بالأمس احتضن ثري مصر جسد واحد من أبر وأنبل أبنائها.. أحد رجالاتها المرموقين الأعلي قيمة وقامة هو الحبر الجليل البابا شنودة الثالث.. لقد بكت مصر بكل اطيافها ومعتقداتها حكيم الأمة الذي غرس في نفوس كل المصريين مسلمين ومسيحيين حب الوطن.. والتفاني في خدمته ورفع شأنه بين الأمم.. واتخذ الجميع قولته البليغة نبراسا يهتدون به في عشق الوطن وهي: ان مصر ليست وطنا نعيش فيه.. بل وطن يعيش فينا.. كلمة موجزة ترجمت قمة الاندماج بين الوطن وابنائه.. وقمة العشق بين الحبيب والمحبوب. ولم تكن حكمة البابا شنودة اقوالا وعظات فقط.. بل كانت مواقف حاسمة في أصعب الأوقات فكان سدا منيعا ضد محاولات اشعال الفتنة الطائفية بين أبناء الوطن الواحد والتي كانت تغذيها وتعمل علي اشعالها دول كبري.. ولكنه بهدوئه ورزانته ورجاحة عقله ووطنيته الخالصة وحبه الشديد لمصر كان يطفيء هذه النيران.. ويرفض الاستقواء بالغرب أو التدخل الأجنبي في شئون مصر بدعوي حماية الاقليات القبطية.. وكان دائما ما يردد اننا ابناء وطن واحد لنا ما لاخواننا المسلمين في هذا الوطن وعلينا ما عليهم.. ولا شأن لأي طرف خارجي بما يحدث بيننا.. فنحن قادرون علي حل مشاكلنا. ومن مواقفه المعدودة التي لا ينساها أبناء مصر رفضه الشديد للحج الي بيت المقدس بتأشيرة اسرائيلية واعلانه انه لن يسافر الي القدس إلا بتأشيرة فلسطينية بعد ان تحرر من دنس اليهود.. يده في يد صديقه الإمام الأكبر الشيخ محمد سيد طنطاوي شيخ الجامع الازهر السابق رحمه الله.. موقف يدل علي قمة الوطنية الحقة التي لا نفاق فيها ولا رياء.. بل حب خالص للوطن.. كما سعي الي انشاء بيت العيلة المصرية الذي دعا اليه فضيلة الامام الأكبر الشيخ أحمد الطيب شيخ الأزهر ليكون بيتا لكل المصريين يناقشون فيه قضاياهم ومشاكلهم البسيطة منها والعويصة بروح مصرية خالصة لوأد أي بذور للفتنة قبل إنباتها.. وتحقيق السلام الاجتماعي. وقد ظهر حب أبناء الشعب المصري للبابا شنودة عقب اعلان نبأ وفاته.. حيث بكاه الجميع وتوافدوا إلي مقر الكاتدرائية بالعباسية من كل ربوع الوطن لالقاء نظرة الوداع عليه وتوديعه الي الملكوت الأعلي في احضان المسيح ولم تشهد الكاتدرائية في تاريخها تجمعا مثل هذا التجمع من المسلمين والمسيحيين حبا في رجل كان ديدنه المحبة الصافية والتي نجح بها أن يحل كل المشاكل العويصة التي واجهتها الكنيسة علي مدي اكثر من أربعين عاما. وإذا كان جسد البابا شنودة قد غيبه الثري.. فإن أقواله وأفعاله ومواقفه ستظل باقية وخالدة في نفوس وقلوب أبناء مصر.. تجمع بينهم.. ويجب ان نضع تعاليمه وعظاته نصب اعيننا حتي نظل علي الطريق السليم الذي سعي طوال عمره الا نحيد عنه.. ونستمد منها القوة والقدرة علي التصدي لكل ما يحاك ضد الوطن من مؤامرات. وأملي أن يرزق الله مصر بخليفة للبابا علي كرسي البابوية للكنيسة المصرية يكون مثله حكيما يعمل علي توحيد كلمة المصريين ويتصدي لكل من يحاول أن يفرقهم.. وان يواصل رسالته في العمل من أجل الحفاظ علي وحدة مصر أرضا وشعبا.. خاصة ان وفاة البابا شنودة جاءت في وقت عصيب وظروف دقيقة يمر بها الوطن. آمل ان يواصل البابا الجديد المسيرة علي نهج وخطي الراحل العظيم لنشر المحبة والسلام بين أبناء الوطن.. مدافعا صلبا عن قضاياه. وفي النهاية أقدم خالص عزائي ومواساتي لكل أبناء مصر عامة ومسيحييها خاصة في فقد هذا الحبر الجليل. نقلا عن صحيفة الاخبار