رغم ما شهدته حقبة السبعينات من تقارب استراتيجي بين مصر وإيران، فإنه على مدى العقود الثلاثة الماضية ساد التوتر في العلاقات المصرية الأيرانية، ووصل الأمر إلى حد القطيعة التامة بين البلدين. ولم تنجح المحاولات القليلة لتحسين العلاقات بينهما في تجاوز الخلافات التي بدت هيكلية في بعض الأحيان. وعقب ثورة 25 يناير ثار الجدل حول إعادة تفعيل العلاقات بين البلدين خاصةً في ضوء تصريحات وزير الخاجية المصري حول عودة وشيكة للعلاقات الدبلوماسية على مستوى السفراء بين مصر وإيران. قد رأى البعض أنه آن الأوان لعودة العلاقات المصرية - الإيرانية خاصةً في المجال الأقتصادي، في حين رأى البعض الآخر إنه من المهم التمهل والتأني خوفاً من أن تتحول الثورة المصرية لتصبح إمتداداً للثورة الإسلامية في إيران. في هذا الإطار نظم المركز الدولي للدراسات المستقبلية والأستراتيجية، بالتعاون مع وحدة دراسات الشباب، بجامعة القاهرة ورشة عمل بهدف تبادل وجهات النظر والآراء حول الموضوع، والتي حضرها د.عادل سليمان المدير التنفيذي للمركز، ا.يحيى غانم مدير تحرير الأهرام الدولي، ا.مصطفى النجار وكيل مؤسسي حزب العدل، ا.محمد عباس ناجي الباحث والمتخصص في الشأن الإيراني بمركز الأهرام للدراسات الأستراتيجية و حضرها أيضاً مجتبي أماني رئيس مكتب رعاية مصالح الجمهورية الأسلامية الإيرانية بالقاهره. العلاقات المصرية الإيرانية وأولوية الأمن القومي أكد عادل سليمان من خلال نظرته للعلاقات بين مصر وإيران على ضرورة الا تنشغل مصر سواء على المستوى الرسمي او المستوى الشعبي بالشأن المصري الداخلي عن الأمن القومي المصري والمصالح المصرية خاصةً أنه في أعقاب الثورات بصفةً عامة" الزخم الثوري " ينصب الأهتمام على الشأن االداخلي ولكن لابد من النظر الى الأوضاع الأقليمية والعلاقات بين الدول والمواقف الخارجية للدول الآخرى وهذا للتعرف على ردود الأفعال المحيطة بمصر من ناحية ومحاولة تحويل ما يجرى الى مصالح تنصب في بوتقة المشروع الذي يطمح كل منهما في القيام به من ناحية ومن ناحية آخرى حماية الأمن القومي لكل منهم ومن ناحية ثالثة لدعم الأمن والأستقرار في الأقليم خاصةً في ظل التهديدات من الدول الآخرى في المنطقة؛ وبناء على هذا لابد أن تكون هناك رؤية جديدة تطرحها مصر وإيران في ضوء المصالح الوطنية وهذا بتحديد نقاط الأتفاق ونقاط الأختلاف بينهم والتوصل الى نقاط التلاقي بين المصالح المشتركة بعيداً عن استغلال الظروف خاصةً ان دولة أيران تعتبر من أهم الركائز في الأقليم وتمثل قوة لا يستهان بها. محددات العلاقات المصرية الإيرانية فيما راى مصطفى النجار أن العلاقات المصرية الإيرانية تحددها بعض المتغيرات الأساسية التي تتمثل بداية في طبيعة النظام الدولي والذي يكون له تأثير في التقارب أو التوتر بين مصر وإيران؛ فعلى سبيل المثال فترة الخمسينات وما شهدته من الصراع بين الولاياتالمتحدةالأمريكية وبين الأتحاد السوفيتي والتي شهدت التقارب بين مصر وإيران، أما في أعقاب حلف بغداد فقد تحول هذا التقارب الى توتر في العلاقة بين البلدين، وشهدت مرحلة حكم الرئيس السادات أعادة للتقارب بين البلدين تمثل هذا التقارب في العلاقات بين مصر وشاه إيران إلا أن هذا التقارب سرعان ما تحول لينقلب رأساً على عقب بتوقيع الرئيس السادات معاهدة السلام في غضون الثورة الأسلامية في إيران والتي جعلت من العلاقات بين مصر وإيران علاقة اشبه بالعداء. أما المتغير الثاني فيتمثل في الكيان الصهيوني ووجود دولة أسرائيل في المنطقة والتي كانت تمثل دومأ سبباً رئيسياً من اسباب التوتر في العلاقة بين مصر وإيران خاصةً مع دعم إيران للمقاومة في