أحداث ماسبيرو ليست قضية أقباط أو مسلمين.. أو جان.. أو مجني عليه.. أو من قتل من؟ إنها قضية اصطناع الفرص وانتهاز أي احداث لتحقيق الهدف.. ما هو.. لن نكل ولن نمل من التحذير منه والتأكيد عليه.. ضرب الثورة.. إسقاط الدولة.. إنها قضية المؤامرة على مصر والأصابع الخفية الخارجية، مهما يلوك البعض بأنها حجج واهية وشماعة لتبرير الاخطاء.. انها فرصتهم، ولن تتكرر مرة أخرى لتحقيق السيناريو المعد له جيداً، والذي يتم تنفيذه خطوة تلو الأخرى.. وهم مصممون على ذلك.. مستمرون فيه ولو تحقق بعد حين مهما طالت السنين.. موقعة ماسبيرو، ما هي إلا فصل مهم في سيناريو انتهاز الفرص لعل وعسى تكون بداية انهيار الدولة.. بدق إسفين قوي بين الشعب وجيشه. لم يعد في مصر صمام أمان لنجاح الثورة والحفاظ على البلد خلال الفترة الانتقالية، وما بعدها، إلا قوة قواتنا المسلحة ومجلسها الأعلى وتلاحم شعبها وجيشها.. ولم يكن الهدف من أحداث ماسبيرو إلا شرخ هذا التلاحم وتفكيك اواصر القوة وهز الثقة بين الشعب وجيشه.. وما ذلك كله إلا وسيلة لاضعاف قواتنا المسلحة.. أو وهما تخيل ان ينفد صبر اعضاء المجلس العسكري.. فما يكون منهم إلا مواجهات دامية مع الشعب.. او ترك الجمل بما حمل ومغادرة مواقعهم.. وفي الحالتين الكارثة بعينها، ودخول مصر فوضى عارمة لا يهم تسميتها بفتنة طائفية أو حرب أهلية.. المهم هو تحقيق هدف مؤامرتهم ولكن الله خير حافظ لها.. وليست موقعة ماسبيرو أو غيرها مما يصبون إليه. فأعضاء المجلس العسكري وضعوا ارواحهم على أكف ايديهم منذ اللحظات الأولى لحمايتهم للثورة والدفاع عن مطالب الشعب.. وتحملوا ما لا يطيق إنسان من نقد واتهامات، وصلت إلى حد الاهانات ولكن حبهم للوطن أقوى وعزيمتهم لن تلين وثقتهم في الشعب ليست لها حدود.. ولن يقبلوا بغير نجاح مهمتهم في تسليم البلد آمنة مستقرة إلى السلطة التي يختارها الشعب، طريقهم واضح وهدفهم محدد.. وهذا ما سوف يسجله لهم التاريخ.. لاطمعا في سلطة ولا جاه ولا تفكير في مجد أو مكسب شخصي أو خسارة ولكنها أمانة المسئولية وعزائم الرجال التي تربى عليها جيش مصر منذ بداية العصر الحديث.. وقدسية تراب الوطن وأمنه منذ عصور الفراعنة.
لماذا ليست القضية أقباطا أو مسلمين، لأن الهدف استغلال أي مناخ يساعد على تحقيق أغراض المتآمرين على مصر من خلال المظاهرات والاضرابات والاعتصامات وغيرها من مظاهر الاحتجاجات على الحكومة والمجلس الأعلى للقوات المسلحة.. وسط هذه الجموع الفرصة متاحة لمن يندس لاحداث الوقيعة وتوزيع المنشورات الكاذبة ونشر الشائعات ورفع شعارات مضللة من اشخاص ومجموعات بعينها.. فإذا كانت المظاهرة من الأقباط فهذا هو المطلوب وما أحلاها الفرصة التي يجب اغتنامها لضرب كل شيء بحجر واحد.. فالمناوشات والاشتباكات في كل مظاهرة محسوبة على الفوضى وتداعياتها السلبية التي لا تنجز مهمتهم في مصر أو الترويج للأحداث ضدها بالخارج.. أما