ليس سواهم – من سالت دمائهم في الشوارع والميادين وعلى الطرقات هم وحدهم من يمتلكون دماء حارة خصبة ذكية أما أصحاب الكراسي والمعالي والنخبة والأحزاب والإعلام والمتاجرين بكل ما هو قابل للتجارة فدمائهم حتما من نوع آخر شديد الاختلاف. يطل علينا القيادي الاخواني عصام العريان في صباح يوم ثقيل ليبحث عن البرلمان بين أشلاء ودماء واحد وخمسين طفل فقدوا أرواحهم، تعج المقاهي بالمتفرجين الذين تتعالى أصواتهم بالتهليل مع كل مرة يقترب فيها لاعبو الأهلي من مرمى الترجي التونسي فتتعالى صيحاتهم مع صيحات الأمهات الثكلى مع اقتراب فلذات أكبادهم من القبور إلى مثواهم الأخير، يطل علينا إعلاميون يولولون ولا هم لهم سوى النيل من الإخوان، ويطل علينا الرئيس مرسي في مشهد بدا بالنسبة لي أشبه بفقرة من نشرة إخبارية أعرب فيها عن أسفه وعميق حزنه وأعلن في أقل من دقيقتين عن قبوله استقاله وزير النقل ورئيس هيئة السكك الحديدية، ثم مضي لاستكمال يومه الحافل بالأعباء، فينتشر بعدها على صفحات التواصل الاجتماعي مقطع للدكتور الرئيس حين كان عضو بالبرلمان وهو يقول بحماسته المعهودة " لابد وأن نحاسب الكبار." السيد الرئيس.
إن وضعك في كفة واحدة مع كبار النظام السابق فيه ظلم لكم فهم أخدوا فرصتهم كاملة أما أنت فلاتزال في بداية الطريق، إلا أن هذا الطريق حتى يكتمل لابد وأن تتخذ فيه خطوات حاسمة واعية غير مرتعشة، أما السير على خطى النظام السابق فلن يقودنا إلا لطريق مسدود.
السيد الرئيس أعلم أنك طيب القلب وتتعاطف مع الملكومين والمستضعفين، ومن أكون حتى أتحدث عن تعاطفك مع المآسي والمواجع حين تشهد بذلك وكالة الأنباء رويترز في تعقيبها على خطابك الخاص بالقصف الغاشم على غزة، فقد ذكرت الوكالة أن سيادتك كنت "مقهورا ومكتئبا مقارنة بالخطب" التي القتاها في السابق، وربما في اللاحق أيضا! غزة في قلوبنا جميعا وليس هناك شعب عربي قدم ما قدمه الشعب المصري في مسانده غزة معنويا وماديا حتى في أيام الرئيس السابق، إلا أن المنطق يقول أنه حتى يتسنى لي مساعدة غيري على النهوض لابد وأن أقف على قدمي أولا!
أعلم أن ما منعك عن الذهاب لأسيوط عقب الكارثة هو الشديد القوي وأعلم أن الشديد القوي أيضا هو ما منعك عن حضور جنازة الخمسة عشر جنديا الذين استشهدوا على الحدود، وهو أيضا ما منعك عن القصاص لهم هم وغيرهم من الشهداء الذين تعهدت أن قصاصهم دين في عنقك، وبعيدا عن كل ذلك أعلم تمام العلم أنك لا تملك عصا سحرية وليس هناك من يطالبك بما ليس لك طاقة به، أعلم أن التغيير يحتاج إلى خطة ورؤية ومساحة من الزمن لم تحظى بها بعد، ولكن هل لنا أن نطلب منك مطلب بسيط؟ هل يمكنك إعادة ترتيب أولوياتك؟
لقد قامت هذه الثورة، ولا يخفى عليكم، من أجل المواطن البسيط، حتى ينعم من تعرض للتهميش والظلم والقهر على يد النظام السابق "بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية".
لقد قامت هذه الثورة من أجل تعليم لم يعد تعليما ومن أجل رعاية صحية لا تمت للرعاية بصله من أجل شباب بلا عمل اصبحت أقصى أحلامه أن يصل ناجيا بقاربه للبحث عن فرصة عمل فيما وراء البحار، لقد قامت الثورة لأن المواطن المصري كان أرخص ما في مصر، فكم اهدرت دماءه في الشوارع والطرقات والعبارات والقطارات والميادين بل وحتى داخل المستشفيات دون ثمن، إنها قائمة طويلة لا تنتهي وكلها تدور في فلك المواطن البسيط.
وإذا كان ذلك هو الحال قبل الثورة وإذا كان المواطن البسيط في ذيل قائمة الأولويات قبلها، فلابد وأن ينعكس الحال بعدها فالتستغنى الحكومة عن المواكب، ولتستغنى الحكومة عن السيارات الفارهة، والمكاتب الفخمة والمصاريف الفارغة، فتش وستجد أن هناك من لايزالوا يتقاضون مئات الألوف شهريا، هناك من يهدروا الأموال هنا وهناك، الأموال اللازمة للإصلاح موجودة ولكنها مهدرة، الأموال الازمة للإصلاح موجودة ولكنها مازالت تذهب لمن لا يستحقها، يجب أن يكون المواطن البسيط على قائمة أولوياتك دون شريك. استمعوا إلى العمال وإلى من يضربوا عن العمل هنا وهناك، هم أصدق من في هذه البلد لا تتهمومهم بتعطيل عجلة الانتاج فهم العجلة وهم الانتاج!
السيد رئيس "الثورة" لقد قامت هذه الثورة من أجل المواطن الفقير ....جائت لكي "تنهض" به إذا صح التعبير، إلا أن لسان حال هذا المواطن يقول أنها تعتصره بالغلاء، والضرائب، وتضييق الخناق عليه واخيرا الإهمال والموت ...في صباح يوم ثقيل فقدت أم بسيطة ابناءها جميعا فلم يعد لديها الآن من تسهر على راحته وليس لها الآن من تحرم نفسها حتى تشتري له لبس العيد....فإذ ا كانت تلك الثورة قد قامت من أجل هؤلاء البسطاء ...علينا أن نعي جميعا أنهم لم يقوموا بثورتهم بعد ..."فلا يغرنكم حلم الحليم".