انتهاء اختبارات المتقدمين لوظائف معلم مساعد مادة اللغة الإنجليزية    تحليل عينة كل ساعتين.. تصريح مهم من رئيس "القابضة" بشأن جودة مياه الشرب    "الأوقاف": رفع قيمة القرض الحسن لهذه الفئة ل 50 مليون جنيه    وزير الخارجية: مصر تؤكد خطورة تأثير ظاهرة التغير المناخي على ندرة الموارد المائية    أسعار اشتراكات الطلبة على بعض خطوط سكك حديد مصر    وزير الخارجية يعلن رفض مصر أي إجراءات تمس بمبادئ الاتحاد الإفريقي    خلال لقائه نظيره الأوكراني.. عبد العاطي يؤكد دعم مصر لجهود إنهاء الحرب بأوكرانيا    فيديو.. أحمد موسى عن أحداث لبنان: لازم نتعلم الدرس    ماكرون يطالب إسرائيل وحزب الله بالتراجع عن التصعيد فورا    أخبار الأهلي : لاعب الأهلي ينضم رسميا الى زد لمدة 4 مواسم    أخبار الأهلي: حرس الحدود يرفض ضم لاعب الأهلي    السوبر الأفريقي.. غدًا المؤتمر الصحفي لمباراة الزمالك والأهلي    أودينيزي يتأهل للدور الثالث في كأس إيطاليا    بعد استئنافها على حكم الحبس.. إخلاء سبيل البلوجر عبير الشامي بكفالة 30 ألف جنيه    بريجيت ماكرون وملكة النرويج تتألقان في عرض ديور (صور)    خاص.. جدول حفلات مهرجان الموسيقى العربية 2024    أمين الفتوى يوضح حكم "قراءة الفنجان"    أول تعليق من إلهام شاهين بعد حريق ديكورات فيلم "الحب كله"    لمواليد «العذراء» و«القوس» و«الجوزاء».. ماذا يخبئ هذا الأسبوع لأصحاب هذه الأبراج؟    "الكهرباء": تركيب مصيدة قلب مفاعل للوحدة النووية الثالثة بالضبعة في هذا الموعد    واعظات الأوقاف يشاركن في مبادرة «خُلُقٌ عَظِيمٌ» بعدد من مساجد بني سويف    «زيرو تحرش».. عام دراسي بدون أزمات وانتشار الشرطة النسائية رسالة طمأنة لأولياء الأمور (فيديو وصور)    أهالى دراو بأسوان لقناة إكسترا نيوز: المياه آمنة ونشرب منها فى أي مكان    أرسنال يرغب في التعاقد مع أوزيل الجديد    حالة الطقس غدًا الخميس 26- 09-لا2024 بوادي النطرون    خبير شؤون إسرائيلية : الحديث عن استهداف نصف قدرات حزب الله غير صحيح    نائب محافظ الدقهلية يجتمع بأعضاء اللجنة العليا لمواجهة حرق قش الأرز    منذ بداية أغسطس حتى الآن.. خالد عبدالغفار: زيادة ضخ الأدوية محليا ب133 مليون عبوة ل364 مستحضرا دوائيا    على هامش اجتماعات الأمم المتحدة.. وزير الخارجية يشارك في فعالية رفيعة المستوى حول المياه    رئيس جامعة عين شمس يشهد توزيع شهادات دورات لغة الإشارة المصرية    ابدأ يومك بها- 10 أطعمة لخفض الكوليسترول    رئيس جامعة القاهرة يبحث مع وفد مجلس الشيوخ الفرنسD تعزيز علاقات التعاون    تستغل ابنتيها القصر.. قرار عاجل من النيابة ضد التيك توكر "وحش الكون"    خالد الجندى: عمليات التجميل والتحول الجنسى فعل شيطانى للحرب على بنيان الله    ترحيب واسع بدعم الرئيس السيسي لتوصيات الحوار الوطني.. تعزيز لحقوق الإنسان والإصلاح القانوني في مصر    كلامها حلو.. هشام عباس يكشف تفاصيل ألبومه الجديد وموعد طرحه    رئيس الوزراء: الدولة مستمرة في برنامج الطروحات وتعظيم الاستفادة من الأصول    وليد فواز يكشف سبب خوفه من دوره في مسلسل «برغم القانون».. قللت وزني    "اليوم" يسلط الضوء على الأوضاع فى لبنان بعد الهجمات الإسرائيلية بالجنوب    وزير التموين يجتمع مع رئيس البريد وممثلى شركة فيزا العالمية لبحث أوجه التعاون    ما حكم قراءة سورة "يس" بنيَّة قضاء الحاجات وتيسير الأمور؟    