اجتهد البعض داخل الجماعة الوطنية في البحث عن صياغة دقيقة منضبطة ومؤثرة لنص تفويض الدكتور محمد البرادعي لتغيير الدستور. حسنًا، هذا جهد مشكور ولكن قبل الاتفاق علي صياغة التفويض، ألا يمكن السؤال هنا: وماذا سنفعل بالتفويض؟ سأتجاوز عن سؤال أكثر بداهة وهو: ما حاجة الدكتور البرادعي للتفويض؟! فلعل البعض يعتقد أن الحصول علي تفويضات من عدد واسع من المواطنين يمثل ثقلاً معنويًا وقوة ضامنة للدكتور البرادعي حين يطالب بإصلاح سياسي، ورغم أن البرادعي رمي هذا الحجر الهائل والضخم في الحياة السياسية وفعل في أسبوع واحد أقامه في القاهرة ما لم تفعله أحزاب مقيمة علي قلب الناس منذ سنوات، وجمع حوله وتجمع في محيطه ممثلو تيارات وطنية وجماعات سياسية وأجيال مختلفة، وظهرت عشرات الآلاف من الجماهير تشترك في حركته وترفع صوتها ويدها للتضامن معه وهذا تفويض واضح، فإننا نجد الدكتور البرادعي والجمعية التي شكلها تدعو لجمع تفويضات، إن جمع تفويضات يعني تأكيد ما هو مؤكد وإثبات ما هو مثبت من حيث إن الدكتور البرادعي في دعوته للإصلاح وفي حركته للمطالبة بتغيير الدستور إنما يعبر عن ملايين المصريين فما الحاجة إلي تفويضات إذن؟! ومع ذلك ولنفترض أنه حصل علي تفويضات من المواطنين (طبعًا هناك طموح لدي البعض في جمع مليون توقيع ويرفع البعض الرقم المستهدف إلي خمسة ملايين) وبصرف النظر عن العدد فهذه الاقتراحات لا تضع مدي زمنيًا لجمع التفويضات وهي بالأرقام الطموحة هذه قد تستغرق بنا شهورًا طويلة في أقصي تقديرات التفاؤل وساعتها سيكون الهم والهدف هو جمع تفويضات بينما التقويضات مستمرة في الوطن ويصبح التفويض هدفًا بعدما كان الإصلاح والتغيير هو الهدف. ومع ذلك نمشي مع الاقتراح للنهاية (التي تبدو بعيدة) وافرض أن الدكتور محمد البرادعي حصل إذن علي مليون توقيع علي تفويض (رائع ورائق الصيغة) ماذا سيفعل بهذه التفويضات إذن؟ أين سيذهب بها؟ ولمن سيتحدث باسم مليون تفويض؟ هل سيذهب للرئيس مبارك (بعد عودته بسلامة الله من العملية الجراحية)؟ لا الرئيس سيقابله ولا الدكتور البرادعي يريد أن يقابله، ثم ولنفترض أنهما تقابلا وسيقول له الدكتور البرادعي إن معي تفويضًا من مليون مصري عايزين نغير الدستور، ماذا ستتوقع من الرئيس أن يجيب ساعتها؟ هل سيقبل فورًا ويرق قلبه ويقتنع عقله ويستجيب فؤاده لمليون تفويض، هذا رجل يعتقد مؤمنًا أن الثمانين مليون مصري يعشقونه ويدينون له بالولاء ويبايعونه بالروح والدم ولو تركهم واعتزل الرئاسة ربما سيهاجرون من البلد حزنًا؟ فهل يستجيب لمطلب مليون تفويض؟! والنبي لو عشرين مليونًا! مرة أخري إلي أين يذهب الدكتور البرادعي بالتفويضات؟ إن توكيلات الشعب المصري لسعد زغلول كانت لسعد ولستة معه لتشكيل وفد للسفر إلي مؤتمر الصلح بباريس لطرح المسألة المصرية علي أعضاء المؤتمر من رؤساء العالم، إذن كانت هناك مهمة محددة وموجهة للعالم الخارجي، هنا في حالتنا الراهنة ماذا سيفعل البرادعي بالتفويضات؟ لماذا أشعر أن هناك رغبة عند فريق وطني مخلص في إهدار الطاقة والجهد والوقت؟ عن نفسي أنا أؤيد الدكتور البرادعي بقوة وأدعمه بشدة لدرجة أنني لن أوقع له تفويضًا لأنني لا أريد أن أضيع وقته ووقتي... كما أنه لا يحتاج تفويضًا.. هو يحتاج تصويتًا!