"هل دول الخليج في مأمن من الحركات والثورات الشعبية؟" يجيب د. شملان العيسى، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت، إن بعض هذه الدول، تنفي معاناة شعوبها من الفقر والبطالة وانخفاض مستوى المعيشة، كما هو الحال في بعض الدول العربية الأخرى. وهذا ما قد يطمئن بعض الحكومات الخليجية، "لكن غاب عن الكثيرين في الخليج بأن الدوافع الحقيقية وراء ثورات الربيع العربي ليست البطالة والفقر فقط، بل الرغبة القوية في التغيير للأفضل". تسود اليوم هذه الدول الخليجية - يقول د. العيسى - مشاعر متناقضة بين التفاؤل والقلق. ولكن يبقى السؤال نفسه، لماذا بقيت الأنظمة الخليجية بطيئة في تحولها نحو الإصلاح الديموقراطي؟ وهل السبب طبيعة الأنظمة أم طبيعة الشعوب؟ وهل ستبقى دول الخليج مستمرة في اعتمادها على الولاء القبلي والديني لفترة طويلة، في خضم المتغيرات الثورية؟ ولكن قوة وشرعية الدولة الخليجية- تقول ورقة د. العيسى في ندوة الاتحاد السنوية في أبوظبي في 20 أكتوبر الماضي- لا تستمدها من القبيلة والحكم الوراثي فقط، بل من استقلالية الدولة عن المجتمع. وظاهرة استقلال الدولة وقدرتها على التحرك والإنفاق وتكديس المال وتشكيل الطبقات، بل وحتى بناء وتأسيس بعض هيئات المجتمع المدني، كل ذلك بعيداً عن معظم قوى الإنتاج الاجتماعية وعن مشاكل الزراعة والصناعة ومخاطر الاستثمار، ظاهرة فريدة في حياة الأمم واقتصادات البلدان المتقدمة والمتخلفة. يقول د. العيسى في ورقته: "أدى حصول الدولة على الريع النفطي إلى تحررها من الاعتماد على مصادر الإنتاج المحلية من أجل عائداتها ومنحها درجة عالية من الاستقلال الاقتصادي والسياسي عن القوى المحلية المنتجة، والفئات الاجتماعية، وأصبح النظام الاقتصادي والاجتماعي بأكمله معتمداً على إنفاق الدولة، كما أعطى هذا الريع للدولة القدرة على بناء بيروقراطية واسعة لتوزيع المنافع على المجتمع والسيطرة على النشاط السياسي، وغدت الدولة أقوى من مجتمعها". وتقول ورقة د. العيسى أن "الانسحاب الأميركي من العراق وتزايد النفوذ الإيراني في المنطقة وانشغال مصر في قضاياها المحلية بعد الثورة الشبابية، وتزايد الخلافات المذهبية في الخليج كشف هشاشة الترتيبات الأمنية التي اعتمدت عليها دول الخليج". ومكمن الخطر - يضيف الباحث - "عدم وجود رؤية خليجية أو إقليمية موحدة". ويلاحظ د. العيسى "ألا أحد من قادة الخليج أو شبابها دعا إلى إطاحة الأنظمة التقليدية المحافظة، ولكن هل تجري دول الخليج إجراءات إصلاحية سريعة لتفادي الثورات في بلدانها، أم أن نتائج الثورات العربية ستحدد مسار دول الخليج؟" ويضيف "إنه لم تبرز في دول الخليج العربية حتى الآن قاعدة شعبية عريضة للمظاهرات ما عدا البحرين والكويت". بماذا يفكر الشباب الخليجي إذن؟ الدراسة الميدانية التي أجرتها شركة "بوز" تكشف أن أول اهتمامات شباب الخليج، متعلقة بإيجاد الوظيفة بنسبة 87 في المئة. وفي دراسة أخرى أجراها الراحل د. خلدون النقيب عن اتجاهات الشباب الخليجي، كان السؤال: "هل ترى أن النظام السياسي يحتاج إلى المزيد من الديمقراطية والمشاركة السياسية؟" وكانت الإجابة بنعم 83 في المئة في البحرين، 82.1 في المئة في السعودية، 72 في المئة في سلطنة عمان، 60 في المئة في الكويت، 37 في المئة في دولة الإمارات. على صعيد آخر، فيما يخص "الربيع العربي" عموماً، كان د. وحيد عبدالمجيد، مدير مركز الأهرام للترجمة والنشر