الإمارات تُعلن استشهاد 4 من قواتها المسلحة إثر تعرضهم لحادث    سكرتير عام مطروح المساعد للأهالي: التصالح هو ميراثك للأجيال القادمة    قافلة شاملة في قرية البصارطة ضمن مبادرة بداية بدمياط    الصحة اللبنانية: 15 شهيدًا في غارات إسرائيلية على الجنوب    وزير الدفاع: التحديات الإقليمية تفرض علينا أن نكون على أهبة الاستعداد    13 مليون جنيه إجمالي إيرادات فيلم عاشق بدور العرض السينمائي    تنظيف وتعقيم مسجد وضريح السيد البدوي استعدادًا للمولد (صور)    وزير النقل اللبناني: لا توجد مشكلات لوجيستية بمطار بيروت.. وملتزمون بقوانين الطيران العالمية    إجراء 267 ألف تدخل طبي في مستشفيات التأمين الصحي الشامل    «صحة المنوفية»: إدارة المتوطنة قدمت خدماتها ل20 ألفا و417 مواطنًا في مجالات الفحص والمكافحة    عملت وشم فشلت في إزالته هل صلاتي باطلة؟.. رد حاسم من داعية (فيديو)    ضبط نحو (14) ألف قضية سرقة تيار كهربائى خلال 24 ساعة    حارس ليفربول: 5 أمور تحسنت في مستوى محمد صلاح تحت قيادة آرني سلوت    إمام عاشور يكشف مفاتيح الفوز على الزمالك ودور اللاعبين الكبار في تألقه    القبض على عنصرين إحراميين يديران ورشة لتصنيع الأسلحة النارية بالقليوبية    إصابة 7 أشخاص فى مشاجرة بين عائلتين بقنا    تشيلسي يكتسح بارو بخماسية نظيفة ويتأهل لثمن نهائي كأس الرابطة الإنجليزية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فقراء المغرب 5 ملايين
نشر في أخبار مصر يوم 12 - 11 - 2007

الفقر، الجوع، الأمية، التهميش، الانحراف، التشرد، العنف...، كلها أمراض وآفات كثيرة تخنق المجتمع وتضعف قواه فتجعل منه أشلاء خاوية يصعب على ذلك الجسد الكامن في البلاد الواحدة أن يحملها. أمراض وأوبئة تتولد عنها أمراض أخرى أقوى وأشد ساعدا.
ويبقى الفقر أشد تلك الأمراض عسرا، وحينما نقول الفقر فنحن لا نقصد به الفقر المادي فحسب، بل هناك أيضا فقر معنوي، وفقر فكري، إلى غير ذلك من مجالات الفقر التي تتسرب إلى الأشخاص من نوافد مختلفة.
ونحن بصدد أيام الحملة الوطنية لمحاربة الفقر يجدر بنا تتبع سيرورة هذا الوباء الخطير، ودراسة العوامل المحيطة به، ابتداء من الأسباب ووصولا إلى النتائج.
تنامي الظاهرة
من خلال نتائج البحث الوطني حول مستوى عيش الأسر بالمغرب فقد انتقل معدل الفقر النسبي من 56 بالمائة بين سنتي 1959 و1960 م إلى 13.7 بالمائة في أوائل الألفية الثالثة، غير أنه حسب النتائج التي توصل بها نفس البحث فإن السنوات الأخيرة قد شهدت عودة قوية للفقر إذ أصبح عدد الفقراء في المغرب يفوق 5 ملايين فرد، و4 ملايين من المغاربة تعيش تحت عتبة الفقر، كما توصلت نفس الدراسة أيضا إلى أن 25 بالمائة من المغاربة تعاني ضعفا اقتصاديا كبيرا أي أن معدل الإنفاق السنوي لهذه الفئة يقل عن 4500 درهم.
