صباح يوم السبت الماضي، شقت ثلاث سفن حاويات عملاقة عباب مياه قناة السويس الجديدة من البوابة الجنوبية في اتجاه الشمال حاملة بشرى نجاح أولى تجارب التشغيل لواحدة من معجزات الأيادي المصرية الأصيلة في العصر الحديث، وتغير المزاج العام للمصريين في الساعات القليلة التي تعلقت فيها عيون الملايين بشاشات التليفزيون بالمشهد التاريخي فيما طيرت وسائل الإعلام الخبر السار إلى كل الدنيا في إعلان لا يقبل المزايدة أن المصريين يصنعون قصة فارقة جديدة تضاف إلى رصيدهم في العامين الأخيرين بامتياز واقتدار. كان مشهد عبور.. سفن الشحن العملاقة وتعليقات المصريين على مواقع التواصل الاجتماعي وفي برامج الفضائيات المصرية والعربية أبلغ رد على حملات التشكيك، وكانت سخرية المصريين من المنتقدين والمتآمرين على المشروع الكبير درسا قاسيا لكل من حاول أن يهون من الإنجاز ومن تعب وعرق عشرات الآلاف من العمال والمهندسين على أرض الفيروز، ولكل من تغلبت في داخله نزعة الانتقام من الدولة والشعب وأراد أن يهيل التراب على عزيمة أمة لا تنكسر ولا تتراجع عن حقها في مستقبل أفضل. على بعد خمسة أيام من أعظم حدث بنائي تنموي منذ تشييد مشروع السد العالي في ستينيات القرن الماضي، يأتي افتتاح القناة الجديدة ومشروعات أخرى يوم الخميس المقبل بداية نقلة جديدة في تاريخ مشروع وطني، ستعقبه مفاجآت كبيرة سيعلن عنها تباعا في الفترة المقبلة وستكون بمثابة حجر الزاوية في بناء دولة مدنية حديثة وقوية لها درع وسيف. الشواهد المفرحة في الأيام التي تشهد عدا تنازليا قبل يوم الافتتاح لقناة السويس الثانية جاءت كثيرة وموحية وباعثة على الأمل في مسيرة تتقدم يوما بعد يوم في اتجاه التحديث واللحاق بمصاف المجتمعات الواعدة…. نترقب جميعا طفرة على مستويات عدة منها قطاعات الزراعة والصناعة والتجارة بل على المستوى العسكري أيضا. لقد أثبت جيش مصر.. على مدى أربع سنوات وسواء في 25 يناير أو 30 يونيو أنه حامي كيان الدولة وشخصيتها من العبث والتشويه. وفي أيام الإنجازات الكبرى ننظر بعين الرضا إلى ما نحن فيه اليوم ونترقب المزيد في قادم الأيام ونتأمل ما آلت إليه مصائر الجيوش العربية في العراق وسوريا واليمن وليبيا لنعرف أن جيشنا صان الأمانة وحفظ العهد مع شعبه ليس فقط في دفاعه المخلص عن كيان الدولة ولكن أيضا في مد يده الأخرى بالتعمير والبناء في مشروعات عملاقة على رأسها القناة الجديدة التي اختصر القائمون عليها، وفي مقدمتهم الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، زمن إنشائها في عام واحد بأوامر من الرئيس عبد الفتاح السيسي ولم تخيب ظن القيادة السياسية وأعلنت أمس الأول عن الانتهاء من المشروع قبل الموعد المحدد. معدلات أداء ووطنية الجيش المصري تقف شاهقة وعملاقة في مواجهة الأصوات الناشزة المنفرة التي تحارب بسيوف خشبية في أستديوهات فضائيات عابثة حاولت أن تلبس ثياب الحملان وقفازات الوطنية لكن الشعب المصري عرفهم اليوم على حقيقتهم وعرف أن هدفهم كان حرق وتدمير الوطن وإعادته إلى أيام الفوضى المؤلمة التي كادت أن تعصف به. في هذه