحل الدولتين كما حددته قرارات الأممالمتحدة ومجلس الأمن ذات الصلة. وقال العربي إن سكرتير عام الأممالمتحدة وجه الدعوة إلى وزراء خارجية المملكة الأردنية الهاشمية والمملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية، وكذلك إلى جامعة الدول العربية للمشاركة في اجتماع وزاري للجنة الرباعية والمقرر عقده في نيويورك يوم 30 سبتمبر الجاري، مشيرا إلى أن هذه هي المرة الأولى التي تدعى فيها الجامعة للمشاركة في اجتماع للرباعية على المستوى الوزاري. وأشار العربي إلى أن الرباعية لم تحقق شيئا جوهريا أو ملموسا حتى الآن، وطرحت من سنوات فكرة السعي إلى إنهاء دورها، وذلك لكونها كما نعرف جميعا، تكتفي بإصدار البيانات التي تذهب أدراج الرياح، ولكن أرجو اليوم أن يكون هناك اهتماما حقيقيا للقيام بعمل ملموس، ونأمل أن يتم التوصل إلى ذلك في الاجتماع المقبل للرباعية في نيويورك. وأكد أن إطلاق عملية مفاوضات جادة وبناءة للتوصل إلى السلام في فلسطين تتطلب أن يتبنى مجلس الأمن قرارا واضح المعالم يحدد أسس ومرجعيات عملية المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، مع إقرار آلية تنفيذية تضمن الالتزام بتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه من خطوات باتجاه الحل النهائي، وذلك ضمن إطار زمني محدد. وقال العربي إن المعالجات المطروحة للأزمة السورية المتفاقمة، لاتزال عاجزة عن وقف نزيف الدماء والدمار، ولايزال الشعب السوري يعاني المزيد من المآسي والويلات، نتيجة لاستمرار هذه الأزمة التي أصابت البشر والحجر، مهددة بنية الدولة السورية ومؤسساتها. كما أن تعقيدات الأزمة وتشابك تداعياتها تفرض علينا وبإلحاح ضرورة بلورة رؤية عربية فعالة قادرة على التعامل مع مختلف أبعاد هذه الأزمة، وذلك بالتشاور والتنسيق مع مختلف الأطراف الإقليمية والدولية المعنية بمجرياتها، حتى يتمكن مجلس الأمن من الاضطلاع بمسئولياته السياسية والأخلاقية تجاه هذه الأزمة، وحتى يتمكن مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دي مستورا من إحراز التقدم المنشود في الخطة التي طرحها لتنفيذ مقررات مؤتمر جنيف"1″. وأشار إلى أن "دي مستورا" سيقدم اليوم تقريرا أمام المجلس لشرح مقترحاته وخطة تحركه المقبلة، وذلك خلال الجلسة المخصصة لبحث بند الوضع في سورية، معربا عن أمله في أن يتم بلورة خطة تحرك مشتركة مع الأممالمتحدة في هذا الشأن. وأكد العربي أن مشهد الطفل الغريق "ايلان" أدمى القلوب ويذكر بعمق الأزمة الإنسانية القاسية التي يتعرض لها النازحون واللاجئون السوريون، والتي أصبحت اليوم على حدود الدول الأوروبية. وقال العربي "لابد أن ننظر للأمور في الإطار الصحيح، فالدول العربية المضيفة للاجئين السوريين وغيرهم لم تدخر جهدا من أجل إغاثة هؤلاء اللاجئين"، مشيرا إلى أن الأردن ولبنان لديهما ما يزيد عن ثلاثة ملايين لاجئ سوري، وهو ما يفوق طاقات هاتين الدولتين، وكذلك العراق ومصر وتونس والسودان والجزائر وغيرها من الدول العربية التي تحملت الكثير، وبما يفوق قدراتها وإمكانياتها. ولفت إلى أن الدول العربية المانحة ودول الخليج العربي قدمت الكثير من المساعدات في هذا الشأن، منوها في هذا الصدد بدور الدول العربية جميعها، خاصة استضافة دولة الكويت لمؤتمرات المانحين الدوليين الثلاث لدعم الوضع الإنساني في سورية، وذلك تحت الرعاية الكريمة للشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت. وأكد العربي مجددا على أن وضع حد لتفاقم أزمة اللاجئين، سواء تعلق الأمر باللاجئين السوريين أو العراقيين أو الذين يفرون من جحيم تنظيم "داعش" الإرهابي، وما ينتج عنها من مآسي إنسانية