صباح أول من أمس اتصل بى فنان الديكور الكبير أنسى أبو سيف، قائلًا إنه قبل أن يقرأ عمودى، الذى طالبته فيه برفض الحصول على جائزة تكريمه فى حفل ختام مهرجان القاهرة من يد الوزير الملوثة بتأييد مسوّدة الدستور، كان قد استقر على رفض الحصول على جائزة التكريم، قلت له القلوب والعقول عند بعضها. صباح أمس أصدرت نقابة السينمائيين بيانًا أشادت فيه بموقف أنسى وطالبت كل الفنانين المشاركين فى حفل ختام المهرجان باتخاذ موقف معلن مماثل. من المؤكد أن مساء غد فى حفل ختام مهرجان القاهرة السينمائى الدولى سوف تتوالى المفاجآت السياسية، فلا أتصور أن هناك مَن يترقّب الجوائز، ولكن الكل ينتظر موقف الفنانين فى مواجهة وزير ثقافة يبيعهم من أجل أن يستمر بقاؤه على كرسى الوزارة.
كل النقابات الفنية واتحاد الكتاب وجبهة الدفاع عن حرية الإبداع وغيرها ترفض الإعلان الدستورى وتتصدى لمحاولة الرئيس فى الاستحواذ بيده على صلاحيات مطلقة، نتابع كل ذلك وفى نفس الوقت نتابع وزير الثقافة وهو يقف متحديًا جموع الفنانين مؤيدًا لمرسى، فلقد حرص على أن يذهب إلى قاعة المؤتمرات قبل بضعة أيام للاحتفال بتدشين مسوّدة الدستور، مصفقًا ومهللًا وراقصًا على إيقاع مرسى، كما أنه أصدر قرارًا بطباعة مشروع الدستور فى كتيبات لتوزيعه والترويج له.
المفروض أن وزير الثقافة يعبر عن المثقفين فهو صوتهم الرسمى عند الدولة، فكيف يقف إذن على الجانب الآخر من قناعاتهم وكيف يقبلون أن يشيدوا به وبأياديه البيضاء على المهرجان فى حفل الختام.
ضيوف مهرجان السينما كانوا يذهبون يوميًّا إلى ميدان التحرير، والمفروض طبقًا لما أعلنته قيادات المهرجان أن قلوبهم مع التحرير رافضين أن يصبحوا من دراويش الإخوان، فكيف يصبح صابر هو وزيرهم، الذى يصفقون له فى حفل الختام. العاملون فى المهرجان من الهيئة المنظمة، بداية من رئيس المهرجان عزت أبو عوف، يقولون إنهم يقيمون مهرجانًا ثقافيًّا ولا دخل لهم بالسياسة، ولهذا ليس دورهم أن يعترضوا على الوزير، ولكنهم يعلنون رأيهم الرافض قرارات مرسى خارج أسوار المهرجان.
لست أدرى كيف تغفل قيادة المهرجان أنهم بصدد حدث ثقافى، نعم، ولكنه فى نفس الوقت لا يمكن أن ينعزل عن الحياة السياسية. فى تلك اللحظات الحاسمة لا يمكن أن يتم وضع خط فاصل بين الثقافى والسياسى، بل إن وزارة الثقافة عندما أرادت أن تعيد المهرجان مرة أخرى إلى إشرافها المباشر لتمتلك هى كل الخيوط كانت تسعى لكى تحيله إلى مهرجان بمذاق إخوانى فى كل تفاصيله، واختيار عزت أبو عوف ليس عشوائيًّا ولكن لأنه فى نهاية الأمر رجل يطبق التعليمات التى سوف تمليها عليه الدولة، هكذا كان فى عهد مبارك مع وزير الثقافة الأسبق فاروق حسنى، على مدى أربع سنوات متتالية، وهذا هو ما دفع صابر إلى منحه سنة خامسة، فهم واثقون أنه لن يخيب ظنّهم.
أنسى أبو سيف، أعلن موقفه المباشر وبلا مواربة، فهل تقبل نيللى ولبلبة أن تحصلا على التكريم من صابر. الحقيقة أن الأمر لا يتعلق فقط بالمكرّمين، ولكن كل الفنانين المشاركين فى لجان التحكيم وكذلك الفائزين، خصوصًا من المصريين، عليهم أن يعلنوا رأيهم الرافض بأن يصافحوا هذا الوزير الذى فقد مشروعيته عندما انتقل إلى الجبهة التى تسعى إلى تكبيل حرية الوطن.
هل تغيّر المثقفون والفنانون بعد زمن مبارك؟ هل أضافت الثورة لهم شيئًا من القدرة على المواجهة ورفض الإذعان المطلق للسلطة؟ لا أعتقد أن الأمر يختلف كثيرًا عما عايشناه قبل 25 يناير، سيظل لدينا المثقف التابع للسلطة والفنان الذى لا تتجاوز طموحاته مصالحه الشخصية، لقد كان ما يدفعهم إلى تأييد مبارك هو رغبتهم فى الحفاظ على مكاسبهم الأدبية والمادية التى حققوها تحت مظلته.
لا أعتقد أن المثقفين الذين اكتشفوا من ممارسات الوزير كل هذا الانحياز إلى دولة الإخوان بحاجة إلى دلائل أخرى لاتخاذ موقف حاد ومباشر ومعلن ضد وزير يتاجر بتأييدهم وبتصفيقهم، هذه لحظة لا تحتمل الحياد.
هل نشهد مساء غد فى حفل الختام فنانى مصر وهم يدافعون عن مدنية مصر ضد الرئيس وظله الوزير؟ أظن وأتمنى أن لا يخيب ظنى.