كلما استمرت أزمة منطقة اليورو وقتا اطول ، كلما عاد هذا بفائدة اكبر على الاحزاب السياسية ، و بدو ان اوروبا لا تعترف باخطائها ولا تتعلم منها.. هكذا افتتح "لاري إليوت Larry Elliott" المحرر الاقتصادي في صحيفة " ذا جارديان" البريطانية، مقاله الجديد ، الذى يتوقع فيه وقوع منطقة اليورو على شفير أزمة اقتصادية جديدة، لكنها قد تكون الاسوأ مما قد يؤدى في أسوأ الظروف لاحتمال انهيار الاتحاد الأوروبي . ويقول "لارى اليوت": انه ومن المضحك أن التاريخ يعيد نفسه، فقد جرت الانتخابات العامة غير الحاسمة في بريطانيا عام 2010 حينما كان الاقتصاد في طريقه للتعافي ،على خلفية أزمة منطقة اليورو التى فجرتها ازمة ديون اليونان. وكما تبدو الأمور، يمكن أن يتكرر هذا الإنجاز فى مايو 2015 .. وبلا شك، ان ما يحدث في أوروبا يهم بريطانيا ، ومنطقة اليورو ، ربما تكون الان فى خضم أزمة ركود عميق لا يبدو انه قد ينفك قريبا. ومع بث المزيد من أعمال الشغب في شوارع أثينا أو الإضرابات العامة في إيطاليا من الآن وحتى موعد الانتخابات البريطانية المقبلة، يكتسب حزب الاستقلال في المملكة المتحدة بقيادة "نايجل فارج Nigel Farage " مزيد من الدعم والزخم مما يساعده على الصمود . وتلقى حزب الاستقلال لدعم اقوى، يشجع المحافظين على المضى قدما فى اعتماد نهج أكثر تشككا تجاه الإتحاد الأوروبي، وتصلب موقفه بشأن التنازلات المطلوبة لمواصلة دعم عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي. وعلى الجانب الاخر، فإن الضعف الدائم لاقتصاد منطقة اليورو، يدفع الميزان التجاري البريطاني الى المنطقه الحمراء. واذا كان الجدل يدور حاليا في البرلمان حول عجز الميزانية؛ فان النقاش المقبل في البرلمان سيكون عن العجز في الحساب الجاري. ودعونا نبدأ مع اليونان، حيث بدأت الأزمة في منطقة اليورو قبل سنوات. . وهنا تحضرنى مقولة رجل الدولة و الدبلوماسى الفرنسي الشهير " شارل موريس تاليران" الذى قال ذات مرة فى القرن الثامن عشر "أن البربون لم يتعلموا شيئا ولم ينسوا شيئا". وينطبق القول نفسه على حفنة من غير الأكفاء في بروكسل وبرلين وفرانكفورت و هم المسؤولون عن دفع اليونان نحو الانهيار الاقتصادي والسياسي. لقد كان الأداء الاقتصادي الأخير لليونان جيد جدا. فالاقتصاد ينمو، ومعدلات البطالة في الانخفاض ، كما بدات نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي فى الانخفاض قليلا. وهنا علينا ان نقول ان اثينا نجحت فى خفض الركود قليلا ، ولكننا لسنا الحكومة الألمانية اوالمفوضية الأوروبية أو البنك المركزي الأوروبي، الذين يصرون على ضرورة تطبيق المزيد من اجراءات التقشف والمراقبة المستمرة من قبل صندوق النقد الدولي. ان اليونانين بالفعل اصبحوا يعانون من تخمه التقشف، ولديهم ما يكفي من المتاعب، وكما هو متوقع، فان سياسات "حزب سيريزا Syriza " المضادة للتقشف اصبحت قوية وتعكس المزاج الغاضب لدى اليونانين، وفي محاولة لاستعادة زمام المبادرة، قدمت الحكومة في أثينا مواعيد التصويت في البرلمان لانتخاب رئيس جديد. واذا لم ينجح مرشح يمين الوسط "ستافروس ديماس Stavros Dimas"، مفوض الاتحاد الأوروبي السابق، قبل وقت التصويت الثالث في نهاية ديسمبر، فى تأمين 180 صوتا من أصل 300 صوت، و هو امر كما يبدو من غير المرجح تحققه – فان الفوز سيكون من نصيب حزب "سيريزا ". لذا وبالتأكيد اذا لم يتعلم رئيس المفوضية الاوربية " جان كلود يونكر Jean-Claude Juncker"، كيفية إبقاء فمه مغلقا، ويتوقف عن القول بانه يريد "وجوه معروفة" بدلا من "قوى متطرفة" تكون هى الحاكمة في اليونان، فانه بذلك يجند كل الدعم المطلوب لحزب "سيريزا ". . والوضع لا ينبى بالخير ففى