وأمام اتساع رقعة الفقر في المغرب وظهور تلك الفروقات الشاسعة التي أصبحت تطغى على مختلف طبقات المجتمع، إلى درجة أن بعض الباحثين يتحدثون ليس فقط عن الفقر بل عن الفقرقراطية وهي أعمق وأدهى من الفقر، لأن الفقر هو حالة وواقع يمكن تغييره بوضع استراتيجية قوية لمحاربة هذا الوباء تغذيها إرادة قوية لتحسين هذا الواقع. أما الفقرقراطية فهي كما عرفها الباحثون عبارة عن مجموعة من "الآليات والممارسات الممنهجة لاستدامة الفقر عبر مسلسل الاستحواذ على خيرات وثروات البلاد واحتكار ثمرات التنمية، وتحميل الفئات الفقيرة عبء تمويل الميزانية العامة سواء على شكل تحميلها ما لا طاقة لها به أو على شكل حرمانها من خدمات اجتماعية ضرورية".
ولعل الأحداث الأخيرة والاحتجاجات العامة التي عرفتها مختلف المدن المغربية والتي نظمتها حركة تنسيقيات مناهضة الغلاء، لدليل واضح على أن كيل المواطن الفقير قد طفح، وأن انتظاراته لإصلاحات عميقة من الدولة تعالج أزماته التي لا تزداد إلا اتساعا ولا تزيده إلا إحباطا، لأن كل السياسات التي تتخذها الحكومة لا تزيد إلا من حدة أزمة الفقراء، فمنذ ثمانينات القرن الماضي بدأ يلاحظ تزايد قوي
للفقر رغم أن السياسات العامة قد حققت نموا اقتصاديا، إلا أن المجتمع قد شهد في العمق تدهورا لمستوى معيشة أوسع فئات الشعب، كما عرف المسار الاجتماعي والاقتصادي للبلاد في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات من القرن الماضي اعتماد سياسة التقويم الهيكلي التي ترجمت على شكل صرامة مالية من أجل تقليص العجز في الميزان التجاري والاستفادة من القروض الجديدة وتقليص حجمها وتصحيح التوازنات الاقتصادية، وقد نتج عن ذلك تخلي الدولة عن دورها في بعض القطاعات الاجتماعية الحيوية، مما قلص دعم مواد ومنتوجات أساسية وانخفضت المصاريف العمومية المتعلقة بالتربية والتعليم والتكوين والصحة وقطاعات حيوية أخرى أصابت في العمق العائلات الفقيرة والمتوسطة فكان نتيجة ذلك أن أصبح الاقتصاد عاجزا عن الخروج من دوامة "الإكراهات" وبالتالي صعوبة الحفاظ على التوازنات الماكرواقتصادية، وتراكم المعضلات الاجتماعية كارتفاع نسبة الفقر وتوسيع دائرة البطالة وانتشار السكن العشوائي وبروز أزمات خطيرة في وسط "المنظومة التعليمية"، وتنامي ظاهرة الأطفال المشردين وأطفال الشوارع، كل هذه آفات مجتمعية متشعبة ومتداخلة فيما بينها مما يحد ويضعف من فعالية السياسات الحكومية في هذا المجال.
القرية والفقر
يعد الفقر في العمق ظاهرة قروية بامتياز حسب ما توصلت به المندوبية السامية للتخطيط من خلال البحوث والخريطة الأولى التي أنجزتها عن الفقر أن 50 بالمئة من الجماعات القروية تعرف نسبة فقر بين سكانها أعلى من 20 بالمائة، وأن نسبة الفقر بالبوادي تعادل 3 مرات نسبته بالتجمعات الحضرية، كما أن ظاهرة الفقر تصيب بالأساس فئات النساء والأطفال والشباب وذوي الاحتياجات الخاصة.
ورغم أن المخططات الأخيرة التي بدأ ينهجها المغرب منذ بداية التسعينات بعدما تأكد لسياسة الدولة أنه لا يمكن مواكبة السير الاقتصادي والاجتماعي للدول الأخرى إلا من خلال معالجة مجموعة من الآفات المجتمعية التي يمثل الفقر أحد أخطرها وأشدها إلحاحا.