إذا كانت أحداث العنف والفوضى في احتلال السفارة الإسرائيلية فهي الفرصة التي يجب اقتناصها لضرب ضربتهم كنقطة انطلاق قوية للوصول إلى مآربهم.. وإذا كانت المظاهرة للأقباط فهي الصيد الثمين ولابد من قتلي وجرحي لتكون المصيبة أكبر داخليا ببث روح اليأس من الثورة، والفتنة بين الشعب والوقيعة مع جيشه. وخارجيا لتحقيق المؤامرة الكبرى على مصر وشعبها. تأمل الوضع إعلاميا ورسميا طوال الأسبوع الماضي على المستوى الخارجي.. مانشيتات الصحف والخبر الأول في اذاعات وفضائيات الدنيا.. تتصدره عناوين وصور قتل وعنف وتخريب.. يقولون "مصر تشهد حربا أهلية.. قتل واضطهاد للأقباط.. الجيش يدهس الشعب بالمدرعات. مطالبات دولية بحماية الأقباط.. مصر يجب ان تحترم التزاماتها بحماية الاقليات.. شكاوي الى المنظمات الدولية وحقوق الإنسان".. ولا تنسوا أن من يديرون هذه الحرب الإعلامية ويكتبون البيانات الرسمية في هذه الدول وحتى قادتها ورؤساؤها يعلمون تماما ان أقباط مصر ليسوا بالأقليات ولا بالمضطهدين.. نعم.. هناك مشاكل معلقة وقضايا تحتاج إلى حلول جذرية.. ولكن بكل صراحة حل هذه القضايا وهو أمر واجب يتفق عليه الجميع.. لن يوقف اشعال الفتنة وتصعيد نغمة الاضطهاد والمطالبة بحماية وغير ذلك من الشعارات التي ترفعها بعض الأصوات من أقباط المهجر بعلم أو بدون علم أنهم جزء من المؤامرة الكبرى على مصر.. ويقظة الشعب وخوفه على بلده هما الضمانة الوحيدة والأكيدة لانقاذ مصر.
وحتى نكون على يقين من ذلك، بعد ان نتأمل الأحداث والتعليقات الداخلية والخارجية.. انظر حولك مع زملائك في العمل وجيرانك في السكن من الأقباط فستجد نفس الحيرة والاندهاش والحزن والخوف على مصر مما حدث.. الجميع يتحدثون بلسان واحد.. لا توجد مشكلة في العلاقة الانسانية بين مسلم ومسيحي في العمل والسكن.. وليس هذا بجديد من ألف وخمسمائة عام.. كلاهما يتحدث وينتقد بشدة اعمال الاجرام التي تحدث في حق البلد، والكل يتساءل من يشحن الناس ويحشدها في مظاهرة فئوية او قبطية.. اعود بالتاريخ قليلا عندما التقيت بوزارة الخارجية بأحد أعضاء اللجنة التي شكلها الكونجرس الامريكي عقب احداث الفتنة في قرية الكشح قال: "امر عجيب.. التقينا بالعديد من المصريين الأقباط والمسلمين في العمل والسكن، شعرنا بالألفة الكبيرة بينهم والعلاقات الإنسانية الجيدة.. لا فرق اطلاقا ولا حساسية في التعامل".. وقال "أن الصورة إلى حد ما تحتدم بين الجانبين في لحظة انطلاق شرارة أي حادث أو خلاف.. ولكن يبقى الامر في النهاية ان الوضع ليس كما تتناقله وكالات الأنباء عن اضطهاد للأقباط، وليس كما تقول بعض التقارير التي تأتي إلينا من بعض أعضاء الجمعيات الأهلية وبعض الأقباط في مصر والمهجر". ورغم هذا الكلام للمسئول الأمريكي نجد بعد أيام إن التقارير الصادرة عندهم او كلام أي مسئول رسمي يعكس وجهة نظر أخرى تماما.. أقلها إدانة لمصر ومطالبات بحماية الأقباط