يوم السبت الماضي كتبت مقالا علي هذه الصفحة بعنوان "إلي أين نحن ذاهبون". حاولت البحث عن اجابة لهذا السؤال.. ولكن الاجابة جاءت واضحة من خلال الاحداث الدامية التي وقعت يوم الثلاثاء وصباح يوم الأربعاء في منطقة مسرح البالون وفي ميدان التحرير ومنطقة باب اللوق في شارع محمد محمود لتمتد من أمام الجامعة الأمريكية إلي منطقة وزارة الداخلية. ان ما حدث مساء الثلاثاء وصباح الأربعاء كشف بوضوح عن وجود قوي الثورة المضادة المتربصة بثورة 25 يناير. المجلس العسكري أعلن بوضوح ان هناك خطة مدبرة لاحداث الفوضي في مصر وحذر المجلس الأعلي للقوات المسلحة المصريين وشباب الثورة من الانسياق وراء دعاوي الفوضي التي تستهدف زعزعة استقرار مصر واكد المجلس ان الاحداث التي اندلعت منذ ليلة الثلاثاء في ميدان التحرير لا مبرر له ولكنها خطة مدبرة ومدروسة يتم استغلال دم الشهداء لثورة 25 يناير لاحداث الوقيعة بين شباب الثورة والقوات المسلحة لتحقيق اهداف الثورة المضادة وناشد المجلس قوي الشعب العمل علي اجهاض هذا المخطط من أجل الحفاظ علي أمن مصر وسلامتها في هذه الظروف العصيبة. ما يحدث هذه الأيام يكشف عن مخاطر كبيرة تهدد أمن مصر واستقرارها فالمناقشات السفسطائية بين قوي الشعب المختلفة لن تحل كل المشاكل التي تواجه مصر في هذه المرحلة. الحوار الدائر بين القوي الوطنية حول أولويات العمل الوطني لابد ان ينتهي إلي توافق سريع حتي لا نترك الفرصة لاعداء مصر واعداء الاستقرار لتحقيق مآربهم. ان الحوارات حول الأولوية وهل هي للدستور أم للانتخابات البرلمانية مازالت تمثل نوعا من القلق. الحديث عن موقف الرئيس المخلوع وهل يظل في عرينه بشرم الشيخ أو احضاره مثل بقية المتهمين إلي سجن طرة وهل هو مريض بالفعل أم انه يتمارض؟ ان حديث كل المصريين في هذه الأيام يتركز عن الانفلات الأمني والخطر الذي يواجهه المصريون من هذا الانفلات الذي يهدد جماهير الشعب المصري في كل مكان حتي وصل إلي تهديدهم في منازلهم وسياراتهم ومحال أعمالهم. يأتي الموضوع الأكثر تعقيدا وهو الحوار الدائر الآن حول أولويات العمل الوطني والخلاف علي تحديد تلك الأولويات.. هل الأولوية للدستور حسب ما جاء في الاستفتاء أم أن الأولوية للانتخابات البرلمانية؟ ان هذا الحوار أصبح مشكلة كل المصريين.. فأولوية الانتخابات تأتي بما قرره الاستفتاء الماضي ولكن علي الجانب الآخر نجد الكثيرين الذين يتحدثون عن أولويات العمل الوطني وضرورة البدء بالدستور ومازلنا حتي الآن لا نستطيع ان نحسم أمورنا لنقرر.. هل الفرخة أم البيضة هي الأول والمواطن المصري معذور ومشتت فهو لم يستقر علي البيضة أم الفرخة حتي هذه اللحظة. لقد فاجئنا رئيس حزب الوفد بتغير موقفه فجأة وبدون مقدمات عندما غير موقفه وانحاز إلي اجراء الانتخابات أولا مما أغضب قيادات حزب الوفد وذلك لعدم مناقشة القرارات الفردية التي يتخذها البدوي دون الرجوع للهيئات الحزبية. مصطفي الطويل عضو الهيئة