مجهودات جبارة ولكن
لا أحد ينكر مجهودات الدولة في مجال محاربة وطرد شبح الفقر، فقد اتخذت كأول خطوة لذلك فتح نظام القروض الصغرى مع أوائل التسعينات والذي أبان عن نجاعة واضحة مما جعله يضع في مخططه بلوغ المليون مستفيد في أفق 2010 م، كما ظهرت مؤسسة محمد الخامس للتضامن سنة 1999م والتي وضعت في أولى اهتماماتها خدمة المعوزين، وبذلك ظهر التزام دعم الدولة بخوض المعركة ضد الفقر والتهميش وقد أبانت هذه المؤسسة عن نتائج جد إيجابية في هذا المجال خاصة فيما يتعلق بدعم الأسر المحتاجة وكذلك دعم الجمعيات المهتمة بالمجالات الاجتماعية، عبر مختلف مناطق البلاد، كما لوحظ في الآونة الأخيرة تزايد كبير للجمعيات الناطقة باسم المجتمع، والتي تعمل بالأساس على إنجاح مبادرة التنمية البشرية التي أطلقها المغرب في سنة 2005م والتي رصدت لها مبالغ مالية هامة ثم تخصيصها على الشكل التالي: 50.000.000 درهم من الميزانية العامة للدولة، و100.000.000 درهم من قبل الجماعات المحلية، و100.000.000 درهم أخرى من طرف صندوق الحسن الثاني، ليكون بذلك مجموع الغلاف المالي الذي خصص لبداية انطلاق مشروع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية هو 250.000.000 درهم، 73.423.089 درهما منها خصصت لمحاربة الفقر بالوسط القروي، و95.112.032 درهما خصصت لمحاربة الإقصاء الاجتماعي. وتعتبر المبادرة الوطنية للتنمية البشرية تحديا مجتمعيا جديدا لمعالجة كافة الآفات المجتمعية التي يمثل الفقر أحد أخطرها لأنه هو المسرب الأساسي لباقي الآفات الأخرى كالتهميش والأمية والتشرد وغير ذلك من الأمراض المجتمعية الفتاكة.
ويبقى الفقر ظاهرة مجتمعية خطيرة مركبة ومتشعبة تتضمن في عمقها الحرمان من جملة من مقومات الحياة الضرورية كقلة الطعام وغياب الرعاية الصحية والسكن العشوائي وانتشار أطفال الشوارع والتسول والجرائم، كل ذلك لا ينفصل عن أصل واحد هو الفقر، وأزمة البطالة التي لا تزيد إلا حدة خاصة في البوادي التي تصل فيها هذه النسبة إلى أزيد من 45 بالمائة من العاطلين.
شباب ضائع
ما إن تتجول في أحد شوارع أي مدينة من المدن المغربية حتى تسترعي انتباهك تلك الأعداد الكبيرة من المتسولين أو الذين يمتهنون حرفا لا تغنيهم من جوع، أطفال في عمر الزهور بدل أن يكون مكانهم بين أقرانهم في المدرسة تراهم يتجولون بين أروقة السيارات ليمسحوا الزجاج أو تراهم ممسكين ب "سيراج وشيتة" وينادون طالبين تلميع أحذية المارة، كما تسترعي انتباهك أيضا تلك النساء اللواتي يتنقلن مادات أيديهن للتسول، وأخريات يلهثن وراء من يشتري أجسادهن بكل ذل ومهانة لسن طالبات لمتعة بل رغبة منهن في سد رمق الجوع وكثيرا ما تجد أفواها كثيرة تنتظرهن لتأكل من ثمن ذلك الجسد، وآخرون قد يرضون بأي حرفة كيفما كان نوعها فالمهم عندهم هو أن يشعروا بقيمة وجودهم، وبأنهم يكسبون من عرق جبينهم وأن يغنوا أنفسهم عن الحاجة وذل السؤال، وهناك من لا يجيد أي حرفة أو يطمح لبذل أي مجهود فيختصر الطريق ويتعلم فنون السرقة بكل أنواعها ليضع بذلك أول خطوة نحو طريق الإجرام.
أمراض وآفات خطيرة يعج بها مجتمعنا، وكلها ناتجة عن الفقر بكل معانيه، الفقر المالي والفقر العلمي والفقر الديني والفقر التربوي والفقر إلى من يمد لهم يد المساعدة وينقذ أطفالا وشبابا كان من الأولى أن يساهموا في نمو وتطور مجتمعهم بدل أن يصبحوا عالة عليه.