كأقليات. هذه القصة قد تبدو خارج السياق ولكن الواقع انها تؤكد التوجهات الدائمة لأمريكا وتعاطف بعض الدول الاوروبية، التي تبدو في ثوب المدافع عن الأقباط. والحقيقة انها جزء من اثارة القلاقل وزعزعة استقرار مصر واشاعة مناخ الفوضى. هذا منهجهم قبل الثورة وبعدها. وهو الأشد هذه الأيام كمرحلة جوهرية في انتقال مخططاتهم من حيز الدراسات والسيناريوهات إلى الواقع وبدء معاول الهدم والتدمير لمصر. ولكن ما هو دورنا في ذلك؟. للأسف بدلا من وقوفنا يقظين لصد محاولاتهم ضد البلد. نساعدهم في توفير المناخ المساعد لهم.. وجميعنا في هذا الاطار مسئولون.. حكومة تتأخر في تنفيذ وعود وتتباطأ في تنفيذ قرارات. وتترك الذريعة لمن يتلاعب بمشاعر الناس سواء كانوا أقباطا أو مسلمين.. واذا تعاملنا مع أحداث ماسبيرو كمثال صارخ لذلك، كانت الشرارة من "مضيفة" الماريناب بأسوان. كنيسة ولا مش كنيسة.. نهدم ولا نبني!! ورغم قناعتي ان القضية ليست في الكشح ولا ماريناب ولا أطفيح ولا امبابة. إلا أن سد الذرائع من الأولويات. كنت أنوي الكتابة منذ شهرين انبه الحكومة بسرعة اصدار قانون دور العبادة الموحد. حسب الوعد الذي قطعته الحكومة على نفسها بعد أحداث أطفيح باصداره خلال شهر. وان اصداره ضرورة حتى لا يكون ذريعة لفتنة اخرى. تراجعت نفسيا من منطق "بشروا ولا تنفروا" وحتى لا يتهم الإعلام باثارة الفتن. كلنا مسئولون.. رجال دين متطرفون على الجانبين الإسلامي والمسيحي، تعامت بصيرتهم عن مصلحة البلد في الظروف الراهنة، تخلوا عن دور الواعظ والداعية الديني، الى دور المحرض والشاحن ضد الاخر في اتفه الأمور واقل المشاكل.. واستغلوا الحرية والمساحة التي اختلط فيها الحابل بالنابل إلى مآرب جهل أو مؤامرة. كلنا مسئولون.. اعلاما فقد البوصلة الحقيقية لدوره في التنوير ومناقشة القضايا الجوهرية لحياة الناس.. تطور سياسي.. اغلبية الشعب لا يعرف مضمونه ولا معناه.. ووضع اقتصادي يسير نحو الافلاس وحالة اجتماعية تحتاج جهد الخبراء والعلماء، حتى ينصب التطور السياسي والاقتصادي في صالح الارتقاء بقضايا المصريين الاجتماعية وتحقيق المطالب الفئوية. ولكن الاعلام انساق وراء أحداث وقضايا يثيرها قلة، ويتبناها نخبة إزاء القضايا والمواقف الايجابية، أو تشعلها قلة خفية وتتلقفها مجموعة من المتاجرين وأصحاب المصالح. والمصيبة الأكبر أن العديد من ضيوف الفضائيات أصبحت مهنتهم التي يُرتزقون منها. وكلما كانوا أكثر تطرفا في الرأي أو أعلى صوتا أو الاكثر "شتيمة" في الحكومة والمجلس العسكري.. زاد أجرهم.. هل هناك مصيبة أكبر من التجارة بالوطن؟!. كلنا مسئولون.. المجلس العسكري الذي كان يعلم أعضاؤه من بداية الأحداث ان الجيش لا يمكن ان يطلق رصاصة على مواطن وأن جنوده هم الذين تعرضوا للاعتداء، وإن لم يكن ذلك من المعلومات التي يستقيها من مصادره، فهو يعرف مثل كل المصريين والعالم من الصور التي تبثها فضائيات