عبر شاشة التليفزيون الليبي.. طل الراحل معمر القذافي فجأة على العالم العربي في إحدى أمسيات عام 2002.. وقبل انعقاد القمة العربية بثلاثة أيام.. ليعلن مقاطعته لاجتماعات القمة.. وزاد من مفاجأته عندما أمسك بأوراق في يديه وأخذ يتلوها نصا.. وبعد أن انتهى من قراءتها قال: هذه هي القرارات التي ستصدر عن القمة.. فلماذا نجتمع إذاً.. وماذا نناقش.. وأكمل حديث المفاجأة بقوله.. إن القمة لا تصدر قرارات.. وما هي إلا مكلمة وبيانات شجب، لم نعد في حاجة إليها.. بقدر ما نريد من القادة عندما يجتمعون أن يتخذوا مواقف.. ويصدروا قرارات على مستوى الأحداث الجسام التي تمر بها المنطقة العربية وعلى قدر المخاطر التي تهددها.. والمؤامرات التي تحاك ضدها.. وهكذا تمر الأيام والسنون والعرب من سيئ إلى أسوأ.. تزداد الأطماع فيهم.. وتتفاقم مشاكل شعوبهم.. ونحن نتفرج.. وليقل لي أي قائد عربي.. قراراً مهماً واحداً سوف نصدره.. ولماذا نجتمع طالما أن وزراء الخارجية ومعاونيهم أنهوا كل شيء وتوصلوا إلى ما قرأته على الشعوب العربية.. وما علينا إلا الحضور لنأخذ الصور والتوقيع على بيان معد سلفاً. عفواً.. لن نأخذ الحكمة من فم القذافي ولكنها الحقيقة التي انتقدها المواطن العربي طوال السنوات الماضية.. حتى بلغ به الأمر أن أطلق على الجامعة العربية.. مجلس الشجب والإدانة.. وللحقيقة أيضاً.. لو اتخذ القادة العرب الأمور مأخذ الجد منذ الاحتلال الأمريكي للعراق.. ما كان هذا هو الحال اليوم.
القادة العرب.. لأول مرة في تاريخ اجتماعات القمة التي يلتئم شملها اليوم بمدينة السلام شرم الشيخ.. أن ينعقد اللقاء والنيران مشتعلة حولكم من كل جانب.. لا وصف لها سوى حروب أهلية طاحنة.. مع كلماتكم ينطلق هدير المدافع وقاذفات القنابل في اليمن.. وتتطاير أشلاء القتلى المسالمين.. في العراق وليبيا وسوريا.. وما هذا إلا مخطط الأولويات والبقية من دول المنطقة قادمة.. المنطقة التي تحولت إلى ساحة صراع ونفوذ وهيمنة.. المنطقة التي تشهد جدولاً زمنياً للمؤامرات عليها يتم تنفيذه باليوم والمكان.. المنطقة التي اشتعلت صراعاً مذهبياً.. أيقظ أحلام الفرس.. فأصبحت لهم الكلمة والحجة في أحوالها.. وأصبحت لإيران الكلمة الأولى لمعادلة أي حل بأرض العرب في سورياوالعراق واليمن ولبنان.
القادة العرب.. تلتقون اليوم.. وقد أصبحت معظم دولكم ساحة لإرهاب قتل وتخريب وتدمير.. هناك من وضعوا مخطط الفوضى ومن بين أبناء شعوبكم جماعات الإرهاب التي تقوم بالتنفيذ وتقومون أنتم بالدعم والتمويل والتدريب والسلاح.. كنا نشكو ممن يتآمرون علينا.. فإذا بنا نتآمر على أنفسنا.. التأم شمل العرب في أول قمة دفاعاً عن حق دول عربية أخرى في الاستقلال.. فإذا بكم اليوم مطالبون بإنقاذ دول عربية قبل محو اسمها ووجودها من خريطة الدنيا.. ومحوها من التاريخ والجغرافيا.. بالأمس كنتم وحدة يسودها الوهن في مواجهة إسرائيل.. فإذا بكم اليوم شتاتا تحاربون بعضكم بعضا.. وتتآمرون على بعضكم البعض.. حتى استفحلت إسرائيل.. وطمعت إيران.. وحلمت تركيا بحكمكم.. واستحلف آخرون تتقدمهم أمريكا ألا تقوم لكم قائمة.