المناسبة علينا أن نتذكر تلك الأيام المظلمة التي سعى فيها البعض إلى بيع البلد والعودة إلى الماضي السحيق على يد ظلاميين لا عقيدة لهم سوى القتل والتخريب فيما تورطت أطراف سياسية وقوى تزعم وجود شعبية لها في صراع على السلطة في ظل حسرة الناس على مصير بلدهم ولم تتعظ النخب السياسية من الدرس المؤلم ولم ترتدع منظمات تنتمي إلى المجتمع المدني عن السير في طريق التمويل الخارجي الذي يحمل في طياته بذور زرع الريبة والشكوك في توجهات الدولة وفي خططها التنموية ويتفرغ نفر منهم لنشر الأكاذيب عن الأوضاع الداخلية. تحدثت عن شواهد.. مفرحة كثيرة في الأيام الأخيرة وكان الأجمل هو ما يقوم به كل من الرئيس السيسي القائد الأعلى للقوات المسلحة ووزير الدفاع القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول صدقي صبحي من جهود هائلة لتطوير وتحديث وتسليح وتدريب القوات المسلحة تسهم في رفع الروح المعنوية للجيش المصري بعد أن حاول البعض تدمير تلك المعنويات. فعلى مدار أيام الأسبوع، تشرفت بدعوة من الفريق أول صدقي صبحي لحضور حفل تخريج دفعات جديدة من كليات البحرية والدفاع الجوي والجوية والحربية والفنية العسكرية ومعهد ضباط الصف المعلمين، كما شرفني وزير الداخلية اللواء مجدي عبد الغفار بحضور حفل تخريج دفعة جديدة من كلية الشرطة…. في كل تلك الاحتفالات تجسدت معاني الوفاء لأبطال القوات المسلحة والشرطة من الشهداء والمصابين. ما أجمل أن تستمع إلى السيدة عايدة عبدالحميد والدة الشهيد المقدم محمد جمال الدين من قوة الإدارة العامة لمرور الجيزة عندما قالت في حديثها إلى الرئيس أعتز باستشهاد ابني فداء لمصر وأن تكون مصر مرفوعة الرأس، وأطالب الجميع خاصة الطلاب الجدد بضرورة الحفاظ على أمن واستقرار مصر وأن نكون جميعا يدا واحدا.. وقولها كلنا مصريون لابد أن نحفاظ على بلدنا مصر فالحفاظ عليها يعني الحفاظ على الأمة العربية. وكانت كلمات العقيد ساطع النعماني نائب مأمور بولاق الدكرور السابق، في احتفال كلية الشرطة أيضا، عن مصر التي في رباط إلى يوم الدين ودحر المؤامرة على شعبنا في ظل ترابط الشعب الذي يظهر قوته في وقت المحنة نبراسا ونورا من واحد من أبطال هذا الوطن الذين لم تزيدهم رصاصات الإرهاب بالوهن بل زادتهم عزيمة وحبا لبلدهم وإيمانا بما دافعوا عنه وضحوا من أجله. وفي إطلاق اسم الفريق أول سعد الدين الشاذلي على الدفعة (82) بالكلية الجوية والكلية الحربية واسم الشهيد رقيب أول محمود محمد جاد يونس (أحد شهداء حرب أكتوبر) على الدفعة (151) لمعهد ضباط الصف معنى وقيمة للوفاء للأسماء التي صنعت الانتصارات عبر الأجيال حتى يعلم من يحتفل بإنجاز اليوم أن وراءه رجالا هم بمثابة الرموز التي تضيء لنا الطريق. من ناحية أخرى.. كان حضور أهالي الشهداء والطلاب الخريجين في احتفالات الدفعات الجديدة في الجيش والشرطة وحديثهم عن تضحيات الشهداء من أبنائهم واستعدادهم لتقديم المزيد من أجل مصر يحمل رسائل صادقة جاءت في توقيتها ليعلم الأقزام في الداخل والخارج أن الجيش المصري هو مدرسة الوطنية وأن الوطنية المصرية لا تباع