الوفدية العليا للوفد صرح بأن قرار البدوي بإجراء الانتخابات أولا يرجع إلي تحالف الوفد مع الاخوان المسلمين وعدد من الاحزاب السياسية واكد الطويل انه يطالب بطرح الدستور أولا قبل اجراء الانتخابات البرلمانية مرجعا ذلك إلي ضرورة وضع خريطة لطريق الدولة في المرحلة القادمة تعمل علي تحديد سلطات مجلس الشعب. اصدرت محكمة القضاء الاداري برئاسة المستشار كمال اللمعي نائب رئيس مجلس الدولة حكما تاريخيا بالزام مجلس الوزراء بحل جميع المجالس الشعبية المحلية علي مستوي الجمهورية. الحقيقة ان المجالس الشعبية المحلية كان يمكن ان تقوم بدور كبير في مراقبة عمل المجالس المحلية التنفيذية ولكن اسلوب اختيار اعضاء هذه المجالس عن طريق احمد عز أمين التنظيم بالحزب الوطني المحلول وكذلك اجهزة أمن الدولة جعل من اعضاء تلك المجالس مجرد اتباع للحزب الوطني لاستخدامهم كأدوات لدعم كل القرارات الفاسدة. المجالس المحلية كانت أحد أذرع الفساد في مصر واهم الادوات للمسئولين لتنفيذ كل ارادة النظام الفاسد فمن خلال اسلوب اختيار اعضاء المجالس المحلية بل واعضاء مجلسي الشعب والشوري. جاء في حكم حل المجالس الشعبية المحلية ان هذه المجالس لم تلتزم باطارها الشرعي فحسب بل اخلت اخلالا جسيما بمصالح الوطن وقصرت في اداء مهامها وتقاعست عن القيام بالصلاحيات التي حددها القانون بل كانت مجرد اداة في يد النظام السابق فلا يمكن القبول بأن يرحل رموز النظام وتبقي هذه الادوات التي دمرت كل شيء جميل في هذا الوطن. ان ما حدث يومي الثلاثاء والاربعاء يؤكد وجود دليل علي تحركات بقايا الحزب الوطني المنحل مما يجعل البعض يميل إلي تأجيل الانتخابات إلي أن يستتب الأمن والضرب بشدة علي ايادي البلطجية واللصوص. ليس من الغريب ان يحاول بعض اعضاء الحزب الوطني المنحل التمسك بالنظام الذي سقط إلي جانب محاولة التسلل إلي مواضع يمكن استخدامها لصالح ذلك النظام. استنكرت احزاب المعارضة والقوي الوطنية بالفيوم وعلي رأسها احزاب الوفد والحرية والعدالة والناصري والغد والاحرار وحركة كفاية والجمعية الوطنية للتغيير وترشح أمين الحزب الوطني المنحل علي منصب نقيب الصيادلة بالفيوم. ان تقدم أمين الحزب الوطني لمنصب نقيب الصيادلة يؤكد تبجح بقايا الحزب الوطني ومحاولتهم التسلل إلي الكيانات الجديدة لتمزيقها. ان معني ذلك ان الحزب الوطني المنحل مازال في قلب الصورة وليس في خلفيتها مما يجعلنا في حالة قلق مستمر حتي بعد رحيل رموز النظام. قد يكون مرض مبارك صحيحا ولكن في سجون طرة وغيرها من سجون الجمهورية آلاف المحجوزين رغم امراضهم الخطيرة.. نحن لا نعيب علي محاولات فريد الديب محاولته لكسب تعاطف الشعب المصري مع الضعيف والمريض ولكننا نتوجه إلي وسائل الاعلام لكي تتوقف عن نقل اخبار كاذبة أو صادقة عن حالة مبارك وهي في الغالب كاذبة ومضللة.. ان النشر اليومي عن حالة مبارك هو جريمة يرتكبها الاعلاميون بقصد أو بدون قصد. نقلا عن جريدة الجمهورية