لأسباب مجهولة، فإن شيئاً يدعي «مصدراً أمنياً» انتقي صحيفة يومية خاصة واصطفاها دون سواها من الصحف ووسائل الإعلام (بما فيها الحكومية) بتصريح نفي فيه جنابه خبر تعرض طبيب سنورس الشاب طه محمد عبد التواب لتعذيب بشع في مقر مباحث أمن الدولة بالفيوم عقاباً له علي نشاطه ومشاركته في حملة الدكتور محمد البرادعي، ونسبت الصحيفة للأخ «المصدر» المذكور (علي مدي يومين متتاليين) النص الآتي: «حقيقة الواقعة أن الطبيب هو أحد العناصر التنظيمية في جماعة الإخوان المسلمين، وله نشاط ويلقي خطباً في مسجد بمدينة سنورس في (محافظة) الفيوم، لذلك تم استدعاؤه أمنياً للتنبيه عليه بالتركيز فقط علي الدعوة والوعظ، وعدم ممارسة أنشطة بين الشباب تروج للجماعة المحظورة...»، وأضاف المصدر «أن الطبيب تمت معاملته بطريقة لائقة، ولم يتعرض لإهانات أو تعذيب (أما) إضرابه عن الطعام فلأنه يسعي للحصول علي أجازة دون راتب من عمله الطبي..»!! انتهي النص الذي تركتنا الصحيفة ومصدرها الأمني نفهم منه أربعة معطيات وحقائق هي: أولا: أن الدكتور طه ليس إنساناً من مواطني هذا البلد يجب احترام آدميته وصون كرامته وعدم العدوان علي حريته، لكنه مجرد «عنصر» من العناصر التنظيمية لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة، والأدهي من ذلك أن «له نشاطاً» أيضاً!! ثانيا: ولأنه كذلك، أي «عنصر» و«تنظيمي» و«إخواني محظور»، بل «له نشاط»، فإن ضربه وتعذيبه وبهدلته، قد يكون أمراً واجباً وجائزاً شرعاً!! ثالثاً: ومع هذا، ورغم الحقائق الساطعة التي تقطع بأن الطبيب الشاب هو في الأصل «عنصر تنظيمي إخواني محظور وله نشاط»، فإن مباحث أمن الدولة من فرط رقتها وحسن أدبها وتربيتها لم تعذبه ولم تهنه، وإنما فقط عملت له حتة «استدعاء أمني» صغنطوطة قد كده، ثم استغلت هذه الفرصة السعيدة وقامت مشكورة بتعريضه لجرعة «تنبيه» قوية لكنها «لائقة» ومدروسة ومحسوبة بدقة لكي تناسب حالته «العنصرية» المتأخرة، وقد تضمن هذا «التنبيه» ضرورة أن «يركز» العنصر المذكور علي «الدعوة والوعظ» فحسب ولا يتحدث في السياسة التي هي محظورة وممنوعة علي أمثاله من «العناصر»!! رابعاً: غير أن الطبيب العنصر وبسبب تعنصره التنظيمي الشديد ما أن خرج إلي نور الدنيا وعاد من رحلة «الاستدعاء الأمني التنبيهي» الممتعة تلك، حتي فاجأ ملائكة الرحمة في مباحث أمن الدولة بإنكاره نعمة «المعاملة اللائقة» التي عاملوه بها طوال الليل، وادعي كذباً أنه مضرب عن الطعام حتي الموت احتجاجاً علي تعذيبه وإهدار كرامته، بينما الحقيقة أنه ما أقدم علي هذا الإضراب إلا لكي يأخذ أجازة بدون راتب من «عمله الطبي».. ربما ليعمل «مريضاً» براتب مغرٍ جداً!!