ولا تشترى وهي حاضرة في قلوب وعقول المصريين وأن ما دونها من ولاءات لا يستقيم ولا يكتب له الاستمرار. في حفل تخريج دفعة الفريق أول سعد الدين الشاذلي من الكلية الحربية أمس بدا أن التطوير والتحديث والتسليح لم يقتصر على انضمام المقاتلة رافال إلى الخدمة في القوات الجوية أو الفرقاطة فريم إلى القوات البحرية، فقد شهد حفل التخرج عرض ابتكارات مذهلة لعقول وسواعد أبنائنا من طلاب الفنية العسكرية بالتعاون مع طلاب كليات الهندسة ببعض الجامعات منها تصميم وتنفيذ طائرة استطلاع بدون طيار وطائرة بدون طيار بمكونات متناهية الصغر وأنظمة إنقاذ ومراقبة ومعمل هيدروليكي إنتاج مفرقعات ذات تأثير تدميري مضاعف ومركبة ذكية وأخرى غير مأهولة لأغراض الاستطلاع خلف خطوط العدو لا وجود لبصمة حرارية لها، ورادار أرضي للنقاط المنعزلة ومنظومات حماية للأفراد والمنشآت. أيضاً وفي احتفاء بالشخصيات الوطنية صاحبة التاريخ في التنمية والتقدم لاحظ الحاضرون إطلاق اسم الاقتصادي الوطني الراحل طلعت حرب على أحد مباني الكلية الحربية. في تلك الاحتفالات.. عرفنا، أيضا، أن الجيش والشرطة لديهما مقاتلون أشداء قدموا فنونا وكفاءة قتالية ومستويات تدريب متقدمة فيما كانت الشعارات التي تظللهم في تلك العروض تتحدث عن الإيمان والفداء والمجد والتضحية والعزم والواجب. وقد توج الاحتفالات الرائعة مشاركة طلاب من الكلية الحربية في طابور العرض الخاص بتخريج طلبة كلية الشرطة ومشاركة طلاب من كلية الشرطة في حفل تخريج طلاب الكلية الحربية في تأكيد تلاحم حماة الوطن. ومثلما كانت لحظة عبور السفن العملاقة في أول تجربة للملاحة في القناة الجديدة ملهمة وباعثة على الأمل لدى قطاعات واسعة من المصريين، جاءت العروض العسكرية والقتالية لقواتنا المسلحة مبهرة تؤكد الثقة في النفس وتدعم ثقة الشعب ورسالة لمن يريد السوء بمصر أن هناك جيشا يحميها وأنها قادرة على القصاص لأبنائها. قبل أيام من الحدث الكبير.. نتذكر أيضا أن جيشنا ترك السياسة للسياسيين، وترك كلا يتاجر بقضايا لا لزوم لها ومسائل فردية ومصلحية لا محل لها من النقاش العام ومصالح عموم المواطنين، وتفرغ لعملية تعمير وبناء والأهم بالنسبة له هو حاضر ومستقبل مصر بقرارات إستراتيجية تصب في صالح تطوير وتحديث وتسليح القوات المسلحة وتنمية البلد. ولعل إنجاز القوات المسلحة في مشروع القناة الجديدة على مدى عام كامل من العمل المتواصل ليل نهار وما سوف يعلن عنه من مشروعات في يوم الافتتاح وما بعده يوفر فرصة غير مسبوقة لتعميق ثقافة إتقان العمل في القطاعات المدنية من الدولة التي في حاجة إلى أن تخرج من حالتها الراهنة وأن تسهم عن وعي في مشوار التنمية الذي انطلق قطاره قبل عام بسواعد المصريين الشرفاء والحالمين بمستقبل يصنعونه بأياديهم. تحية إلى كل السواعد التي حفرت القناة الجديدة وتحية إلى كل مصري ومصرية ساهم في تمويل القناة الجديدة وتحية إلى جنودنا البواسل، جيشا وشرطة، الذين يفدون الوطن بحياتهم وتحية إلى قيادة سياسية واعية بدور مصر إقليميا ودوليا .. وفي انتظار الحدث الكبير نقلا عن جريدة الأهرام