«بلا عنوان» هو اسم الخاتم الذهبي الذي كان مثبّتاً بعنق حنفية المغسلة بقفل نحاسي. هكذا هي الحلى في معرض الحلى المعاصرة من بريطانيا الذي افتتح أول من أمس في المجمع الثقافي في أبو ظبي، تحت عنوان «من جوهر إلى جواهر». هنا للحلي معنى آخر أو مقاربة أخرى، وهي المقاربة التي أسس لها ذلك التحول منذ عقد الخمسينات مع الفنانة جيردا فلوكينغر والمجوهرات التجريبية التي استعارت من الفنون الجميلة أساليبها. ثم في الستينات مع الأسئلة عن معنى الزينة الجسمانية، وفي أواخر السبعينات مع الثورة على المواد التقليدية في صناعة الحلي، والتي شهدت احتضان المواد البخسة مثل الورق والنايلون والمطاط لتجعل الجسم البشري مساحة للتعبير والرسم الحر... مفهوم جديد لصناعة الحلي ابتكرته قبل كل ذلك ثورة الافكار وتوجهات التصميم الصناعي الجديدة مثل أكسدة الألومنيوم وتكسية المطاط... يختصر المعرض الذي نظمه المجلس الثقافي البريطاني وهيئة أبو ظبي للثقافة والتراث، هذه الرحلة عبر عرض قِطع مجوهرات فنية لثمانية من مصممي المجوهرات المعاصرين في بريطانيا وهم مصممون من جنسيات مختلفة رفدوا صناعة المجوهرات بأفكارهم المستقاة من ثقافاتهم المتعددة فجعلوا من المجوهرات وسائط تعبير وفن. فالمصمّمة تافي كانت مثلاً تصنع حليها من منسوجات أعيد انتاجها مثل قطع من أثواب الساري القديمة التي كانت ترتديها أمها أو أقمشة الأثاث الفائضة أو من ثيابها الشخصية، فتدمجها بقطع من الخزف المنتجة بالتشكيل اليدوي ثم التسخين بالفرن في عملية ترمز إلى إعادة الإنتاج واستدامة الموارد، فتشكل دلالة على السيرة الشخصية والجماعية، لتصبح القطعة صدى لتقليد ولحيوات كثيرة عيشت. أما لورا بوتر فتطرح فيه المألوف ثم تقوضه، ففي مجموعتها المسماة «ثمين»، نجد سلسلة كثيفة من بطاقات السعر الورقية الناصعة حولتها إلى أشياء ثمينة بحد ذاتها. كما تصنع مجموعتها المسماة «أرامل صيادي السمك» من أدوات صيد السمك، وهي أيضا نفسها صاحبة خاتم «بلا عنوان». وهناك ما يمكن تسميته بالحلي المرحة مع مجموعة لينا بيترسون، التي تتحدى المألوف لتصنع ما هو متشابك بين القماش والحلي. وتتشكل مجموعتها بشكل أساسي من «البروشير»، وتبحث فيها في سمات وخصائص بنية الثياب، ومنها مثلاً الأوجه الحميمة لدرزة داخلية لسترة صوفية. ففي احدى قطعها مثلاً تدمج بين الصوف والذهب، فتصنع ذهباً على شكل عقد الصوف، في تناقض بين المعدن والصوف ولكنه تناقض يكشف تآلفاً ممكناً. أما ما يمكن أن يكون أكثر غرابة فهي قطع نعومي فيلمر التي تتحدى مبدأ الزينة بحد ذاته، فمنهاجها في التصميم أقرب إلى منهاج تشكيلي أو نحات. فهي التي تأثرت برودان ومان راي وغيرهما، ابتكرت مجموعات مثل «بين أصابع اليد والقدم»، وهي قطع لا تتضح وظيفتها كمجوهرات إلا عند ارتدائها، كونها مجوهرات ترسم تلك الخطوط والإنحناءات بين الاصابع. كما لديها ما تسميه مثلاً «كرة عند أسفل ظهري»، وهي عبارة عن كرة من الزجاج والفضة تمسك بها العارضات وراء ظهورهن، تماماً عند أسفل العمود الفقري، فتجعلهن منتصبي الظهر في الوقفة الكلاسيكية التي تميز راقصي الفلامنكو. هناك أيضاً أعمال سولانج أزاغوري التي تستمد الهامها من تصاميم الغرافيك الخاصة بفن «البوب» فشغلها هو تطعيم بين الأحجار الكريمة وحلي الزينة اليومية غير الثمينة. وهناك أندرو لامب بخدعه البصرية وقطعه التي تبدو تارة فضية وتارة أخرى ذهبية، وأيضاً شو لين الذي يجمع بين الخشونة الحادة والرهافة الراقية، حيث أطلق مثلا ًعلى إحدى مجموعات خواتمه «أخطف قلبي». وأيضاً سكوت ويلسون الذي يستعمل مواد غير تقليدية مثل الأكريليك والأسلاك والخشب. إنها الحلي التي لا تعيش بمفردها، هي هنا جزء من عالمها المتغير، وجزء من حركة فكر وفن، وليست مجرد جواهر ثمينة تشترى وتلبس ثم تخبّأ في العلب.