قاسية لا يمكن معالجتها جذريا إلا عبر تضافر الجهود العربية والإقليمية والدولية، للإسراع بإيجاد الحل السياسي المناسب لإنهاء الكارثة السورية وعودة السلم وصيانة استقرار هذا البلد العربي العزيز وتحقيق تطلعات الشعب السوري الشقيق. وأشار العربي إلى أن قرار قمة شرم الشيخ عبر عن موقف واضح في دعم عملية "عاصفة الحزم" في اليمن، التي تنفذها قوات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، والتي جاءت تلبية لطلب من فخامة الرئيس عبد ربه منصور هادي رئيس الجمهورية اليمنية، والذي يمثل الشرعية في اليمن. وأعرب عن خالص التعازي والمواساة لحكومات دولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين والمملكة العربية السعودية، لاستشهاد عدد من جنودهم المشاركين في عملية "إعادة الأمل" في اليمن. كما أعرب عن أمله في أن تفضي الجهود المبذولة إلى إقرار الحل السياسي المنشود للأزمة اليمنية تحت رعاية الأممالمتحدة، وفقا للمرجعيات المتفق عليها وهي قرارات مجلس الأمن وآخرها 2216 ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني والمبادرة الخليجية، مشيرا إلى أن الجامعة العربية تواصل على نحو مستمر مشاوراتها في هذا الشأن مع الأممالمتحدة ومبعوثها إسماعيل ولد الشيخ أحمد. ولفت إلى أن الأمانة العامة للجامعة العربية تواصل وبالتشاور والتنسيق مع الأممالمتحدة ومبعوثها الخاص بشأن ليبيا برناردينو ليون، جهودها لحث الأطراف الليبية على التوصل إلى اتفاق سياسي يفضي إلى وقف القتال وحالة الانقسام حول خطوات إنجاز المرحلة الانتقالية، مؤكدا في هذا الصدد على دعم قرارات الجامعة العربية للحكومة الشرعية المؤقتة المنتخبة في ليبيا، وضرورة توفير الدعم اللازم لها في مواجهة الإرهاب وبسط الأمن في ربوع البلاد، وذلك وفقا لقرارات مجلس الجامعة ذات الصلة. وطالب العربي إيران بالانسحاب من الجزر الإماراتية الثلاث التي تحتلها، والقبول باللجوء إلى محكمة العدل الدولية لحل النزاع. وأشار إلى ضرورة بذل الجهود الجادة من أجل متابعة تنفيذ قرار المجلس الوزاري الصادر في 7 سبتمبر 2014، والذي تضمن مجموعة من الخطوات الشاملة والجماعية الهامة لمكافحة الإرهاب وأنشطة الجماعات الإرهابية المتطرفة، لافتا إلى أن هذا أمر من المهم جدا متابعته لكون المواجهة مع الإرهاب لا تقتصر فقط على المجالات الأمنية والعسكرية، بل تشمل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والعقائدية والفكرية وغيرها من الأبعاد. وأكد العربي في هذا الصدد على دعم الجامعة العربية للحكومة العراقية في حربها ضد الإرهاب، وفي كل ما تتخذه من تدابير وإجراءات لتطهير أراضيها من تنظيم "داعش" الإرهابي. وأشار إلى أن هناك تقريرا معروضا أمام الدورة 144 يتناول أنشطة الجامعة، ومتابعتها للتطورات في بقية الدول العربية، مثل مستجدات الوضع في الصومال، والتأكيد على دعم السودان في مساره الديمقراطي والحوار الوطني، إضافة إلى الجوانب الأخرى الاقتصادية والاجتماعية والإعلامية والتعاون العربي مع التجمعات الدولية والدول الصديقة. وأكد العربي على القرارات الهامة التي اتخذتها قمة شرم الشيخ الأخيرة، وخاصة القرار المتعلق بإنشاء القوة العربية المشتركة، والذي يعد بكل المقاييس قرارا تاريخيا. وشدد على أهمية وضع هذا القرار موضع التنفيذ، نظرا لكون تنفيذ هذا القرار يمثل إرتقاءا نوعيا للعمل العربي المشترك، كما أنه سيسهم في معالجة بؤر الأزمات المشتعلة في المنطقة، داعيا إلى ضرورة تكثيف المشاورات خلال الفترة المقبلة لعقد اجتماع وزراء الدفاع والخارجية العرب في أقرب وقت ممكن لاعتماد مشروع البروتوكول المطروح في هذا الشأن.