«كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة» هذه الجملة الشهيرة ل «النفري» والتي هي فاتحة مجموعة «رسم قلب» تعتبر تمهيدًا ذكيًا ومختصرًا من «حسن الحلوجي»، ربما كانت دفاعاً غير مباشر منه عن اختلاف أفكاره عن المعتاد، خاصة أن المتصفح السريع لهذه المجموعة يتوهم أن ثمة خطأ مطبعيا ما جعل أغلب صحفها شبه خالية.. اللهم إلا من سطر أو سطرين؛ هذا لأن المجموعة تحمل مائة قصة (قصيرة جداً) يصل بعضها في الطول إلي سطر أو سطرين أو أكثر قليلاً. بالطبع جرأة من الكاتب أن يصدر مجموعة كاملة بهذا الطابع، هو اختلاف يحسب لصالح الحلوجي، حتي وإن عارضه البعض في تبنيه لهذه الفكرة.. وإن كانت هذه الجرأة قد تلقي انتقاداً من هواة «نظرية المسطرة» في الإبداع عموماً، بمعني أوضح.. مجموعة «رسم قلب» قد لا تظهر في بعض قصصها القواعد المتفق عليها أدبياً من حيث ظهور الشخصيات مثلاً أو الصراع الدرامي وما إلي ذلك بشكل مباشر يري بعين العقل المجردة، وبالتالي قد يعتبرها البعض مجرد «نصوص أدبية لا ترقي لمستوي القص والحكي»، أما البعض الآخر قد يري أن قصص «الحلوجي» لا تحمل تسلية لقارئها، بقدر ما تهديه سبلاً مختلفة للتأمل والدهشة بعيداً عن المناهج التقليدية. «رسم قلب» كعنوان للمجموعة موفق جداً، خاصة أن الفكرة الرئيسية تدور في فلك الموت والحياة، والخط الدرامي لحياة الإنسان بين هاتين النقطتين.. يهتم الكاتب بشكل رئيسي في مجموعته بالصورة بجميع تنويعاتها، فالمجموعة مثلاً تحتوي علي رسوم منمنمة تعبر عن كل قسم علي حدة - تقترب للتجريد - رسمها الكاتب نفسه، خطوط هذه الرسوم تتسم بالدقة التي تنعكس أيضاً في الصور البلاغية في القصص، مثلاً في قصة (بحبك) «أثناء سيرهما علي الكورنيش ظل يقول لها بحبك بحبك حتي تحولت الكلمة علي ملامح وجهه إلي شفاه تعلو وتهبط كحدّي مقص طائش. يتتبعهما كنّاس يزيح بتذمر ما سقط من معانيه المبتورة.» القصة هنا تتماس مع فكرة المثل العربي القديم «جعجعة بلا طحن».. كلمة «بحبك» - بمعناها الحرفي- التي يقولها بطل القصة لفتاته بسطحية أصبحت نمطًا حياتياً مكررًا علي جميع المستويات البعيدة عن الجانب العاطفي.. الطابع الحركي في القصة أضاف إليها بعدًا سينمائيًا. عنصر المفارقة التي تصل إلي حد السخرية استخدمه الكاتب بألوان مختلفة علي مدار المجموعة، مفارقاته تحمل طابعًا مدهشًا في فلسفة الأمور.. مثلاً في قصة تحمل عنوان (المزرعة) «الدنيا ريشة في هوا، طارت في يوم بعيد من كوكب الدجاج، ماله تذاءب بحثاً عنها!»، هنا استخدم الحلوجي أغنية معروفة، تركها بصيغتها العامية كما هي-كي تلفت انتباه القاريء- ووظفها درامياً بشكل ساخر ذكي يلخص كل الروايات والأفلام والمسرحيات التي ذمت في طمع ابن آدم، وحرصه علي الدنيا.. إلي آخره من الحشو الخطابي الممل. الحس الشعبي في هذه المجموعة له نصيب لا بأس به، فكرة توظيف المثل الشعبي «ودن من طين وودن من عجين» في صنع حالة قصصية بليغة.. القصة بعنوان (العِشرة) «صوت شخيره يُصدر فوضي تدمر سكون الليل.لم يعد يضايقها ذلك مع عشرة النوم الطويل، فأذنها التي من طين صارت فخاراً، وأذنها التي من عجين صارت خبزاً».