لاتوجد انتخابات واحدة في مصر من انتخابات عام1924 وحتى الآن لم تنج من الاتهام بالتدخل الحكومي وسلطات الإدارة أو سطوة أنصار أحد المرشحين ضد خصومهم واستخدام المال والعنف والبلطجة إلى غير ذلك من انحرافات. ومن الطبيعي أن تشهد الأيام التالية لإعلان نتائج انتخابات 2010 مشاعر الفرح لدى البعض ومشاعر الغضب لدى آخرين وأن يتم تبادل الاتهامات بين الأطراف.. ولكن يأتي وقت يكون فيه من الضروري الاستفادة مما حدث واستخلاص الدروس دون زهو أو غضب. وهذا المنهج يفرض علينا أن ننظر إلى أمور تتعلق بما حدث وأمور أخرى تتصل بالمستقبل. أما فيما يتعلق بما حدث فلعل أول الأمور هو تفسير النتائج وتحديد أسبابها وهي عديدة ولكن أود أن أركز على عنصر واحد وهو سلاح التنظيم والحشد وهو سلاح قوي يعرفه المشتغلون بالعمل الحزبي. وجوهر السلاح التنظيمي هو تنمية القدرة على جذب العضوية واستهداف عضوية فئات وشرائح مؤثرة ثم توظيف تلك العضوية المتميزة في مواقع قيادية قادرة على تجميع الناس من حولها.. ثم قدرة التنظيم الحزبي على ضمان خروج أكبر عدد من مؤيديه يوم التصويت ومتابعة هذه الحركة ساعة بساعة.. وآخر ما يفيد أي حزب في هذا المجال المؤتمرات الخطابية والمسيرات الانتخابية والتي يحضرها ويشارك فيها كثيرون ممن لا يذهبون للتصويت في الانتخابات أولا يمتلكون أصلا بطاقات انتخابية. لقد درس الحزب الوطني بدقة نتائج انتخابات 2000 2005 وأعاد بناء تنظيمه وأسلوب اختياره لمرشحيه ونمط الترشح في ضوء تلك النتائج. من ناحية أخرى لم تقم أغلب الأحزاب الأخرى بجهد مماثل وفي كثير من الأحيان جاء إعلان هذه الأحزاب لمرشحيها بشكل لا يأخذ في أعتباره حقائق الأوضاع الاجتماعية وتوزيع القوة التصويتية في الدوائر وترتب على ذلك أن الطموحات فاقت القدرات والفرص الموضوعية للفوز. والموضوع الثاني هو الظواهر المؤسفة التي رافقت سير عملية الانتخاب من استخدام العنف أو تسويد البطاقات أو إغلاق مقار بعض اللجان أمام أنصار المرشحين المنافسين وكلها أعمال ينبغي إدانتها ورفضها قانونا وأخلاقا لأنها تشوه من إرادة الناخبين.. ولكن ذلك القول لا يكفي فالمطلوب من اللجنة العليا في تقريرها النهائي عن الانتخابات أن تحدد أماكن الدوائر الستة عشر التي وقع فيها أعمال عنف وكذلك أسماء اللجان الانتخابية التي حدث فيها ما أدى باللجنة إلى إلغاء نتائج1053 صندوقا في الجولة الأولى وعدد آخر في الجولة الثانية وتحديد الحالات والأماكن التي منع فيها مندوبو بعض المرشحين أو مراقبين من المجتمع المدني من أداء عملهم حتى نتعرف على الأسباب التي أدت إلى حدوث ذلك. وهل هو جهل من جانب رئيس اللجنة المعنية أو تعنت وسوء نية وفي هذه الحالة على القانون أن يأخذ مجراه. ويبقى بعد ذلك أن نضع هذه الظواهر في حجمها الصحيح وعدم المبالغة في تقدير أهميتها بما يؤثر على الصورة العامة للانتخابات مثل القول بأن هذه الانتخابات هي أعنف انتخابات في الثلاثين عاما الأخيرة وهو زغم غير صحيح بالمرة. المطلوب أن نقيم ما حدث من تجاوزات دون تهويل أو تهوين. وهناك موضوع المشاركة التصويتية التي ارتفعت في الجولة الأولى إلى 35% من مجموع المسجلين في الجداول ثم