الدنيا في الساعات الأولى.. ثم تراجعت عن اذاعتها بعد ذلك لتترك الساحة لمن يريدون الترويج للهجوم على الجيش واثارة الشعب ضد قواته المسلحة. ولمن يريدون نشر الرعب داخليا وخارجيا ان مصر على شفا حرب أهلية.. وأن أصحاب القلوب الرحيمة وانصار الانسانية وحقوق الانسان في العالم، يجب ألا يتركوا اخوتهم الاقباط يسحلون تحت عجلات المدرعات؟! كنا في غنى عن هذا لو بادر المجلس العسكري بإعلان الحقائق الثابتة من الفضائيات والتذكير لمن يتعمدون النسيان بمبدأ الجيش الراسخ ان القتل ليس منهجه وأن النار لا تطلق إلا على العدو. كان يجب اعلان هذا عقب الأحداث مباشرة إن لم يكن اثناءها. وان يكون المؤتمر الصحفي للعرض الشامل للتطورات في توقيت لاحق كما حدث. وهنا فقط ما كان الأمر سيبدو ان المجلس العسكري يدافع عن نفسه. كلنا مسئولون.. اذا خرج البابا من اللحظات الأولى، إن لم يكن قبل تحرك المسيرة، وناشد أبناءه التخلي عن ذلك حتى لا يحدث ما كان متوقعا من بعض المندسين حسب قول البابا لاستغلال الفرصة.. فمكانة وقدر البابا أكبر تأثيرا.. بأقل كلمات، حتى لو قال البعض ان شباب الاقباط المتظاهرين لن يسمعوا هذا الكلام. وهو قول ظاهره حق وباطنه باطل. وهو نفس الحال لموقف شيخ الأزهر وغيره من القيادات الدينية. كلنا مسئولون.. نخبة سياسية ورجال فكر وثقافة وائتلافات الشباب.. والثوار الحقيقيون الذين تركوا الساحة بعد القيام بعملهم التاريخي النبيل وتركوا ثورتهم في مهب الريح أمام أنواء بعض الزعامات الذين وجدوا قامتهم وقيمتهم في التحدث باسم الثورة والشعب. ليست مسئوليتنا جميعا فقط في احداث يوم الأحد الدامي. ولكن في كل هموم بلدنا الحقيقية اليوم.. وأهمها تلاحم الشعب وجيشه، والتلازم ما بين عملية التطور السياسي ومصالح المواطن البسيط في توفير الخدمات ولقمة العيش والحياة في أمان.. صباح السبت الماضي وتحت عنوان "العبور الجديد" قلت "لنحذر ما يحاك ضد البلد، فالأسوأ قادم، بإثارة فتنة طائفية لاتفه سبب.. ومحاولات ضرب تلاحم الشعب والجيش" وما هي إلا ساعات حتى كانت أحداث ماسبيرو التي كان هدفها الرئيسي ما حذرت ويحذر منه الكثير من الساسة والاعلاميين وشباب الثورة. وإذا كانت مشاركة فلول الوطني في الانتخابات، هماً منشغلون به، فلا يجب ان ننسى انهم الأصابع الداخلية الاقوى لاثارة الفتن والقلاقل لنشر الفوضى، إن لم يكن بعضهم شريكا في المؤامرات الخارجية ضدنا. احذروا.. وانتبهوا.. القضية ليست أقباطا ولا مسلمين.. وإذا تحققت كل المطالب وانتهت كل المشاكل باصدار القوانين والتشريعات اللازمة. وزادت الاجور ولبت الحكومة كل المطالب الفئوية، واكتملت عملية الاصلاح بكل أبعاده لن تتوقف الذرائع والاتهامات لافتعال القضايا والازمات، حتى لو جاء رئيس قبطي، فهدفهم اسقاط الدولة.. ومناخ الفتن والفوضى هو وسيلتهم. وأكبر مسئولية علينا جميعا ألا نوفر لهم الفرصة. نقلا عن جريدة أخبار اليوم