في مصر بين متحدثي الندوة، وعنوان ورقته "حركات التغيير بين الاختطاف والعقلنة"، امتاز التحليل فيها بالحكمة والتشاؤم! بدأ د. عبدالمجيد كلامه قائلاً: "ليس هناك ما يبعث على الاطمئنان بعد بشأن مستقبل الدول العربية التي حدث فيها تغيير والتي يطلق عليها بلاد الربيع العربي، وهي تونس ومصر وليبيا، ولا توجد ثقة كافية حتى الآن في أن قوى التغيير في هذه البلاد ستنجح في بناء نظم سياسية حرة عادلة ومستقرة. ولا يقين أيضاً بشأن النتائج التي يمكن أن يسفر عنها مخاض التغيير في اليمن وسوريا، ولا بخصوص مصير البلدين في حال تحقيق هذا التغيير" فنحن إذن إزاء مصير قاتم مجهول في كل هذه الدول، كما يتوقع الباحث. ويبدأ الباحث في تفصيل الحديث بادئاً بالإسلاميين، حيث تثار المخاوف دائماً من إمكان هيمنتهم على بلدان الربيع العربي. ويقول إن العلاقة بين الإسلاميين وغيرهم كانت أكثر تعقيداً في مصر بالذات ولاتزال، بالرغم من قيام التحالف الذي ضم حزب الحرية والعدالة المرتبط بجماعة الإخوان المسلمين من جانب، وأهم القوى الليبرالية، حزبا "الوفد" و"الغد" والقوى الناصرية. وذهب الباحث إلى أن ثمة مبالغة في المخاوف من هيمنة الإسلاميين حتى في مصر. لقد أثبت موقف التونسيين أن العلمانية لا تجتذب الجمهور، ولا تستقطب أغلبية الأصوات إن فرضت على الناس بالقهر والسجون والدكتاتورية، وهذا درس ثمين للعالم العربي والإسلامي كله من التجربة التونسية! أما مصر، فإن ما يخيف الحريصين على الحريات فيها هو "خروج القوى السلفية من عزلتها وانغماسها الكامل في الدعوة الدينية". ومما يبعث الاطمئنان بخصوص تحقيقهم نجاحات كبيرة، في اعتقاد الباحث، إن "الإسلاميين في مصر ليسوا متحدين ولا يسهل توحيدهم إلا في ظرف استثنائي، ولذلك فالأرجح أنهم سيخوضون الانتخابات متنافسين". ويرى د. عبدالمجيد أن الخلافات السياسية والفقهية بين الإسلاميين والتراكمات السلبية للعلاقات تعقد تحالفات قواهم، فعلى سبيل المثال خرجت خمسة مشاريع من رحم جماعة الإخوان المسلمين منذ فبراير 2011 في مصر، أما بالنسبة للإسلاميين في ليبيا، فيبدو المشهد السياسي أقل وضوحاً، فبعض الإسلاميين، كالجماعة الإسلامية المقاتلة من جماعات العنف، وتعود بداية الجماعة إلى عام 1990، حيث قامت بتمرد مسلح محدود في شرق ليبيا، وحاولت اغتيال القذافي ثلاث مرات منذ عام 1995، حيث أجبرتها أجهزته الأمنية، بعد ضربات قاصمة إلى فرار معظم قادتها وعناصرها إلى أفغانستان، حيث بايعوا زعيم طالبان "الملا عمر"، واندمجوا في حالة "الجهاد العالمي". وفي عام 2010 نزعت الجماعة الشرعية عن العنف المسلح، وغيَّرت الاسم إلى "الجماعة الإسلامية من أجل التغيير". أما عن الاخوان المسلمين في ليبيا، الأقدم وجوداً والأكثر نضجاً، يقول د. عبدالمجيد، "فلا أحد يستطيع تقدير وزن الحركة النسبي في الساحة السياسية. والآن، هل يمكن للتطورات في بلدان الربيع العربي أن تلد بعض الانقلابات العسكرية؟ أو ربما تظهر في هذه البلدان من جديد فكرة "المستبد العادل"؟ فكما يقول د. وحيد عبدالمجيد، أن العدالة لا يمكن إقامتها على حساب الحرية. ولكن "سيظل الخوف دافعاً لعدد غير قليل من الناس لقبول التضحية بالديموقراطية أملاً في رعاية اقتصادية واجتماعية. وهذا هو ما يتيح إعادة إنتاج فكرة المستبد العادل في ظروف مختلفة". هذا بعض ما جاء في أوراق المحاضرين، فماذا عن مداخلات الحاضرين؟ نقلا عن صحيفة الاتحاد