انخفضت إلى 27% في الجولة الثانية. ومع الترحيب بأي زيادة في نسبة المشاركة فإن نسبة35% مازالت دون المأمول. ومازال تحدي توسيع دائرة المشاركة السياسية على جدول الأعمال. وعندما ننتقل من حديث ما فات إلى حديث المستقبل. فمن الضروري أن نهتم بموضوع أداء البرلمان في الدورة القادمة على ضوء التركيبة القائمة والسلوك المتوقع لنواب أحزاب المعارضة والمستقلين وكذلك سلوك الأغلبية البرلمانية. والأمر المؤكد هو أن ما نحتاج إليه هو برلمان قوي قادر على ممارسة مهام التشريع والرقابة والمتابعة للأداء الحكومي وممارسة الاختصاصات الجديدة التي أضافتها التعديلات الدستورية لمجلس الشعب. ومن الخطأ أن تتصور السلطة التنفيذية أن التعامل مع هذا المجلس سوف يكون نزهة جميلة فهؤلاء النواب من كل الأحزاب والمستقلين خاضوا انتخابات قوية ودخل أغلبهم جولة الإعادة. وهؤلاء النواب لديهم مسئولية تجاه دوائرهم وناخبيهم وهم ليسوا على استعداد للمخاطرة بشعبيتهم لأي سبب كان. والمعارضة ليست بعلو الصوت ولا بالإثارة الإعلامية فهذه مظاهر. أما الجوهر فهو نقد السياسات المتبعة أو نقد كيفية تنفيذها ومدى تحقيقها للأهداف المرجوة وطرح بدائل وبرامج أخرى. وباليقين فإن المتابعة والرقابة ليست حكرا على أحزاب المعارضة بل إن واجب الهيئة البرلمانية للحزب الوطني التأكد من أن مشروعات القوانين المقدمة من الحكومة تتفق مع سياسات الحزب وأن البرامج التنفيذية في مجالات السياسات العامة تحقق أهداف البرنامج الرئاسي وبرنامج الحزب وإذا ما خرجت هذه البرامج والخطط عن مسارها الصحيح في التنفيذ أصبح من واجب الأغلبية أن تنبه وأن توضح وأن تصحح. ومن المهم أيضا أن تهتم الأحزاب بتنظيم أوضاعها من الداخل وإعطاء دور أكبر للعمل التنظيمي إضافة إلى العمل الإعلامي والصحفي الذي ما زال الهم الشاغل لعدد منها. من المهم كذلك دراسة المشاكل التي ظهرت في انتخابات 2010 والوصول إلى حلول قانونية لها. مشاكل مثل الجدل حول الجهة التي تمنح التصاريح لمندوبي المرشحين لدخول اللجان وتحديد ذلك في تشريع واضح. ومثل تقييم الدور الذي قام به مندوبو هيئات المجتمع المدني وماذا تحقق وكيف نزيد من فعالية دورهم في الانتخابات القادمة. ومثل معايير اختيار رؤساء وأعضاء اللجان الإدارية في لجان التصويت, وضرورة تدريب رؤساء اللجان والذين وصل عددهم إلى 44 ألفا على مهامهم ومسئولياتهم. ومثل دور اللجنة العليا للانتخابات وإعادة النظر في كيفية إدارتها لعملها ولسلطاتها بحيث يكون لها مثلا وجود دائم في شكل أمانة فنية حيث أن بعض وظائفها ذات طبيعة مستمرة مثل نشر الوعي بأهمية الانتخابات بين المواطنين أو ربما لاعطائها سلطات أكبر تجاه المرشحين الذين يثبت مخالفتهم لقواعد العملية الانتخابية وغير ذلك من أمور كشفت عنها خبرة الانتخابات الماضية. والدروس كثيرة وعديدة ويمكن أن يختلف حولها أصحاب الآراء المتنوعة وهذا أمر طبيعي ولكن لابد من الاتفاق على أن إحدى أهم دلالات تلك الانتخابات هي تأكيد الطابع المدني للدولة المصرية وتصميم الحزب الوطني بشكل واضح على مستوى القول والفعل على إنهاء توظيف الدين لأغراض سياسية. نقلاً عن صحيفة الأهرام المصرية