ترتبط زيارة الرئيس بشار الأسد إلى تركيا بشكل واضح بالدور الإقليمي الجديد لأنقرة في خريطة الشرق الأوسط والذي برز بقوة بعد احتلال العراق. فبعد أن كانت تركيا تنظر بشكل قوي تجاه دول آسيا الوسطى بعد انهيار الاتحاد السوفييتي فإنها اليوم تبدو أقرب إلى الشرق الأوسط أكثر من أي وقت مضى. وكشف الرئيس السوري قبل أيام عن وجود وساطة تركية مع إسرائيل واصفاً الجانب التركي بأنه محل ثقة من سوريا. وحسب التقارير الإعلامية فإن جدول أعمال زيارة الأسد إلى أنقرة يبدو ممتلئاً، فبالإضافة إلى الملف العراقي هناك ملف الشرق الأوسط بتفرعاته وخصوصاً عملية السلام وتطورات الموقف بين واشنطن وطهران. ويرى المراقبون في العاصمة السورية أن الدور الإقليمي التركي ظهر بوضوح بعد تسرب أنباء عن وساطة لها في عملية السلام في الشرق الأوسط، فرغم أن الإدارة الأميركية الحالية ليست مستعدة للتعامل مع السلام بالأسلوب الاعتيادي الذي ظهر بعد مؤتمر مدريد. لكن تركيا فضلت الدخول في هذه المغامرة بعد أن تبدلت الحسابات الإقليمية نتيجة احتلال العراق، وهي على ما يبدو ترغب بدور أكبر فتح عليها جملة من التناقضات المرتبطة أساسا برؤيتها للمرحلة المقبلة في الشرق الأوسط عموما. ويرى المحلل السياسي مازن بلال أن مباحثات الأسد في أنقرة ترتبط بنقطتين أساسيتين: الأولى: غياب الأفق السياسي لكل أزمات المنطقة، وربما عدم الاهتمام الأميركي بإيجاد حلول سياسية على الأخص أن التواجد الأميركي الكثيف في الشرق الأوسط يبعث على القلق من اندلاع نزاعات وربما «حروب» لا يمكن التحكم بها بشكل سريع. الثانية : ظهور «قراءات» لجغرافيا سياسية في المنطقة ستؤثر على الشكل العام للمنطقة، فالحديث عن تقسيم العراق تزامن مع قرار لجنة في الكونغرس حول مسألة إبادة الأرمن وأي تبدل في التكوينات السياسية سيؤدي في النهاية إلى رسم وظائف جديدة للدول القائمة حاليا. ويرى بلال أن العلاقات السورية التركية تعتبر الآن جوهرية لرسم الحسابات القادمة، فالمسألة لا تتعلق فقط بالتعامل مع بعض الإجراءات السياسية التي تحكم اليوم العلاقات الأميركية التركية أو حتى تظهر في الضغوط الأميركية المستمر على دمشق لأن الأدوار الإقليمية اليوم تتبدل نتيجة عوامل متعددة يبدو أهمها عدم قدرة الولاياتالمتحدة في التحكم بالخطوط السياسية في الشرق الأوسط. ويعتقد أن سياسة الإدارة الأميركية في حرب العراق لم تفشل بالمعنى الدقيق للكلمة لأنها سياسة «مولدة للأزمات» وجميع التطورات اليوم هو نتيجة التفاوت في ميزان القوى الإقليمي في وقت تضع في إدارة بوش ممكنات عسكرية ضخمة في الخليج العربي دون أي اعتبار للخطوط السياسية التي يمكن أن يتم عليها بناء مخرج سياسي متكامل لعملية الاحتلال، أو للملف النووي الإيراني أو حتى للملف اللبناني المفتوح اليوم على مصراعيه. ويرى المراقبون أن زيارة الأسد إلى أنقرة ربما تكون الثانية له منذ تولية مهامه قبل أكثر من سبع سنوات، لكنها إقليميا ربما تعبر عن واقع سياسي خاص بين دول المنطقة . يمكن أن يقودها إلى التعامل من جديد مع أدوارها الإقليمية واعتبار أن الخطوط السياسية المغلقة يمكن أن يُعاد بناؤها وفق صور جديدة من جانب آخر يؤكد الخبير المائي السوري د. نبيل السمان أن الأولوية التي تنطلق منها الدبلوماسية التركية هي موضوع الأكراد، والذي يقدمونه على موضوع دخول الاتحاد الأوروبي ومشكلة المياه. وهو ما حدث للسياسة الخارجية السورية التي بات الموضوع العراقي أيضاً مقدماً لديها على موضوع المياه، رغم أهميته البالغة، نظراً للوضع الذي بات يهدد سوريا بشكل جدي بعد احتلال العراق وتزايد واشتداد الضغوط الأجنبية عليها. ولذلك، يلاحظ د. السمان أن موقف تركيا من سوريا هو الموقف الأكثر توازناً بين جميع دول الجوار، بما في ذلك الدول العربية. ولا يختلف اثنان على الدور الإقليمي المتنامي لتركيا في معادلة الشرق الأوسط الجديد، التي تسعى الولاياتالمتحدة لتطبيقها، ولكن الخلاف يكمن في قراءة هذا الدور وأولوياته وطريقة تعامله مع المنطقة وشعوبها ومصالحها