حالة فوز "سيريزا " فاما انه سيقوم بدورة التفافيفية طوعية ويطبق مزيد من اجراءات التقشف المطلوبة، او انه سيستأسد برد الفعل الجماهيرالمعادي للتقشف ، مما سيؤدى ايضا لانهيار حكومته و عودة حكومة يمين الوسط التي سوف تفعل ما يطلبه "يونكر" و"أنجيلا ميركل " والذان يدعوان لمزيد من التقشف . واذا كانت أزمة اليونان سوف تستغرق عدة شهور لتتكشف اجوائها ، فان عوائد السندات سوف ترتفع بالتالى في كل بلد اصبحت ضعيفة بمنطقة اليورو: كالبرتغال، إسبانيا، إيطاليا، وربما بلجيكا. وسيتم ضرب الأعمال التجارية وثقة المستهلك فى هذه البلدان . وستتجدد المخاوف بشأن القروض المتعثرة لدى البنوك الهشة في أوروبا. ولم يكن هذا سيهم اذا كانت هذه هي أوروبا فى فترة الخمسينيات والستينيات بالقرن العشرين، حيث كانت تتمتع بمعدلات سريعة للنمو بلا بطالة . اما وأوروبا فى عام 2014، لا تتمتع بهذه المزايا، حيث بالكاد لا يوجد أي نمو، ومعدلات البطالة من رقمين، وعلى أعتاب الانكماش، وقبل كل شيء، فهى مثقلة بعملة غير قوية . ان السياسة النقدية للاتحاد خطرة ،فاقتصاد ألمانيا مختلف تماما عن اقتصاد اليونان. واقتصاد البرتغال لا يشبه باى حال نظيره فى هولندا. اما ايطاليا فقد كانت قادرة على البقاء في دائرة المنافسة أيام ما قبل اليورو ، وكان ذلك فقط يتم عبر تخفيض قيمة الليرة الايطالية. لذا فان مقارنة و قياس جميع هذه البلدان معا وفقا لعملة واحدة كان عملا من أعمال الحماقة الكبرى . لذا فان حدوث ازمة جديدة فى اليونان، سيكون له تأثيرات جانبية، وسيؤدي إلى ركود جديد وتعميق الانكماش. وضعف النمو وانخفاض ألاسعار هو"مزيج سام" للدول المثقلة بالديون، لأنه يفاقم القيمة الحقيقية للديون في الوقت الذى ينخفض فيه الانتاج المحلى الوطني. ويقول "بيبي جريللو Beppe Grillo" من حركة الخمس نجوم في ايطاليا "سيأتي في نهاية المطاف وقت، يحمل فيه السياسي نسخة من المعاهدة EMU [الاتحاد النقدي الأوروبي]، ويعلن انها لاغية وباطلة، وستكون حينئذا ايضا الديون لاغية وباطلة . وهذا السياسى سيتم اعادة انتخابه " . ويبدو ان هذه اللحظه قد اصبحت قريبة وليست بعيدة، وقد تكون الطريق الوحيد امام البعض -إن لم يكن للكل – للتغلب على ازمة اليورو، بانتهاج استراتيجية تنطوي على الإعفاء من الديون وسياسات توسعية في البلدان – مثل ألمانيا – التي اصبحت لا تستطيع تحمل برنامج التيسير الكمي على نطاق واسع من البنك المركزي الأوروبي ومحاولات تخليص المصارف من أصولها السامة. . واذا تغلب البنك المركزي الأوروبي قد يتغلب على الشكوك في المانيا بشأن شراء السندات السيادية وتراجع كثيرا مع برنامج التيسير الكمي ، فان هذا الامر ايضا قد يكون متأخرا جدا و غير كافيا ، ويفرض المزيد من الضغوط على الدول الاخرى بزيادة ما يسمى بالإصلاحات الهيكلية، وخفض الأجور والتخفيف من حقوق العمال. أن منطقة اليورو على حافة الأزمة الاقتصادية، التى سوف تبدأ من جديد في اليونان، وسيكون لها عواقب وخيمة على الاتحاد الأوروبي بأكمله .. إن النمو الاقتصادي الضعيف وهبوط الأسعار هما بمثابة تركيبة سامة بالنسبة للبلدان ذات المستويات العالية من الديون الخارجية، وبسبب الضغط المفرط للاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بتعميق تدابير التقشف سوف يؤدى هذا لخلق الظروف المناسبة لوصول الأحزاب اليسارية الراديكالية إلى السلطة والتي تعتمد في سياستها على الاستقلال الاقتصادي عن الاتحاد الأوروبي . وينطبق ذلك أيضا على بريطانيا، حيث المشككين في أوروبا، وخاصة حزب الاستقلال الذى يكتسب شعبية متزايدة . فإذا لم يتغير الوضع فسوف يتم فقدان الثقة في قطاع الأعمال والمستهلكين داخل الاتحاد الأوروبي.