ذهبت إلي حفل التوقيع في معرض الكتاب، كان الناشر قد رصَّ كتابي علي هيئة برج قصير حلزوني. جلستُ إلي منضدة التوقيع أنتظر، تباطأ الوقت ولم يحضر أحد، هلَّ زميل كتابة بعد طول انتظار، صافحني بكرم بالغ معتذراً في صمت عن جدب حفل التوقيع، وقال ملطفاً: هي الحفلات دي كده المهم فيها الأخبار اللي بتنشر عنها. زميلي قرر أن يشتري نسخةً من الكتاب رغم أنني أهديته نسخة فور إصداره. أخرج مائة جنيه ومد يده بها للناشر، نظر إليه بحيرة: مافيش فكة؟ قال: لا. كنت أتمني لو أن معي فكة فحفل التوقيع ستتم ولو بقارئ واحد. أرسل الناشر عاملاً للبحث عن فكة، كنت موقنا بيأس أنه لن يجد أي فكة وأن العملية ستفشل. كان البرج الحلزوني أمامي، وزميلي يردد خجلاً من الموقف: أنت عارف أن نجيب محفوظ كان بيوزع من أي رواية ثلاث آلاف نسخة في خمس سنوات. أومأت برأسي رغم الحجر الذي يسد حلقي. كان روادالدار يشترون أي كتاب آخر غير كتابي، يأتون ويسألون بالاسم عن كتاب كذا أو كتب المؤلف فلان وبعض العناوين المصنفة ضمن الأفضل مبيعاً. فتاة ترتدي بنطلون جينز ضيقًا وبلوزة قصيرة سألتني عن ديوان لفاروق جويدة، قلت لها لا يوجد هنا أي كتب لفاروق جويدة. امتدت يدها عفويا إلي البرج وأمسكت نسخة من كتابي ثم سألتني ببراءة: ده شعر؟ قلت: لا قصص، قالت: أنا عايزة شعر، نظر إليها الناشر قائلاً: ده الكاتب فلان. قالت: والله؟ كانت تظنني موظفاً في الدار. قال الناشر: والكتاب ده هدية، وأومأ لي أن أوقع. كان الناشر يضرب عدة عصافير بحجر واحد، يغازل الفتاة ويلقي في روعي أن كتبي لا شيء ما لم يتدخل هو وينقذ الأمر من الانهيار التام، وأخيراً يروج للكتاب. أمسكت الكتاب ورحت أبحث عن قلم لأوقع، لا يوجد معي قلم، نظرت للفتاة مستنجداً، لكني تجاوزتها سريعاً إلي الناشر، نادي علي موظفة من الداخل أحضرت قلماً فكتبت «أرجو أن يعجبك هذا الكتاب» ثم كتبت اسمي ومددت يدي بالنسخة للفتاة. تأملت الإهداء ثم أعادت النسخة إليَّ. أصابني الرعب هل كتابي مرفوض لهذه الدرجة؟ للحظة اهتز إيماني بحتمية وجود قارئ حتي لأشد النصوص بؤساً. أخذ منها الناشر الكتاب ونظر في الإهداء وقال موجهاً كلامه لها: ده مجرد سهو وناولني الكتاب قائلاً: ناقص نون.. أي نون هذه؟ قرأت الإهداء كان «أرجو أيعجبك هذا الكتاب» لقد تحول التوكيد إلي سؤال أيعجبك هذا الكتاب؟ أهي النون الناقصة التي كشفت مكنون نفسي أم هو الخطأ في الإملاء؟ لم يكن هناك أي مكان لوضع النون دون تشويه، حرت قليلاً وأنا أتأمل النون الناقصة والإعلان الضخم في الدار المواجهة عن كتاب في سبعة أجزاء «نهاية العالم: أشراط الساعة الصغري والكبري مع صور وخرائط وتوضيحات». كان الناشر منهمكاً في الإشراف علي جمع حصيلة البيع لتوريدها للمطبعة التي تهدد بالشيكات، وكنت حائراً في وضع النون الناقصة، ونهاية العالم التي لم تحل حتي الآن، يد زميلي أنقذتني من تأملاتي السوداوية، لقد جاءت الفكة واشتري الكتاب فعلاً وسلمه لي لأوقعه، ملتُ إلي سهولة عمل توقيع جديد مقارنة بإصلاح توقيع قديم، كتبت لزميلي «أرجو أن يعجبك هذا الكتاب» تأكدت من وجود النون ثم أغلقت القوس ثم عن لي أن أفتح قوساً جديداً وأضع فيه حرف النون فقط بين قوسين كبيرين ليظهر هكذا (ن) وسلمت زميلي الكتاب ثم سلمت الفتاة نسختها دون أي تعديل وأنا أقول: النون بتاعتك عند الأستاذ، وأشرت إلي زميلي. لوهلة صمت الجميع بمن فيهم الناشر ثم انخرطوا في الضحك.