أعلنت "مؤسسة ابن رشد للفكر الحر" بألمانيا عن فوز المخرج السينمائي التونسي نوري بوزيد بجائزتها لعام 2007 لمساهمته المتميزة بأعماله السينمائية في التوعية وإرهاف الحساسية ضد الظلم وإغناء الفكر النقدي في المجتمعات العربية. وكانت "مؤسسة ابن رشد للفكر الحر" قد خصصت جائزتها هذا العام لمخرج سينمائي عربي تخطت أعماله الوثائقية أو الدرامية حدود التابو الاجتماعي أو السياسي وسلطت ضوءاً ناقداً على ظواهر أو ممارسات تشهدها المجتمعات العربية. وسوف تُمنح جائزة ابن رشد للفكر الحر للمرة التاسعة على التوالي، في الجمعة 30/11/2007 بقاعة معهد جوته في برلين: ولد نوري بوزيد ونشأ 1945 في مدينة صفاقسالتونسية. التحق عام 1968 بالمعهد العالي للتمثيل والإخراج السينمائي في بروكسل، وتخرج منه عام 1972. وكان فيلمه "المبارزة" مشروع تخرجه، وفيه عالج "ظاهرة الاغتراب" ومشاكل المهاجرين التي عايشها عن كثب في بلجيكا. انضم إثر عودته إلى وطنه تونس، إلى منظمة معارضة لنظام بورقيبة آنذاك، تجمع "آفاق" للدراسات والعمل الاشتراكي بتونس، الأمر الذي أدى إلى سجنه من سنة 1973 إلى غاية سنة 1979. ترك تعرضه للذل والتعذيب النفسي والجسدي أثراً يميُّز أعماله اللاحقة. لم يفتّ هذا من عضده وتصميمه على متابعة النضال، بل أسهم بعد خروجه من السجن بالعمل في ميدان الإخراج السينمائي مقدماً أول أفلامه "ريح السد" عام 1986،وهو فيلم روائي يعالج مشكلات العلاقات الجنسية المثلية في المجتمع التونسي. وعرض الفيلم في مهرجان كان للسينما، وحاز على جوائز عدة في مهرجانات دولية أخرى. في عام 1989 أتبعه بفيلمه الثاني "صفائح ذهب" الذي عالج فيه ظاهرة التعذيب بما فيه الجنسي انطلاقاً من تجربته الشخصية، وذلك بجرأة يندر مثيلها في المجتمعات العربية. وحسب قناعة نوري بوزيد الشخصية، على الإنسان ألا يخاف من الإفصاح عن ضرر أُلحق به ظلماً لأنه لا يمكن أن تشفى الجروح إلا إذا أشرت إليها وأعلنت عن وجودها. ويسمي نوري بوزيد تحفظ الناس بالكشف عن العورات وأشكال الظلم ب "النفاق الاجتماعي"، وهو من طباع المجتمع التقليدي. في 1990 شارك نوري بوزيد مع عدد من المخرجين في مشروع الفيلم الجماعي "حرب الخليج وبعد" بالشريط القصير "وسكتت شهرزاد عن الكلام المباح" عبر فيه عن موقفه السياسي النقدي من حرب الخليج التي بدأته أميركا ضد العراق. وإذ واصل مشواره النقدي الجريء عام 1992 بفيلم بيزناس الذي يعتبر مشروعاً مميزاً رائداً يعالج فيه ظاهرة السياحة الأوروبية بغرض التفسح الجنسي على شواطئ البلدان النامية وما يرافقها من اصطدام بعادات وتقاليد اجتماعية سائدة في تلك المجتمعات. وحاز هذا الفيلم على العديد من الجوائز في الخارج. وبعد إلغاء الدعم الحكومي للفيلم ومحاولة منع تصويره على الأراضي التونسية اقتنعت الحكومة التونسية أخيراً من أهمية الفيلم وسمحت بعرضه في تونس، بما في ذلك التلفزيون. أما فيلمه الأخير "آخر فيلم" Making off الذي حاز على جائزة مهرجان قرطاج عام 2006 وعلى جائزة "هوجار" الذهبية الجزائرية عام 2007 فيعالج قضية الإرهاب وأسباب استعداد الشباب لقتل أنفسهم في عمليات استشهادية. فالشباب اليوم يحس بالغربة والضياع على الصعيد الفكري وباليأس على الصعيد المادي. ويقول بوزيد في مقابلة أجرتها معه لاريسا بيندر "ويتضح في "آخر فيلم" من تقع عليه المسؤولية، فنحن جميعنا مسؤولون، الشرطة مسؤولة، انعدام الحرية مسؤولة، البنية العائلية مسؤولة، فشل النظام التربوي والتعليمي مسؤول. كلنا جهزنا ذلك الشاب ثم اقتطفه الإسلامويون." وتكرس "مؤسسة ابن رشد للفكر الحر" جهدها لدعم حرية الرأي وممارسة الديمقراطية في العالم العربي مهتدية بذلك بفكر الفيلسوف ابن رشد (1126 1198) ودوره البارز في الحوار بين الثقافات. قدّمت المؤسسة جوائزها حتى الآن للمبدعين العرب في حقول: الصحافة والإعلام، تحرر المرأة، الفكر النقدي، السياسة، الفلسفة، الأدب السياسي، الإصلاح الديني وحقوق الإنسان.