القادة العرب.. لننس ما جره أسلافكم علينا.. لننس تخاذل مواقف وقرارات زادت من وهن العرب.. وشجعت على تكالب اللئام علينا.. لنعيش اللحظة.. اليوم.. وما أسوأها في تاريخ العرب.. أنتم القادرون على أن تجعلوا اليوم.. هو الأكثر قوة وجرأة في تصحيح المسار.. أن تجعلوها قمة الإنقاذ والتحدي واستيقاظ المارد العربي.. اللحظات الحرجة في تاريخ الأمم.. هي التي تصنع القادة العظام إجعلوا مكانكم في صفحات الشرف ناصعة البياض وليس صفحات التخاذل المجللة بالسواد. المؤامرة كبيرة.. والمخاطر جمة.. قمة اليوم.. نكون أو لا نكون ليست كما كان الحال على مدار 25 قمة سابقة من الأداء التقليدي الذي انتقده القذافي منذ 13 عاماً مضت.. إذا كان الأمر هكذا.. أو تريدونه أن يستمر هكذا.. نستطيع من اليوم أن نكتب لكم قرارات القمة حتى 2020 مجموعة بنود ثابتة.. لا تغيير فيها سوى الموضوع الرئيسي أو شعار القمة.. وعادة ما يكون حسب الحدث الأهم الذي يفرض نفسه على القادة العرب.. ولا يمكن إغفاله.. وإلا فرطوا في بديهيات العمل العربي المشترك.. وعادة ما يكون هذا الحدث لصيق الصلة بالقضية الفلسطينية القاسم المشترك الرئيسي في كل قمة.. ورغم هذا لا جديد في القضية غير الأسوأ.. وكأننا نتقدم إلى الخلف.
القادة العرب.. امتلكوا زمام أموركم.. أحموا أوطانكم وشعوبكم وان شئتم ملككم.. تلتقون اليوم والتاريخ يضع في أعناقكم مستقبل أمة العرب.. المرهون بقرارات جادة حاسمة.. لا لاعتماد توصيات وقرارات إنشائية.. العالم يترقب كلمتكم.. العدو منه قبل الصديق.. هل ستلجأون لمواقف المواءمات.. أم أنكم حاسمون في مواجهة أي ضغوط أو املاءات خارجية.. لأطراف لم نجن من دس أنفها في أمورنا سوى ضياع بلادنا.. والإرهاب والفوضى والخراب.. واستنزاف أموالنا وقوتنا.. فماذا أنتم فاعلون؟ القادة العرب.. قولوها صراحة.. واتخذوا قراراً.. لن يحارب الإرهاب أحد نيابة عنا.. ولن نترك بلادنا مرتعاً لجماعات شتى مدعومة من قوى دولية أو إقليمية للتدخل في شئوننا وإزاحة أنظمة حكم شرعية.. وبالإجماع قرروا تشكيل قوة عسكرية عربية للدفاع المشترك عن أنفسنا في أي مكان داخل حدود الدول العربية.. للقضاء على الجماعات الإرهابية.. وصد أي عدوان خارجي. احسموا أمركم.. طالت عربدة إسرائيل ومماطلة نتنياهو.. وحددوا فترة زمنية لتنفيذ إسرائيل لمبادرة السلام العربية.. وإنهاء الاحتلال للأراضي العربية وإقامة الدولة الفلسطينية.. ويحتفظ القادة بالحق في اجبار إسرائيل على الانصياع للقرارات العربية.. ولا تنسوا تحذير أشاوس حماس بالعودة إلى صحيح الطريق والكف عن اللعب على أحبال إيرانوتركيا وإسرائيل واجبارهم على الاندماج في السلطة الشرعية