كم كنت فخورا بمصريتي وعروبتي وثورتي الفتية، وأنا في قلب ميدان التحرير يوم أمس في مليونية العزة والكرامة، ويوم الأربعاء الماضي ضمن طوفان من البشر، قدموا من كل فج وصوب، لإحياء الذكرى الأولى لثورة 25 يناير المجيدة، تلك الثورة التي أطاحت برأس الفساد والاستبداد، وكنست حاشيته ورموزه وأبواقه ومعاونيه، ليستقروا جميعهم في قاع مزبلة التاريخ. سبقني إلى الميدان صديق العمر أحمد الشيخ، رئيس تحرير قناة الجزيرة السابق، الذي جاء إلى القاهرة من الدوحة بهدف إعداد فيلم وثائقي عن مصر الثورة سوف تبثه القناة في وقت لاحق. هاتفني أحمد الشيخ من قلب الميدان متهللا: "كمال.. أنا الآن في حضرة ميدان التحرير.. كم كنت تواقا لرؤية فعالياته بعيني بعد أن استمعت وشاهدت وقرأت عنه كثيرا.. أرجوك إلحقني في الميدان سريعا.. ليت كل العرب معنا هنا الآن ليروا ما أراه.. كم هي عظيمة ثورة مصر بشعبها العربي الرائع وأهدافها النبيلة وأبعادها الإقليمية والدولية غير المسبوقة". في الطريق من "الأهرام" إلي الميدان عبر شارع الجلاء قرأت منشورا وزعه مشاركون في المسيرة القادمة من دوران شبرا كان يحمل عنوان "قسم الثائر المصري"، وجاء فيه: "أقسم بالله العظيم أن أحافظ مخلصا على مبادئ ثورة 25 يناير، وأن أسعى جاهدا إلى تحقيق أهدافها، وأن أحافظ على سلميتها، وأجاهد من أجل حقوق الشهداء والمصابين، وأن أحترم إرادة الشعب المصري وخياراته، وأن أظل وفيا لحرية وكرامة وعزة مصر وشعبها، وأن أقاوم كل ظلم أو استبداد أو فساد ما حييت.. والله على ما أقوله شهيد". لافتات كثيرة تقدمت مسيرة شبرا، ومعها صورة الشهيد مينا دانيال، عنوانها: "يسقط يسقط حكم العسكر.. إحنا الشعب الخط الأحمر". للمرة المليون أقول بالفم المليان، وأكتب هنا: عندما يوجه المصريون الانتقادات لأداء المجلس الأعلى، باعتباره القائم بمهام رئيس الجمهورية، ويرأس السلطة التنفيذية خلال المرحلة الانتقالية، فإن ذلك لا يمس شعرة واحدة بأي حال من الأحوال احترام المصريين لجيشهم العظيم، ذخر الوطن وحامي ثورته، وأن المساس بأفراده أو منشآته أو معداته خط أحمر. لذلك، عندما أرصد هنا بعض الهتافات واللافتات الموزعة في ميدان التحرير وعدد آخر من الميادين، فإن ذلك لا يمس بأي حال جيش مصر العظيم، بل يعكس المزاج العام للمصريين وهم يواصلون مسيرتهم لاستكمال أهداف الثورة، ويحيون ذكراها العطرة الأولى، باعتبارها هي الأخرى خطا أحمر، ويتطلعون إلى إبعاد جيشهم العظيم عن مستنقع السياسة. استمعت بنفسي إلى مسيرة دوران شبرا وهي تهتف: "يا أهالي شبرا مصر.. ننزل تاني نجيب النصر.. يا طنطاوي يا مشير.. غصب عنك في تغيير.. مش ها يفيدك كاب وبيادة.. إنت جهنم.. إحنا شهادة.. مش ها يفيدك ضرب رصاص.. مجلس عسكر بح خلاص.. أنا مسيحي أنا مسلم.. من حقوقي أبدا ما أستسلم.. جوه كنيسة جوه الأزهر.. يسقط يسقط حكم العسكر.. قالوا الجيش بيحمينا.. طلع الجيش بيدبح فينا.. كلمة أخيرة وغيرها مفيش.. السياسة مش للجيش.. مش راجعين من غير حرية.. مهما بعتوا من البلطجية.. مجلس عسكر يا أوباش.. إحنا بناتنا متتعراش.. الجيش المصري بتاعنا.. طنطاوي باعه وباعنا.. الرويني بيقول تمويل.. وآدي جيوبنا أهه فاضيين". عندما التحمت مسيرة شبرا مع باقي المسيرات القادمة من شرق القاهرة وغربها وشمالها وجنوبها، والأخريات الوافدة إلى الميدان من محافظتي الجيزة والقليوبية مع غيرهما من المحافظات، فوجئت بالهتافات التي تتردد على ألسنة الملايين: "ارحل.. ارحل.. ارحل يعني إمشي.. ياللي ما بتفهمشي.. الشعب يريد إسقاط النظام.. دي ثورة مش حفلة.. صوت الثورة طالع طالع.. من الكنايس والجوامع.. مسلم ومسيحي.. إيد واحدة.. دول عاملين علينا رجالة.. وبيرموا إخواتنا في الزبالة.. قايم نايم في التحرير.. والأسفلت عملته سرير.. لا طنطاوي ولا عنان.. دولا مبارك همه كمان.. قال بيقولوا إحتفالات.. قول فين حق إللي مات.. عسكر عسكر ليه.. برضه ها يمشي سعادة البيه.. جيشنا فوق الرأس مرفوع.. والمجلس تبع المخلوع.. يا مشير قول لعنان.. لن يحكمنا رئيس أركان.. أيوه بنهتف جوه الأزهر.. يسقط يسقط حكم العسكر". الهتافات نفسها كانت تدوي في العديد من المحافظات، وأضيف إليها هنا بعضا مما تردد في أسيوط: "إعمل حفلة وهات رقاصة.. وإبعت هات لنا كام قناصة.. لسة في صدري مكان لرصاصة". وفي دمياط: "يا خالد يا سعيد.. يا مينا يا دانيال..25 مش عيد.. دمكم مش حلال". وفي الإسكندرية: "عايز تحكم مصر يا جيش.. كان على عيني بس مفيش". وفي السويس: "ارحل ارحل ما تورطشي الجيش.. ارحل حتى الشعب يعيش". وفي الغردقة: "يا إخواننا انضموا لينا.. انتوا معانا وللا علينا". نقلا عن جريدة الأهرام