عندما اندلعت شرارة الانتفاضات والاحتجاجات في العالم العربي بدءا من تونس ثم مصر وانطلقت لدول أخري مع الأخذ في الحسبان عند التحليل اختلاف ظروف كل دولة, وقع المتظاهرون أو المحتجون في أربعة أخطاء هي: الأول تصور تشابه الحالات العربية ومن ثم رددوا نفس الشعارات ورفعوا نفس اللافتات مثل إسقاط النظام وارحل للحاكم ونحو ذلك. والثاني الاعتماد بقدر كبير علي الخارج ولذلك كانت الاعين مفتوحة لكل كلمة ينطق بها الرئيس الامريكي أو غيره وكذلك ما ينطق بها قادة من دول معينة من داخل الاقليم التي بدورها لم تتوان ولم تقصر في إشعال النيران أو زيادتها اشتعالا ونفس الشيء قامت به القنوات الفضائية التابعة لبعض دول الاقليم بحيث اصبح الدور الخارجي عاملا رئيسيا. وأخيرا الخطأ الثالث هو تصور الشباب الذين أشعلوا الانتفاضات والاحتجاجات انهم يمثلون كل الشعب ثم تصورهم انه هم الشعب ومن ثمة سعي بعضهم عمليا لاقصاء المختلفين معهم في الرأي أو الفكر. وترتب علي ما سبق ثلاث نتائج خطيرة هي: الأولي عملية إقصاء لقطاعات واسعة من الشعب خاصة في بعض الدول لاختلاف المذاهب أو الأعراق ونحو ذلك. الثانية ظهور قوي لم يحسبوا لها حسابا مثل السلفيين والصوفية في مصر علي سبيل المثال بل وايضا ظهور الإخوان المسلمين بكثافة وبوضوح. الثالثة إغفال قوي النظام القائم وردود فعله ومن ثم انساقوا في المطالب والتشدد مما جر عليهم الكثير من الويلات هذا حدث في ليبيا عندما استولي الثوار بسرعة علي عديد من المدن وعندما شدد النظام عليهم تراجعوا, ولولا الانقاذ من الناتو, كان القذافي استعاد كل سطوته. او عندما تناسي الثوار في مصر وقوف الشعب معهم وبخاصة الجيش الذي لولاه لكانت ثورة 25 يناير مأزقا ايضا وفي أحسن الفروض مثل أحداث سوريا او ليبيا حيث الدبابات الحقيقية وليست الوهمية او الودية كما حدث في مصر عندما سمح الجنود للمتظاهرين بركوب الدبابات في ميدان التحرير والتقاط الصور التذكارية بخلاف دبابات دول أخري تغتال براءة المدنيين وتدمر بيوتهم ومدنهم بالمدافع الحقيقية. إن الربيع العربي لم يكن صافيا ونقيا حتي في أحسن صوره كما في تونس ومصر فهناك تضحيات وضحايا وخلافات وربما بعض صراعات داخلية بين القوي الثورية وتكتلات وتحزبات متعددة فالمخاض عسير ومرحلة الانتقال صعبة وادي ذلك إلي حالة عدم وضوح الرؤية بين فرقاء الامس في تخطيطهم للمستقبل أو تصورهم له.. الربيع العربي كانت له اهداف ثلاثة رئيسية هي استرداد الحقوق السياسية ثم استرداد الحقوق الاقتصادية واخيرا بناء المستقبل وهنا تختلف الامور عن الربيع الانجليزي إذا جاز ان نصفه بهذا الاسم من قبيل المقارنة لان ذلك ظهر في بعض الكتابات والصحف العربية بوجه خاص كنوع من المقارنة والنصيحة وهذا حقهم كما كان حقا للدول الاخري بما فيها بريطانيا ان تنتقد نظمهم السياسية إذ إن التدخل متبادل في العلاقات الدولية. المطالب البريطانية كانت في المقام الاول مطالب معيشية لان الحريات السياسية الي حد كبير مكفولة فليس هناك تزوير للانتخابات والحكومات ممثلة للشعب مهما كانت درجة تمثيلها والنظم القانونية مستقرة والتغيير متاح إذا ايده الشعب بالاسلوب القانوني وليس باسلوب التظاهر والنهب والسلب الذي حول الربيع الانجليزي الي ظاهرة اجرامية وتجاهل المسئولين المطالب الاجتماعية والاقتصادية وغربة بعض الفئات في المجتمع الانجليزي ونقص الخدمات وهنا نقاط التشابه مع الربيع العربي. الربيع العربي سرعان ما تحول الي صيف او خريف او شتاء مع اختلاف الحالة من بلد لآخر. أما الربيع الانجليزي فتحول إلي ظاهرة إجرامية وعنف وإعطاء مزيد من الصلاحيات للبوليس وكلمات قوية من رئيس الوزراء البريطاني لا تختلف في شكلها عن تلك التي ظهرت في بلاد الربيع العربي رغم اختلاف الحالتين, الرأي العام الانجليزي ايد حكومته بخلاف الرأي العام في كثير من الدول العربية كذلك ايدتها المعارضة والإعلام. الربيع البريطاني انتهي بسرعة وتحول لظاهرة اجرامية في حين أن الربيع العربي ما زال يتأرجح بين الفصول الاخري ولم يعد ربيعا خالصا حتي في الدول التي نجحت في تغيير النظام مثل تونس ومصر اللتين ستظلان حالتين استثنائيتين, وهو شعار جر الكوارث علي الشعوب في بعض الدول الاخري عندما رفعته غير مدركة لاختلاف كل حالة عن الاخري واختلاف ظروف كل دولة عن حيث الديمغرافيا ومن حيث اوضاعها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية ومن ثم السياسية.. وإن هناك اختلافا جوهريا كبيرا بين العرب والانجليز من كل هذه الزوايا السياسية والتاريخية والاقتصادية والاجتماعية والدينية. ومن ثم تصبح المقارنة غير دقيقة بل أحيانا غير صحيحة. نقلا عن صحيفة الاخبار