أكد الدكتور سعد الزنط مدير مركز الدراسات الاستراتيجية أن الحوار الإستراتيجي المصري- الأمريكي رغم أهميته على المستوى الإستراتيجي إلا أن التوقيت يجعلني أعتبر أن الزيارة وتحديد الموعد جزءً من حملة علاقات عامة تقودها الخارجية الأمريكية لمحاولة تجميل وجهها القبيح خاصة بعد توقيع الإتفاقية النووية مع إيران وفي كل الأحوال فإن هذه الجلسات وما نتج عنها يظهر أن هناك تحولاً مريباً في الموقف الأمريكي تجاه مصر فلم يستطع الوزير الأمريكي لا بتصريحاته ولا بمفردات جمله ولا بلغه جسده أن يقنعي بأن التغير الأمريكي حقيقي. موقع "أخبار مصر" www.egynews.net أجرى حواراً مع الدكتور مدير مركز الدراسات الاستراتيجيةحول أهمية ودلالة الحوار الإستراتيجي بين مصر وأمريكا. نص الحوار. *** في البداية كيف ترى توقيت ودلالة زيارة كيري لإجراء هذا الحوار الإستراتيجي الشامل حول العلاقات المصرية الأمريكية؟ أولاً يجب أن نفهم أن الجانب الأمريكي هو الذي قام بتحديد التوقيت وقد وافقنا عليه بدورنا فبالنسبة للأمريكان لديهم خططهم المقرونه بخطط وجداول زمنية من المؤكد أنها مدروسة بشكل جيد خاصة وأنهم يعتمدوا دوماً على التنظيم والرؤى طويلة الأمد. أما الدلالة فكما قلت أعتقد أنها جزء من حملة علاقات عامة ولكنها فرصة أيضاً لمحاولة القاء بعض من أكسير الحياه إلى الأرض التى أصابها التشقق في المساحة الفاصلة وليست المشتركة بين الأمريكان والمصريين. *** وما تعليقك على كلمة كيرى خلال الجلسة الإفتتاحية والتى أكد فيها دعم الولاياتالمتحدة لمصر في حربها على الإرهاب بعد أن دعموا الإرهابية لفترة طويلة؟ بالفعل وزير الخارجية الأمريكية حيا مصر أكثر من مرة على محاربتها للإرهاب وبعض المرات على محاربتها للتطرف وكأن الأمريكان يتأرجحون ما بين حكمهم الصحيح على الإرهاب.. وإذا كنا نعتبر أن تصريحات كيري تعد من قبيل التحول الأمريكي لموقفهم دعماً لمصر فهذا يعتبر هراء. الأمريكان هم الذين صنعوا ودعموا المنظمات الإرهابية بالمنطقة على إعتبار أنها أحد الأذرع التى يتمكنوا من خلالها من إنهاك دول المنطقة أمنياً وعسكرياً وإقتصادياً وإعطائهم فرصة لتصميم سيناريو بديل عن السيناريو الذي تم إجهاضة في 30 يونيه و 3 يوليو. *** ألا ترى أن هذه الجولة من الحوار تعد إعترافاً أمريكياً بالتطور الذي حدث خلال عام من حكم الرئيس؟ بالتأكيد فالأمريكان لا يتعاملون إلا مع القوي وأعتقد أن مصر السيسي قد أظهرت القدرة المصرية على الصمود أمام كل محاولات هدم المنطقة ولذلك جاءت تصريحا كيري في هذا الإتجاه. وأذكر بما قاله كيري في الجلسة الإفتتاحية عندما قال: (العلاقات الإستراتيجية تقوم على الفرص وليس التهديدات ونحن نريد مصر قوية لتتعاون ضد الإرهاب). هذه العبارة كافية لفهم التوجه الأمريكي النابع من ثقافة أمريكية لا تحترم إلا الأقوياء حتى لو كانت القوة قوة ظلم وهو ما لا يتوافر فينا في الطبع. *** بخبرتة سيادتك ألا ترى أن الأمريكان اليوم أعلنوا صراحة تخليهم عن الجماعة؟ أعتقد أن تكلفة أمريكا على فاتورة الإخوان أكبر من قدرتهم على التخلي عن الإخوان فلن يتخلوا عنهم إلا إذا وجدوا البديل المناسب والذي تنقل عليه سداد هذه الفاتورة. وكيري في معرض حديثه عن مستقبل الحياة السياسية في مصر والإرهاب أشار بوضوح إلا أن هناك متطرفون يمكن إحتوائهم وفي ذلك إشارة ربما إيجابية ومقصودة للجيل الثالث من الإخوان خاصة بعد أن أنتهى الجيل الأول والثاني تقريباً. *** وماذا عن حديثة عن مصر والرئيس عبد الفتاح السيسي؟ يقيناً ما صدر قهراً على لسان كيري لا يحمل سوى الحقيقة المرة في واقع الإدارة الأمريكية ولكنها بالفعل هي الحقيقة التى نعلمها جميعاً وقد سجلها التاريخ حيث قال..(مصر كانت مركزاً للعالم وستظل- مصر لديها كل الإمكانيات- مصر دولة عظيمة وأمامها فرصة كبيرة). هذه التصريحات ترضيني كمصري وطني. أما لحديثة المتكرر الذي يفيد التأكيد عن السيد الرئيس فيدل دلالة قاطعة بأنه يكن هو ومن خلفه الإحترام للسيد الرئيس حتى لو تم ذلك بلا حب.. (السيسي قام بجهد كبير ورائع في دعم الطاقة وتراخيص المشروعات- سبيل التقدم به واضح- نشجع الخطوات الجديدة التى اتخذها لمكافحة الإرهاب).. هذه التصريحات تتعلق بجانب القوة في شخصية مصر السيسي. *** بعد التوجه المصري الشرقي والتقارب المصري العربي الروسي الأوربي هل كان من الأسباب التى أدت إلى تغير الإدارة الأمريكية والموافقة على رفع الحظر عن البرنامج الخاص بالمساعدات الأمريكية لمصر خاصة العسكرية؟ الموضوع في تصوري أكبر من ذلك بكثير فهو يتعلق بتوجه إستراتيجي يعد بمثابة إنقلاباً في السياسة الخارجية الأمريكية. قد ادرك الأمريكان بأن مصر بعد 30 يونيه قادرة على إعادة هندسة خريطة علاقتها الخارجية بما يحقق مصالح الأمن القومي المصري والعربي. وفي الحقيقة فإن مصر لديها الان جيل من الدبلوماسية المصرية يقوده وزير خارجية واعي ومدرك ولديه جرأه لا تقل عن جرأة أشقاءه في القوات المسلحة وكلاهما يقودان حرباً تتعلق بالجود بالفعل من هنا كان التوجه بالتركيز على إعادة تنشيط العلاقات بكل الدوائر ذات العلاقة بالأمن القومي وهي حسب الأولويات الدائرة العربية- شرق المتوسط- الإفريقية- ثم الظهير الدولي القوي والمتمثل في روسيا والصين. من هنا أدرك الأمريكان أن مصر بالفعل أحدثت عاصفة كبيرة في محيط السياسة الدولية ليس على مستواها فقط ولكن على مستوى الإقليم بالكامل. الرسالة وصلت واضحة للأمريكان وأدركوا أن مصر لم يعد امامها سوى خطوة واحدة او ما يمكن أن يطلق عليه بالثقافة العربية "شعرة معاوية" وكان التحرك الأمريكي ضرورة قصوى لعدم خسارة بلد عظيم بحجم وبتأثير مصر. *** في تحليلك أهمية التقارب المصري الأمريكي خاصة في ظل تنمية حقيقية تحدث على أرض الواقع وأفضل مثال نحن على موعد بأفتتاح أحد أهم مشروعات القرن؟ لا يمكن لأي خبير إستراتيجي أن ينكر الأهمية القصوى للعلاقة مع أمريكا ولكن ما قامت به أمريكا في السنوات الماضية من التخلي عن مصر كدولة لها دور حيوي في الإقليم جعل المصريين أكثر شعوراً بالحرية واعطاهم فرصة ذهبية لإعادة صناعة علاقات مع كل الدوائر في العالم. وقد استجابت الإدارة المصرية للإشارات الأمريكية على إعتبار أن ذلك مفيد طالما انه في إطار من الإحترام المتبادل وتقدير صحيح للدور المصري. وتحديداً إذا كنا نتحدث عن أهمية هذه العلاقة تزامناً مع إفتتاح مشروع القرن فعلى المستوى الشخصي أؤكد أن الرسالة قد وصلت بشكل قوي ليس لأمريكا فقط ولكن للعالم أجمع.. مصر قادرة.. مصر قادرة. *** هل تظن أن هذا الحوار كان معد له من قبل الإدارة الأمريكية بأجندة واضحة ومحددة وما هي الإنتقادات التى رأيتها للأمريكان اليوم؟ في تقديري الأمريكان شأنهم شأن كل الدول الكبرى لديهم دائماً أجندة جاهزة بسيناريوهات متنوعة. من هنا وما نستخلصه من خلال المتابعة فهناك في الأجندة محورين أساسيين الأول يتعلق بالعلاقة الإستراتيجية المصرية الأمريكية الخاصة والمحور الآخر يتعلق بقضايا الإقليم. وعلى المحور الأول فقد ذكر كيري في معرض حديثه الإفتتاحي أن لديه 5 موضوعات أساسية وهو جاهز بفريق عمل لمناقشة هذه الموضوعات وهي:- * أن أمريكا تريد أن تتعاون مع مصر في جذب رؤس الأموال إليها وأن أمريكا جاهزة لذلك. * التعاون مع مصر من أجل الحماية الفكرية وبراءة الإختراع والإبتكار. * دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة لخلق فرص عمل؟ * أكد أن لأمريكا إستثمارات في هذا المجال تتخطى ال800 مليون دولار. * التعاون مع مصر في وضع إستراتيجيات شاملة وكافية للطاقة وحيا مصر على معالجتها السريعة لموضوع الكهرباء. * أن أمريكا ومصر يتعاونا من أجل الإصلاحات السياسية والحوكمة الجيدة وأكد أن في ذلك عائد أفضل من النفط والمعادن الثمينة. وعلى المحور الثاني: تم مناقشة موضوعات واضح جداً أن هناك فجوة تفصل بين وجهتي النظر وأن مصر قد تمسكت برآيها وتوجهها الإستراتيجي في هذه القضايا ولم يكن ذلك خافياً حيث عرض ذلك بلغة دبلوماسية فهمت بشكل صحيح في المؤتمر الصحفي الذي عقد نهاية اللقاء.. ومن هذه القضايا قضية ليبيا- اليمن- العراق- سوريا فضلاً عن الموضوع الأكثر أهمية وهو إحساس مصر بأن أمريكا تحاول خلق ثنائية القوى في الإقليم بتبنيها إسرائيل من ناحية وتقوية الدور الإيراني من الناحية الأخرى وهو أمر مرفوض تماماً خاصة في ظل عملية الصهر والإذابة لمنطقة الشام والعراق لحساب هذه القوى وتأكيداً على التوجه الأمريكي الداعم لإنهاء فكرة القومية العربية وإستبدالها بما هو فوق القومية أي تصعيد الطائفية فوق القومية وهو أمر خطير على مستقبل الأمن القومي العربي.