تحرير و ترجمة : خالد مجد الدين الحرب الباردة الدائرة منذ عدة اشهر بين روسياوأمريكا في اعقاب ازمة اوكرانيا ، مازالت تراوح مكانها ، بعد ان اقتضمت روسيا شبه جزيرة القرم و بسطت سيطرتها رسميا على اراضيها ، بينما الغرب استكان و فضل فرض حزم متدرجة من العقوبات الاقتصادية، التي لم تأت بتغييرات على الأرض في اوكرانيا. و لكن مع بدء حلول فصل الشتاء ، يبرز عامل جديد فى المواجهه الباردة القائمة بين روسيا و الغرب بقيادة واشنطن ، حيث تنتظر روسيا قدوم الشتاء، حينئذا لن يكون امام اوكرانيا مصدر للبقاء على قيد الحياة في الشتاء القارص ، إلا الغاز الروسي، فتسقط اوكرانيا في حِجر روسيا. و بالطبع أمريكا تدرك خطورة الشتاء ولذلك تحاول خلخلة الموقف قبل الشتاء ، لذا نشبت حرب النفط الضروس الدائرة بين روسيا و امريكا و عمت سماتها بقية اجزاء العالم الان . اسعار النفط تصل لمستوى 80 دولارا ففي أقل من شهر هوى سعر برميل النفط من 117 دولار إلى نحو 80 دولارا ، مكلفاً روسيا خسارة سنوية تقديرية قد تصل الى 100 مليار دولار ، فضلا عن الخسائر الجسيمة التى لحقت بالمملكة العربية السعودية و اشقائها من كبار منتجى النفط فى الشرق الاوسط حيث انخفضت أسعار النفط بشكل حاد فى 14 اكتوبر مع العقود الآجلة للنفط الخام بنسبة 4.6 في المئة الى 81.84 دولار للبرميل – و هو أكبر انخفاض خلال أكثر من عامين- وانخفض خام برنت بأكثر من 4 دولارات للبرميل، ليصل الى ما دون 85 دولار للمرة الأولى منذ عام 2010. و على الرغم من الانخفاض الكبير نسبيا فى اسعار النفط ، الا انه سبقه منذ عدة اشهر علامات تقود الى هذا الطريق ، وتشمل العوامل وراء تراجع الاسعار الحالية : ضعف الطلب، وفرة المعروض من النفط ، مع حقيقة أن العديد من كبار المنتجين في الشرق الأوسط يترددون في خفض انتاجهم. و بتتبع المؤشر العالمي للنفط الخام" برنت " ، نجد انه انخفض فى 2 اكتوبر لنحو 92 دولارا للبرميل قبل أن ينتعش لإنهاء اليوم عند نحو 94 دولارا للبرميل، وهو أدنى مستوى سعر له منذ منتصف عام 2012. تلى هذا اليوم موجه بيع كبيرة تسببت فى تحقيق أشد الانخفاضات بالاسعار في السنوات الأخيرة، و ليتقلص سعر النفط نحو 16 في المئة . و على الرغم من انه كان سابق لأوانه توقع أسعار النفط الدولية المستمرة فى الانخفاض أقل من حد 90 دولارا للبرميل، الا ان مثل ذهه الاسعار مما لاشك فيه كانت مؤلمة للعديد من الدول المصدرة بعد وضع ارقام موازنتها العامة استنادا على على توقعات الأسعار السابقة الخاصة بمستقل صادراتها النفطية . زيادة معدلات انتاج النفط الدولية يخلق ازمة "وفرة" ببساطة ، ماحدث فى سوق النفط هو " تكدس " ووفرة بالمعروض ، بعد أن اصبح هناك زيادة بالانتاج المعتاد تقدر بنحو 200.000 برميل يوميا، و السبب وراء هذا ، يرجع الى ان ليبيا شهد إنتاجها قفزة بنحو 700.000 برميل يوميا منذ منتصف يونيوالماضى، كذلك واصلت الولايات المتحدة توسعها الذي لم يتوقف فى إنتاج النفط ، وتشير أحدث أرقام وكالة معلومات الطاقة الدولية الى ان إنتاج الولايات المتحدة قد ازداد بحوالي 300.000 برميل يوميا منذ بداية شهر اغسطس ، كما شهد العراق زيادة مماثلة ، و قامت ايضا روسيا وأنجولا ونيجيريا بتعزيز ملحوظ في إنتاجهم اليومى . وعلى الرغم من هذه