غزة وفي لبنان وفي معاداة الأنتهاكات الأسرائيلية في المنطقة، على خلاف الموقف المصري الذي كان يتسم بالوسطية والأعتدال. أما المتغير الثالث فيتمثل في الدور الأقليمي لكل منهم ومناطق النفوذ الإيراني في المنطقة سواء بالأعتماد على المذهب الشيعي خاصةً في دول الخليج أو في مناطق سنية لدعم المقاومة كما هو الحال في سوريا. الا أن هذا لا يمنع وجود بعض المخاوف من البعض تجاه التقارب المصري الإيراني خاصة فيما يتعلق بالتخوف من المد الشيعي، والتخوف من تصدير الثورة الأسلامية الإيرانية بكل مكوناتها، وأخيراً التخوف من الضغوط الخارجية وخريطة التحالفات الأمريكية والخليجية في المنطقة، وعلى الرغم من هذه المخاوف وبصرف النظر عن هذه المحاذير الا ان التقارب المصري الإيراني عملية ليست بالمستحيلة خاصةً ان الشعب المصري ليس كالكوب الفارغ يسهل ملاءه وتغذيتة بالمذهب الشيعي، كما أن الثورة المصرية في 25 يناير جاءت لتنهي مرحلة السباق التاريخي والخوف من تصدير نموذج الثورة الأسلامية في إيران، وأخيراً معيار المصلحة هو المعيار الأول لدعم وتوثيق العلاقة بين البلدين . إيران تنظرلثورة 25 يناير باعتزاز وفخر ومن جانبه، أشار السفير الإيراني في مصر، مجتبي أماني، الى أن إيران تنظر الى ثورة 25 يناير2011 في مصر نظرة أعتزازوفخر خاصةً انها تصادفت مع انتصار الثورة الأسلامية في إيران والتي ترجع الى 11 فبراير 1979 وهي أذن دخلت الذاكرة الإيرانية، كما أنه وصف العلاقات بين مصر وإيران بأنها علاقات طيبة ترجع الى الاف السنين بعيداً عن الأدعاءات والأفتراءات والتي تهدف الى الوقيعة بين البلدين والتي تستوجب ايضاح الأمور على طبيعتها دون الألتفات الى هذه الأدعاءات والأفتراءات. وفيما يتعلق بالتخوف من المد الشيعي أوضح السفير الأيراني أن أيران دولة شيعية منذ نشأتها ولم تسع يموماً الى نشر المذهب الشيعي خاصةً أن الشعب المصري غير قابل لتلقي الأيديولوجيات أو الأفكار من الخارج لانه محصن بعقيدته. وأخيراً فقد ربط سيادته بين الثورة المصرية والثورة الأيرانية في أن كل منهما قد قامتا ضد الأستبداد والحكم المطلق والظلم والقهر. بعض الحقائق المؤكدة تجاه التقارب بين مصر وإيران وعن الحقائق المتعلقة بالعلاقات المصرية الإيرانية، تحدث محمد عباس ناجي والتي تتمثل في في الأعتراف بإن إيران دولة لا يستهان بها وهي قوة هامة في منطقة الشرق الأوسط، والعلاقات المصرية الإيرانية بلا شك هي علاقة شد وجذب ما بين تقارب وتوتر الا أن هذا لا يؤثر على مكانتهما في المنطقة، وإيران ليست عدواً لمصر بلا على العكس لابد من أستغلال مكانتها و حكم الجوار الجغرافي للتعاون بين البلدين في شتى المجالات خاصةً أن التقارب بين البلدين لا علاقة له بأمن الخليج. كما أن ا التقارب لم ولن يكن وليد اللحظة ولكنه يحتاج الى بعض الوقت لتقليص الخلافات ولكن هذا التقليص لا يعني تدعيم النفوذ الإيراني او التأثير على المكانة المصرية في المنطقة او المساس بالمصالح المصرية أو تجاوز الأمن القومي المصري . وتبقى الرؤية الجديدة للعلاقات المصرية الإيرانية والتقارب بين مصر وإيران رؤية مقترنة بأولوية المصالح الوطنية لكلا البلدين والتي تتحرك على أساسها وهو ما بدأت مصر فعلياً في التحرك تجاهه خاصة زيارة وفد الدبلوماسية الشعبية الى إيران بعد ثورة يناير والتي جاءت لتمثل خطوة هامه في هذا الأتجاه خاصة مع عودة الدبلوماسي الإيراني سيد قاسم الحسيني الذي أتهم يالتجسس على مصر لصالح إيران على نفس طائرة الوفد الشعبي الذي ضم 40 شخصية عامة الى العاصمة الإيرانيةطهران. فهل تستطيع الأيام القليلة القادمة أن تصلح ما افسدته السنوات الماضية؟؟؟