فارق «بسيط» بين الرئيسين الأميركي جورج بوش والفرنسي نيكولا ساركوزي: الأول يتلهف على مخرج من فيتنام العراقية، فيما يقطع الشوط الأخير من ولايته، والثاني يدشن عهده ببدء «هجوم» ديبلوماسي في شمال افريقيا والشرق الأوسط. كلاهما يحتاج إيران التي نجحت حتى الآن في الرهان على المنعطفات العسيرة في المنطقة، بدءاً من العراق، مروراً بلبنان وانتهاء بفلسطين. بوش المنهك في رمال العراق لم يتأخر كثيراً في الرد على «النيات الطيبة» الإيرانية، لاستكمال الحوار حول ما تعتبره طهران امن العراق واستقراره، و «إنقاذ» أميركا من جحيمه. أما ساركوزي فيطوي سريعاً حقبة الشيراكية، ويكمل على المسار الإيراني «المبادرة» الفرنسية لإنقاذ لبنان من الفراغ الدستوري والانهيار، والخطر الجامح باضمحلال دولته. وإذا كان مستبعداً تلمس توزيع أدوار بين الإليزيه والبيت الأبيض، لمعالجة البؤر المتفجرة في المنطقة، والتي تشكل المسارات والأوراق الإيرانية رابطاً جامعاً بينها، فالحوار مع طهران على جبهة العراق والذي تصر واشنطن على انه بلا شروط، والتحرك الفرنسي الذي يستمع الى نصائح ايران لتفكيك عقد المعضلة اللبنانية، سيوحيان للجمهورية الإسلامية بأن مرحلة التعبئة والضغوط ولّت، وحان موسم القطاف. إنه القطاف ذاته الذي يثير هواجس اضافية لدى بعض فريق الأكثرية في لبنان، من إشراك طهران في تسوية تفرض تغييراً لطبيعة النظام في هذا البلد. وهو القطاف ذاته الذي يعطي إشارات «بعيدة» الى قلق في دمشق من تكريس ايران ذاتها بديلاً من النفوذ السوري على الأرض اللبنانية... في مرحلة هي بالفعل «مصيرية للمنطقة وربما للعالم»، كما قال الرئيس بشار الأسد. وبصرف النظر عما قد يحمله الرئيس محمود احمدي نجاد الى العاصمة السورية اليوم من تطمينات، فالأكيد ان ايران – خامنئي لم تزرع ما زرعته من نفوذ في لبنان على مدى سنوات طويلة، لتؤدي مجرد دور الوكيل المفوّض من دمشق، وتنقذ الحليف ومعه اللبنانيين من كل اخطائهم وصراعاتهم... لتحقيق هدف خيري. إن حسابات المنافع التي تتحكم بمصالح الدول، إذ تنطبق على مقاربة ايران للأزمة اللبنانية المستفحلة، والمنذرة بشرور «عراقية»، لا توفر واشنطن ولا باريس. وإذا كان السؤال هل يدخل لبنان مرحلة الرعاية الفرنسية - الإيرانية، بعد عقود التفاهم الأميركي - السوري الذي مكّن دمشق من التحكم بخريطة التركيبة السياسية لهذا البلد، فالسؤال الآخر المنطقي الذي يستولده الأول، هل فرنسا – ساركوزي مستعدة لتسهيل تكريس الدور الإيراني في لبنان، والاعتراف بطموحاته، قانونياً وسياسياً؟... ساركوزي الذي يضمر أكثر من زلة لسان، إذ يعتبر حليف طهران، «حزب الله»، ممارساً لأعمال «إرهابية». يصعب تصديق قبول العهد الجديد في الإليزيه بتقاسم أدوار مع ايران في بلد كان تاريخياً تحت المظلة الفرنسية. كما يصعب تجاهل تبريد الصراع بين الغرب وطهران على البرنامج النووي، بالتزامن مع عودة الأميركي الى طاولة الحوار مع الإيراني، وفتح باريس آذانها الى «الرسائل» الإيرانية، كما تبدى في مهمة السفير جان كلود كوسران على المسار اللبناني. وسيكون نجاحاً باهراً لما يسمى «المحور» الأميركي - الفرنسي تفكيك الحلقات التي أحكمت الجمهورية الإسلامية ربطها، لمد نفوذها الإقليمي في نسيج أزمات تحكم الخناق على كل المنطقة. لكن الانتصار الذي تسعى إليه قيادة خامنئي ما زال هو هو، أي إنهاء تماسك ذاك «المحور»، بإغراء الإليزيه عبر الاعتراف بدوره كوسيط أوروبي مفضّل. وليس أكثر يسراً تعامله مع «العقدة» السورية، خصوصاً في الملف اللبناني، إذ ستجد باريس ذاتها مطالبة في دمشق بتقديم ما يتعدى الوعود بتخفيف الضغوط الغربية على سورية، في مقابل إيحاءات الى الحلفاء اللبنانيين لتمرير تسوية ما تضمن إجراء انتخابات الرئاسة، وتأجيل الحل الشامل الى مرحلة الصفقات الإقليمية الكبرى. فما الذي يمكن كوسران تقديمه الى دمشق؟ وإذا كان الإليزيه لم يبدل سياسته حيال رفض التفاوض مع سورية على اسم الرئيس اللبناني المقبل، وعلى أي مس باتفاق الطائف، علامَ يفاوضها اذاً؟... و «يرغمها» على «التدخل»، و «تتمنّع»؟ لا سبيل الى التذرع برفض التدخل في لبنان، حين تزكي دمشق أولوية حكومة الوحدة الوطنية. ولعلها تنسجم مع طهران في نصائحها، لكن أحجار الدومينو تبقى متباعدة، حين يجهر حلفاؤهما بالتمسك باتفاق الطائف، وتتضخم شكاوى الأكثرية من مسعى ايراني جدي، لإطاحة هذا الاتفاق بصيغة مثالثة، تترجَم نظاماً سياسياً جديداً... ووداعاً لبنان، الى الحرب. المشككون في نيات المعارضة، يتساءلون لماذا لا تجاهر بمطالبها الحقيقية، إذا كان «الطائف» هدفها الفعلي، وهل لا تزال تراهن على الوقت، حتى إعلان فشل كل المبادرات والوساطات. لعل بصيص الأمل الوحيد هو قبولها التكيف مع الهجوم الديبلوماسي الفرنسي الوقائي، لكن المسألة هي في قدرة ساركوزي على تربيع الدوائر اللبنانية المغلقة على الخيارات القصوى... ومواجهة التباسات الخيارين السوري والإيراني، قبل مرحلة «التأهيل» والصفقات.