تحيي مصر اليوم "يوم الشهيد" الذى يوافق التاسع من شهر مارس من كل عام، وهو ذكرى استشهاد الفريق أول عبدالمنعم رياض فى عام 1969، حينما توجه للجبهة فى اليوم الثانى لحرب الاستنزاف ليتابع بنفسه نتائج قتال اليوم السابق، وليكون بين أبناء قواته المسلحة فى فترة جديدة تتسم بطابع قتالى عنيف ومستمر لاستنزاف العدو، وأثناء مروره على القوات فى الخطوط الأمامية شمال الإسماعيلية، أصيب الفريق رياض إصابة قاتلة بنيران مدفعية العدو أثناء الاشتباك بالنيران وفارق الحياة خلال نقلة إلى مستشفى الإسماعيلية، وخرج الشعب بجميع طوائفه فى وداعه مشيعين جثمانه بإجلال واحترام ممزوجين بالحزن العميق. استشهاد الفريق أول عبد المنعم رياض الذى يحتضن ميدان التحرير تمثاله، تم اختياره بعد انتصار حرب أكتوبر ليكون يوما للشهيد، وهو مناسبة لتذكر شهداء مصر الذين لم يبخلوا عليها بالجود بأرواحهم ، حيث قدمت مصر ومازالت تقدم وستقدم أبناءها فداء للوطن وللمنطقة العربية بأسرها، فكل مصرى هو مشروع شهيد يتحرك على قدميه إلى أن ينال الجائزة . التاسع من مارس "يوم الشهيد" ليس مناسبة لتجديد الأحزان، ولكن للتأكيد على فكرة العطاء دون مقابل، والتضحية بالروح من أجل كرامة الوطن، فالمصريون قوم لهم مع الشهادة والشهداء قدر وباع وتاريخ طويل، ويحتفلون بها وبهم كما يحتفلون بأفراحهم ، ويحيون في هذه المناسبة الكثير من ألوان التكريم والتقدير في مناسبات عديدة تخليدا للتضحية وسموا بقيمتها النبيلة . شهداء مصر عبر التاريخ لا يعدوا ولا يحصوا، فمنذ فجر التاريخ قدم أبناؤها أرواحهم فداء لها ودفاعا عنها ضد الهكسوس، والتتار والمغول، فهى دائما وأبدا مقبرة الغزاة ودرع حماية المنطقة بأكملها، وقدمت خيرة شبابها ورجالها إبان الحملة الفرنسية وطيلة فترة الاحتلال الإنجليزي من أجل جلاء المستعمر، وكان المصريون فى مقدمة المدافعين عن فلسطين في حرب 48، وتجلت بطولة أبنائها أثناء العدوان الثلاثي الغادر على بورسعيد، وخلال حرب الاستنزاف التى أعقبت النكسة، وفى حرب اكتوبر المجيدة التي ثأرت فيها مصر لكرامتها محطمة اسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يهزم . وعلى الرغم من حالة السلام التي تعيشها مصر منذ ذلك الحين إلا أنها لم تتأخر يوما عن أشقائها العرب فكانت من أولى الدول التى شارك جيشها فى الدفاع عن الكويت ضد العدوان العراقى ، وهو مازالت تؤكد عليه مصر حتى الآن بقول الرئيس عبد الفتاح السيسي عبارته الشهيرة "مسافة السكة" في إشارة منه على استعداد الجيش المصري لمساعدة الأشقاء وقت الحاجة. تحيي مصر اليوم يوم الشهيد في وقت يكثر فيه شهداء الإرهاب الأسود الغاشم وضحاياه الذي يحصد يوميا خيرة أبنائها من الضباط والمدنيين، فقد استشهد حوالي ألف من أفراد الجيش والشرطة منذ ثورة 25 يناير 2011، لذا فإن القوات المسلحة حريصة على إحياء هذه الذكرى بالإجلال والإكبار، والعرفان لهؤلاء الشهداء الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه فكانوا أوفياء ليمين الولاء للوطن وافتدوه بأغلى ما يملكون مضحين بأرواحهم ودمائهم الذكية فداء للوطن وصونا لقدسية ترابه، تاركين وراءهم الزوجة المترملة والأم الثكلى والأب الحزين والأبناء والأخوة . تزايد أعداد الشهداء لا يزيد زملاءهم إلا عزما وإصرارا على استكمال المسيرة حتى ينالوا الشهادة ويلحقوا بزملائهم ، وخير دليل على عقيدة الجندي المصري حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عندما قال : إذا فتح الله عليكم مصر بعدي، فاتخذوا فيها جندا كثيفا، فذلك الجند خير أجناد الأرض, وإنهم في رباط إلى يوم القيامة، فالمصري منذ طفولته يتغنى باسم مصر، مرددا منذ الصغر "نموت وتحيا مصر"، فالمصري لديه عقيدة الوطن، والإيمان بكرامته وحريته .