عندما يتحول المشهد السياسي في اي دولة الي 'رمال متحركة' في ظل غياب الثوابت والقواعد الحاكمة للعبة السياسية فإن كل التحالفات والعداءات تصبح واردة بشدة. لذلك لم يكن الاعلان عن تحالف عبد العزيز الحكيم رئيس المجلس الاعلي الاسلامي في العراق و'خصمه اللدود' مقتدي الصدر زعيم التيار الصدري مفاجأة لأي متابع للمشهد العراقي الراهن. والحقيقة ان مقولة 'اعداء الامس.. حلفاء اليوم'.. تنطبق بشدة علي الزعيمين الشيعيين اللذين رفعا راية التحالف بعد صراع دام بينهما منذ سقوط نظام الرئيس الراحل صدام حسين عام 2003 فبعد ان كانا يتسابقان من اجل السيطرة علي الطائفة الشيعية في العراق اكتشف الحكيم والصدر ان التنافس بينهما قد يقوض سعيهما للسلطة وهو ما دفعهما الي ابرام اتفاق 'وثيقة الشرف' الاسبوع الماضي. ظاهريا يؤكد الاتفاق حرمه الدم العراقي ونبذ العنف بين فريقيهما لكنه يستهدف في مضمونه تعزيز هيمنة الشيعة علي الساحة السياسية ومواجهة السنة خاصة في ظل تسليح الولاياتالمتحدة عشائر سنية لمواجهة الجماعات المسلحة في العراق وخاصة الشيعية بحسب محللين سياسيين. ويقول السياسي الكردي البارز محمود عثماني: 'ادرك الزعيمان ان الابتعاد عن اجواء الصراع المسلح سيحقق لهما مميزات سياسية' معتبرا ان الاتفاق جاء نتيجة 'المصادمات بين الجانبين والاغتيالات واحداث كربلاء'. ولذلك باتت مواقع الرجلين 'كما يؤكد عثماني' ضعيفة نتيجة الصراع بينهما مما اضطرهما لاتخاذ هذه الخطوة لاصلاح ما بينهما وتعزيز الوحدة الشيعية. ويتضمن الاتفاق 3 نقاط رئيسية اولها 'توطيد العلاقة بين التيارين وحفظ المصالح العليا الاسلامية والوطنية' وثانيها حشد المؤسسات والهيئات الثقافية والاعلامية والتبليغية من كلا الطرفين لتفعيل روح المودة والتقارب والابتعاد عن اي شئ يساهم في التباعد والتباغض'. واخيرا الاتفاق علي 'انشاء لجنة عليا مشتركة ذات فروع في كل المحافظات تعمل علي التقارب ودرء الفتن والسيطرة علي المشاكل المحتملة'. وفي قراءة لما بين سطور الاتفاق رأي مراقبون ان توصية الاتفاق بتشكيل لجنة مشتركة للعمل علي التقارب بين وجهات نظر الطرفين والتصدي للمشكلات المشتركة تستهدف ايضا العمل ضد السنة. وادي التنافس بين الحكيم والصدر للسيطرة علي الطائفة الشيعية الي مواجهات مسلحة فيما بينهما واغتيالات ومخاوف من اتساع الصراع خاصة في جنوب العراق الغني بالنفط والذي بدأت القوات البريطانية في الانسحاب منه تدريجيا. وكان الصدر قد اثار كثيرا من المشاكل في العراق منذ الاطاحة بصدام حسين ودعا في احد الاوقات الي ثورة وطنية ضد القوات الاجنبية وارسل ميليشياته المسلحة لمواجهة 'الغزاة' والشرطة العراقية وفي اوقات اخري بدا اكثر اعتدالا وسعي لدور علي الساحة السياسية والصدر زعيم شاب في الثلاثينيات من عمرة يري انصاره انه يملك من الحكمة ما يفوق سنه غير ان معارضيه يقولون انه يفتقر الي الخبرة وانه متشدد يهدف الي السيطرة علي المؤسسة الشيعية في العراق. ويمزج مقتدي الصدر بين القومية العراقية والاصولية الشيعية مما جعله رمزا لكثير من فقراء الشيعة في العراق ولم يكن ذائع الصيت خارج العراق قبل الغزو الامريكي غير ان انهيار حزب البعث كشف عن قوته التي تتمثل في شبكة من المؤسسات الخيرية الشيعية التي اسسها والده. اما عبد العزيز الحكيم الطباطبائي المولود عام 1950 وابن المرجع الشيعي الكبير محسن الحكيم فعاش معارضا لنظام صدام مع اخيه السيد محمد باقر الحكيم ويرأس حاليا المجلس الاعلي الاسلامي العراقي المجلس الاعلي للثورة الاسلامية في العراق سابقا ويعتبر الحكيم من الشخصيات المؤثرة في العراق وابرز الاصوات المطالبة بتطبيق النظام الفيدرالي في العراق اسس الحكيم كتلة الائتلاف العراقي الموحد الذي يضم عددا من الكتل والاحزاب الشيعية في العراق وفاز في اول انتخابات نيابية عامة تشهدها العراق بعد سقوط نظام صدام ب 129 مقعدا وتمت اعادة انتخابه رئيسا للمجلس الاعلي الاسلامي في 2007 في الدورة التاسعة.