الزيادات الجديرة بالملاحظة في إنتاج و تصدير النفط ، كان هناك ركود على الطلب في أوروبا وآسيا (وخاصة فى الصين) و هم اكثر المستهلكين و الاهم فى تحديد أسعار النفط . كذلك و في حين استمر الطلب في الصين و ان كان اقل من المعتاد الا ان الطلب في البلدان المتقدمة ظل ثابتا على معدله . كل هذه العوامل إضافة إلى القلق تسببت فى انخفاض أسعار النفط العالمية ، و هذا الانخفاض سوف يخلق تحديات للعديد من منتجي أوبك وغيرها، وخاصة روسيا. و في حين اقترح البعض أن أوبك ستخفض سقف الإنتاج لاستعادة قوة النفط فى السوق ، الا ان المنظمة قد لا يكون لديها القدرة أو الوحدة لتنسيق انخفاض كبير بما فيه الكفاية في الإنتاج لمواجهة العرض المتزايد من اطراف مصدرة في أماكن أخرى ، و بالتالى جلب الأسعار إلى مستوى أكثر من المرغوب فيه (و هو ما فوق 100 دولار للبرميل). و وفقا لهذا يرى الخبراء ان أسعار النفط اذا ما قدر لها ان تعود الى هذا المستوى في المستقبل القريب، فإنه من المرجح بأنه لن يكون هناك علاقة لذلك مع اى تحركات لأوبك. المواجهة بين روسيا والغرب النتيجة الأولى واالاهم فى انخفاض أسعار النفط هو الأثر الذي سوف يضيفه هذا ، على الصراع الدائر بين روسيا والغرب. و يبرز هذا من حقيقة ان " سلع الطاقة " تهيمن على الاقتصاد الروسي، وخاصة صادراتها. لذا فإن أي انخفاض مستمر في أسعار النفط يؤثر مباشرة على عائدات التصدير في البلاد، وبالتالى سيتعرض الناتج المحلي الإجمالي لروسيا لضربة كبيرة مما يؤدى لعجز كبير بالموازنة. وحيث استند الكرملين فى ميزانية 2014 على أسعار النفط بمعدل 117 دولار للبرميل الواحد لمعظم العام، استثناء تحديد 90 دولارا للبرميل في الربع الرابع. بينما فى عام 2015، قدرت الميزانية عند 100 دولارا للبرميل بعد الكثير من النقاش داخل القيادة الروسية. وبينما حققت موسكو احتياطيات مالية كبيرة، ويمكن أن تتحمل خزنتها العجز في الموازنة إذا لزم الأمر، قدر مسؤولون في وزارة المالية الروسية ، أن انخفاض أسعار النفط يمكن أن يخفض 2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في روسيا. وعلى الرغم من أن قدرة روسيا على تجاوز آثار العقوبات الأمريكية والاتحاد الأوروبي حتى الآن ، الا ان القيود أدت بالفعل لجعل بعض الشركات، مثل شركة روسنفت Rosneft- واحدة من كبرى الشركات العاملة فى مجال النفط و تصديره- لطلب مساعدة مالية من صندوق الثروة الوطنية في البلاد. لذلك فان انخفاض أسعار النفط، سيؤدى لانخفاض الإيرادات بالميزانية الروسية، و هو ما سيقيد قدرة الكرملين على دعم الشركات الروسية المتضررة من العقوبات الغربية طالما كانت قائمة . ومع عدم وجود مايكفى من اموال لتخفيف العقوبات وعواقبها على المدى الطويل، فإن الكرملين سيضر الى تغيير مواقفه و الاعتدال في المفاوضات الجارية حول مستقبل أوكرانيا لتلبية مطالب الشركاء الغربيين وتحقيق تخفيض في العقوبات. المنافسة فى الشرق الاوسط تقلل احتمالبة ضبط الاسعار على المستوى الجيو سياسى ، نجد ان انخفاض اسعار النفط يخدم الغرب على عدة مستويات ، ففى الوقت الذى يحاول الغرب فيه الاستفادة من انخفاض أسعار النفط في صراعه مع روسيا، نجده أيضا يبحث عن فرصة للتفاوض مع طهران المحاصرة للتوصل إلى نوع من التسوية بشأن البرنامج