الفقر + اليتم = التشرد
هناك في زاوية صغيرة بباب الأحد بالرباط بملابس متسخة وشبه ممزقة، يقبع خالد منتكسا رأسُه، حاملا في يده "شيتة وسيراجا"، ينتظر زبونا يريد تلميع حذائه، ربما قد يأتي الزبون وربما قد لا يأتي، لكنه مجبر على الانتظار عله يكسب في ذلك اليوم ما يسد به رمقه. طفل في عمر الزهور يمضي النهار بكامله باحثا عن الرزق وقد يمضي الليل أيضا يتجول بين شوارع المدينة عل أحدا يرأف لحاله ويمده بالمال، كيف آل الحال بهذا الفتى ليجد نفسه بدل التوجه للمدرسة، ونيل حظه من العلم والتحصيل، يتوجه مباشرة إلى مدرسة الشارع التي لا يتخرج منها سوى محترفي الإجرام بكل معانيه.
"كون عندي أمي كون أنا دابا فالمدرسة"، قال هذه الكلمات ورأسه منحن إلى الأرض بكل أسف على واقعه، فخالد طفل في 12 من عمره، فقد أمه منذ الولادة، فتح عينيه على زوجة الأب التي كانت قاسية معه وتميز دائما بينه وبين 3 إخوة آخرين له من الأب كما يقول، وفي محاولة استفسار عن أسباب خروجه للشارع وامتهانه لهذه الحرفة قال: أن والده يعمل حمالا للسلع (صاحب كروسة)، وهو يوفر لهم رغيف اليوم: " الخبز ديما كاين عندنا فالدار وعمرنا ما حسينا بالجوع، حيت ابا تا يخدم بالليل وبالنهار"، يتحدث خالد وعيناه إلى الأرض لا يرفعهما أبدا، مما يظهر بوضوح أنه يكابر في كلامه ويحاول أن يتصنع فعيناه تقولان عكس ما يقول بل وتوحيان بأشياء كثيرة ربما لم يجرؤ حتى عن الإفصاح عنها لأحد، وبعد إلحاح كبير قال أن زوجة والده كانت قاسية معه وتضربه على أتفه الأسباب، وأنها من حرضت والده ليقعده عن الذهاب للمدرسة بدعوى ارتفاع التكاليف وأنه قد كبر وعليه أن يتعلم حرفة ما ليساعد بها العائلة، قال خالد أن خروجه من المنزل منذ حوالي 4 أشهر علمه أشياء كثيرة ما كان ليتعلمها عمره كله، وأنه في كل ليلة يحن إلى فراشه وإلى رؤية أبيه واللعب مع إخوته، لكنه لا يفكر أبدا في الرجوع إليهم لأن قسوة الشارع أرحم له من قسوة زوجة الأب، خالد لم يشأ أن يخبرنا من أين أتى ولا حتى عن اسم المدينة التي ينتمي إليها كما رفض أخذ صورة له، مما يشكك حتى في حقيقة اسمه أيضا، لكن هذا لا يهم، فلا الأسماء ولا الأماكن تستطيع أن تغير من واقعه في شيء.
ربما يخفي الحقيقة خوفا من عواقب علم أسرته بذلك، أو ربما خوفا من أن يقوده أحد إلى إحدى الخيريات التي يرفض تماما الذهاب إليها، فقد أكد أنه تعرف إلى أطفال كثر هربوا من الخيريات وحكوا له عن معاناتهم داخلها. أشياء كثيرة وأسرار تعلمها خالد من الشارع لا يعلمها إلا هو، لكنه وبكل شوق يحن إلى فراشه وإلى والده ويتمنى لو لم يكن هذا قدره، معبرا عن ذلك ب: "كون غير كنت حتا أنا بحال كاع الناس عندي أمي وعايش فدارنا، حتى أنا ماكرهتش نقرا ونولي شي حاجة". بهذه العبارات أنهى خالد كلامه ولم يشأ أن يجيب عن أي شيء آخر. لكن لا داعي لا لسؤاله ولا للإلحاح عليه فالمشهد الذي يعيشه غني عن أي تعبير.
بيع الجسد والروح
ويبقى الفقر هو المسرب الرئيسي لكل الآفات الاجتماعية مما يستوجب إيجاد حلول ناجعة وفعالة لإنقاذ المجتمع والسير به نحو طريق النماء وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من ضحايا آخرين لهذا الوباء الفتاك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.