الغريب والعجيب أن من سيصوتون على مشروع الدستور بنعم لا ينكرون أن به مشاكل عديدة بل ويرى بعضهم أن المواد التي تتعلق بالمواطن العادي "الغلبان اللي ملوش في السياسة" ليست كما ينبغي أن تكون، ويتفقون معك تماما أن المواد المتعلقة بالرعاية الصحية والتعليم وحقوق الأطفال بل وحتى التزامات الحكومة العامة تجاه المواطن العادي غير وافية وكافية مقارنة بدساتير الدول المحترمة.....(هذا بعيدا عما يشوبه من عيوب تتعلق بسلطات الرئيس الذين يحاولون ايهامنا بأنها قد تقلصت وغيرها من العيوب السياسية الأخرى والمؤسسية التي قد لا يهتم بها المواطن الذي لا يبحث إلا عن أكل العيش) فإذا ما سالت هذا المواطن العادي الذي لا يبحث إلا عن أكل العيش "طيب لما هي المواد دي مش ولا بد ليه هتقول نعم؟) سيجيبك إما لأنه باحث عن الاستقرار، أو من أجل الشريعة، أو نكاية في العلمانيين الكفرة الذين يحاربون الدين. يالنا من مساكين، أنت يامن أوهموك بأن الشريعة هي أزمة الدستور مسكين حقا، وأنا يا من جعلوني في حالة دائمة من الدفاع عن نفسي وعن حبي لشريعتي لرفضي للدستور مسكينة أيضا. كم أنت مسكين يا من تتنازل عن أن حقوقك العادية الطبيعية في العقد الذي يربط بينك وبين الدولة بحثا عن استقرار وهمي، أو محاولا الانتصار في معركة الشريعة المفتعلة، أو نكاية في شركاء وطن يتهمونهم بالكفر وهم ليسوا بالكفرة ولا يريدون لهذا البلد ولأهله إلا كل خير شأنهم في ذلك شأن الكثيرين. وكم أنا مسكينة لأنني أمام تلك الأمور الثلاثة أجد نفسي دائما أدور في حلقة مفرغة عبثية لا مخرج لي فيها.
وكم تجد صعوبة بالغة في فهم المنطق الكامن خلف قبول أحدهم عقد شراكة طويل الأمد لا لسبب سوى للأنه "كويس ومش بطال" وهل على ذلك الأساس تبرم العقود؟ هل هناك منطق في التوقيع على عقد شراكة أو عمل لا يضمن لي حقوقي ويحدد مسؤلياتي ومسؤليات شركائي على النحو الذي يرضينا جميعا ودون إجحاف على أحد ولا مغالبة من أحد؟
وكم تجد صعوبة في الوصول إلى أرض مشتركة مع أشخاص "يستكترون" على أنفسهم دستور محترم في سبيل الحفاظ على استقرار "الرئيس" الذين ربطوا بين الموافقة على الدستور باستقراره هو والشريعة وبين رفض الدستور برفض الرئيس والشريعة، بالله عليكم في شرع من هذا؟
"أنا هقول لأ" ليس نكاية في رئيس وعد وأخلف ويصر تمام الإصرار على تمرير دستور غير متفق عليه "ولو بالدم" بدعوى الإستقرار وحجة المؤامرة ، وليس لأنني استمعت تفصيلا من المتخصصين على مايشوبه من عيوب بشهادة نائب الرئيس بنفسه وأرى أنني أستحق كمواطن مصري حر أن أحظى وأن يحظى أبنائي من بعدي بدستور فوق المحترم، وليس لأننني ضد الشريعة (كفاية بقى فلقتونا من النغمة دي) - ولكن لأنني أشعر بمسؤلية تجاه من نزلوا إلى ميدان التحرير، خاصة غير المسيسين، وبذلوا دمهم حتى يتغير هذا البلد إلى بلد محترم وأول وأهم خطوة في سبيل هذا الهدف المحترم يتمثل في دستور محترم وليس دستور "مش بطال". يا من ستذهب إل الصندوق عليك أن تعلم أنك ستذهب لتوقع على عقد بينك وبين من يديرون هذا البلد من هيئات ومؤسسات، عقد يحدد مالك من حقوق وماعليك من واجبات، عقد يحدد صلاحياتهم وسلطانهم عليك وعلى موارد البلد ومصيرها، لا تتنازل عن حقك لأن هذا من حقك.
سأقول لا لأنني أرغب في الاستقرار الحقيقي الذي لن يتحقق إلا حين يطمئن الجميع على اختلافهم أن لهم مكان في هذا البلد، حين يشعر المواطن أيا كان انتماءه السياسي أو معتقده أو شكله أو ايديوليجيته أن له حق فيها، طالما يحمل الجنسية المصريه ولا يفرض اختلافه على الآخرين، سأقول لا لآنني أرى أننا إذا استمرينا على مانحن فيه سيتغير عما قريب المثل الشهير "ليه انت فاكرني هندي؟" إلى "ليه أنت فاكرني مصري؟" ....لقد نجحت الهند بكل ما تحمله من تعددية ثقافية ودينية وأيديولوجية إلى احتضان واحتواء كل من فيها ونبذ كل الخلافات الشكلية التكفيرية والتصنيفية الساذجة التي نغرق فيها الآن إلى شوشتنا لتصبح رائدة في مجال صناعة تكنولوجيا المعلومات وتتمتع باقتصاد يجعل لها مكانة وقوة عالمية، أليس لكم في الهند عبرة يا أولوا الألباب؟ الهند ياناس!!!!
وهنا أود أن أختتم مقالي ببيت ساخر كنت قد كتبته في موقعة الصناديق الأولى التي خرجت علينا هي الأخرى تحت دعوى الشريعة والإستقرار:
يا من كنت من الأخيار....ستصيح بصوت جبار...يحى يحى الإستقرار...يحى يحى الإستحمار!!!