وإلغاء احتلالهم لغزة. ما بين العرب خرج عن نطاق الخلافات وتنقية الأجواء العربية.. إلى مستوى العداء.. وأصبح من بينهم من هو مخلب ضد الآخرين.. حذروا قطر واتخذوا موقفاً يجبرها على العودة إلى حضن العرب. تعلمون أن ما يحدث في سوريا وليبيا.. ما كان له علاقة من قريب أو بعيد بما أطلق عليه الأمريكان.. ثورات الربيع العربي.. وفي غفلة من الزمن جمدت الجامعة العربية عضوية سوريا.. وغابت عن اجتماعات القمة.. عودوا إلى الصواب.. وارتفعوا عن الهفوات الشخصية.. وأعيدوا سوريا إلى مكانها الطبيعي وضعوا أساسا لحل سياسي.. وكفوا عن دعم الإرهابيين في سوريا وليبيا.. وأكدوا على دعم الحكومة الليبية الشرعية.. وشاركوها مادياً وعسكرياً في القضاء على داعش وتنظيم الإخوان على أرضها وأصدروا قراراً جماعياً برفع حظر توريد الأسلحة لنظام حكمها الوطني. كشروا عن أنيابكم لتركياوإيران.. هم قوى إقليمية تعمل لمصالحها.. ولكن ليس على حساب مصالح العرب.. على مدى 30 عاماً.. من الصراع الأمريكي الإيراني والحصار الاقتصادي أوشكت إيران على إنتاج السلاح النووي.. ومد نفوذها في بلاد العرب.. فماذا بعد التحالف بين واشنطن وطهران.. لن يكون إلا لمزيد من الهيمنة والنفوذ الإيراني في شئوننا وتهديد مصالحنا.. تمسكوا بإخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية.. مشروع القرار الذي تقدمت به إيران بالمشاركة مع مصر إلى الأممالمتحدة منذ عام 78، بينما كانت تعمل سراً في بناء قوتها النووية حتى كشفت عنها المصادفة.. خدعتنا إيران مرة ولن تخدعنا مع أمريكا هذه المرة حتى نفيق على ابتلاع إيران لمنطقة الخليج العربي.. الذي تنكر علينا اسمه حتى الآن.. وتعاقب من لا يطلق عليه الخليج الفارسي.
القادة العرب.. لا تتحسروا على ما فاتكم.. وانطلقوا من اليوم.. راجعوا مواقفكم من السوق العربية المشتركة.. تذكروا نواة التصنيع العسكري الموحد.. تأملوا قوائم التبادل التجاري بين بلادكم.. وأوروبا وأمريكا.. قارنوا حالنا مع كل القوى الاقتصادية البازغة في العالم.. أين هم وأين نحن.. عودوا للوراء لحظات.. تجارب أمم غيرنا.. اليابان.. الاتحاد الأوروبي.. ألمانيا.. باكستان والهند.. الصين. لماذا نطالبكم بتذكر هذا؟.. فقط.. حتى تضعوا اليوم لبنة البناء والتنمية الجادة والحقيقية.. فقط.. حتى تكونوا قادرين.. ربما قريباً.. على اتخاذ قراركم دون مواءمة وحسابات القوى الإقليمية والدولية الأخرى.. عندما تمتلكون غذاءكم. ودواءكم وسلاحكم. نعم أنتم قادرون.. إذا امتلأت القلوب والنفوس.. والعقول اليوم.. بأن قمة القادة العرب اليوم.. هي قمة الإنقاذ والتحدي.. شعارها.. نكون أو لا نكون!. نقلا عن جريدة أخبار اليوم