النووي الإيراني. فايران واحتياطياتها الكبيرة من الغاز الطبيعي بالنسبة لاوربا تمثل أحد البدائل الواعدة على المدى الطويل للغاز الطبيعي الروسي. وطهران تواجه الان عقوبات بشان حجم الصادرات، وتحقق هوامش ربح أقل وزيادة فى النفقات الجارية بسبب الصراعات بالوكالة في سوريا والعراق، ولن تتحمل التراجع المتواصل في أسعار النفط العالمية. و الان مازال التقدم في اتجاه التوصل إلى اتفاق مع الغرب بطيئا، وهو الامر الذى سيتطلب المزيد من الضغوط على طهران لتسريع التفاوض. و المملكة العربية السعودية أيضا ستحاول الحفاظ على حصتها في السوق العالمية ، ولديها فرصة في المدى القصير إلى الاعتماد على حصة كبيرة لديها من احتياطيات النقد الأجنبي ، وخفض الإنتاج فى انتظار موقف بقية المنتجين العالميين الآخرين سيكون له تكلفة بالنسبة لها . وانتاج النفط بالنسبة للسعودية يمثل كل مواردها الاستراتيجي، و على الحكومة لاستخدامه لصالحها ، لذا فمع بدء انخفاض درجات حرارة الصيف وانخفاض الاستهلاك الإقليمي سيمكن الرياض من توفير كميات أكبر للتصدير، حتى و لو بأسعار أقل. و فى ظل رغبة السعوديون أيضا فى الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي على المدى القصير، دون النظر لمصالح منافسيها مثل روسيا- خاصة وأنها وضعت نفسها فى مربع قبالة إيران ، حول مستقبل النظام السوري – لذا فالمملكة العربية السعودية لديها القدرة على طرح عدد كبير من براميل النفط اذا كان يريد. و مع تخفيضات الاسعار في الآونة الأخيرة، نجد ان المملكة العربية السعودية طرحت مزيد من نفطها الخام لتأمين حصتها في السوق لشهر نوفمبر، وربما يشير هذا لأعضاء أوبك الآخرين ، ان الرياض قد تكون على استعداد لاتخاذ اى قرار بشان تخفيض امداداتها حاليا ، و هو ما قد يضطر البعض الآخر إلى أن يحذو حذوها. . وليس هناك أي حافز للبلدان الأخرى للحد من إنتاجها، لأن معظم المنتجين في الخليج لا يزالوا يديرون امورهم على اساس تحقيق الربح بمتوسط مابين 90- 100 دولار للبرميل . وخفض مستويات الإنتاج، بالتالي، من شأنه أن يقلل العائدات. منتجى النفط خارج الشرق الاوسط بخصوص الأمريكتين ، ودول ما خارج منطقة الشرق الأوسط، فإن انخفاض أسعار النفط تؤثر أيضا على فنزويلا ، لكنها رسميا، تضع ميزانيتها على سقف منخفض لاسعار النفط مقدرا بنحو 60 دولارا للبرميل الواحد ،و هى سياسة بدأها الرئيس السابق هوجو شافيز ، الذى كان يستخدم فائض الايرادات و فروق الاسعار في أماكن أخرى لنفقات خارج الميزانية لتلبية مطالبه و احتياجاته السياسية. لكن ، فنزويلا ، الان في وضع مالي مزري، و تحتاج أسعار النفط ربما بما يصل إلى 110 دولارا للبرميل لتتمكن من تغطية النفقات ،و انخفاض أسعار النفط المستمرة من شأنه أن يعيق بشدة قدرة "كراكاس" على تمويل وارداتها، وربما إجبار المسؤولين الحكوميين على نهج الجدية فى بيع حصصهم بالأصول الأجنبية، كما فى شركة تجارة النفط الامريكية "سيتجو Citgo"، او بيع احتياطيات البنك المركزي من الذهب ، أو تقديم شروط جاذبة للقروض مقابل صفقات النفط مع الصينيين، على الرغم من ان بكين رفضت مؤخرا هذا. .لذا إذا بقيت أسعار النفط منخفضة لفترة طويلة، فان "كراكاس" قد تضطر ايضا إلى إعادة النظر في صفقاتها مع كوبا بشان النفط .