حين سمعت البعض يتحدثون عن "الإعصار ساندي" حسبتهم للوهلة الأولى يتحدثون عن مطربة جديدة' مثل "الصاروخ نانسي" والقنبلة هيفا " وغيرهن. لم تكن ساندي سوى كارثة من كوارث الطبيعة التي ضربت أمريكا وكبدتها خسائر مالية تقدر بعشرين مليار دولار ومقتل نحو ثلاثين شخص.
ولأن المواطن الأمريكي هو الأهم بالنسبة لدولة "كافرة" مثل أمريكا، تعمل حكومتها الآن على قدم وساق للسيطرة على الخسائر البشرية أما الخسائر المادية فإنهم عاجلا أم آجلا سيتدبرون أمرها.
"انتقام الله من الكفرة أنظر فكلمة "الله" مكتوبة على الإعصار انشرها وإذا لم تفعل فإن ذنوبك قد منعتك".
إعصار قوي مدمر راح ضحيته أقل ممن يفقدون أرواحهم يوميا على الطرق في مصر وأقل بكثير ممكن تحترق بهم القطارات وتغرق بهم السفن وتسقط عليهم الهضاب ورغم ذلك هم وحدهم المغضوب عليهم. ولكن هل هناك من يأمن الكوارث الطبيعية لقد ضرب مصر زلازل صغير لا يزال في مهده بقوة 6 ريخير فرقصت مصر على واحدة ونص! وهل إذا ضربنا إعصار مثل ذلك، لا قدر الله، سنفقد ثلاثين مواطنا فقط ؟ كفاني مبالغات وليكن سؤالي كم سنحتاج من الوقت لتجاوز أزمة انفجار ماسورتين رئيسيتين في احد الشوارع. إن اللعب على ذلك الوتر لم يعد مؤثرا أو مقنعا فهم أول من يأخذ بالأسباب التي تركناها نحن فتركنا الزمن خلفه.
تزامن الإعصار ساندي مع حديث حول قرار إغلاق المحال التجارية في العاشرة مساء وهو القرار الذي ذهب البعض إلى اعتباره أحد أشكال الأخذ بالأسباب، فالحكومة تواجه أزمة في توفير الكهرباء وقد وجدت أن هذا أن هذا القرار هو السبيل لحل الأزمة.
كعادتي عند التسوق تجاذبت أطراف الحديث عشية ذلك اليوم مع أم محمود أو الست جمالات، وهي سيدة أرملة غير متعلمة تتمتع بالذكاء الفطري، وصاحبة متجر كبير للخضر والفاكهة لا تغلق أبوابه إلا في الواحدة أو ربما الثانية بعد منتصف الليل في الصيف. أخذت الست جمالات تهلل بعد سماعها للخبر وتوعدت بالضرب لكل من سيجرؤ على أمرها بغلق محل أكل عيشها وختمت حديثها بدعاء على الثورة واللي عملوها، كان غضب الست جمالات أشبه بإعصار من نوع جديد!
يرى مؤيدو القرار أن كافة الدول المتقدمة تتبع نفس هذا المنهج ولكن هل تتشابه الظروف وهل هذا هو التوقيت المناسب. أي قرار يتخذ لابد وأن يكون لدرء ضرر وجلب منفعة فما هو الضرر وما هي المنفعة في تلك الحالة؟ لقد اتخذ هذا القرار في المقام الأول توفيرا للكهرباء فإذا كانت حصة المحلات من استهلاك الكهرباء في التقرير الصادر عن جهاز تنظيم مرفق الكهرباء وحماية المستهلك لا تتجاوز 8.1% فأين هو ذلك التوفير إذن؟ ربما تكمن الحكمة من القرار، كما ذكرت قناة مصر 25، في قوله تعالى "وجعلنا الليل لباسا" ولكن هل نسوا أن الليل لا يمكن أن يكون لباسا دون أن يجد الناس معاشهم في النهار كما قال تعالى في نفس الآية. فأنا واحدة من أبناء الشعب المصري وأمضي ما يتجاوز الأربع ساعات من معاشي في المواصلات وحدها! وإذا افترضنا جدلا أن توفير الكهرباء هو أحد الإيجابيات فالسلبيات حدث ولا حرج. انفلات أمني قد يزيد مع خلو الشوارع من المارة باكرا، شوارع بلا عواميد إنارة وستصبح خالية من أنوار المحلات ايضا. شباب يعمل في الورديات المسائية سيتم تسريحه وتحويله لعاطل.
سوق سوداء جديدة من الباعة الجائلين ممن فشلت الحكومة في السيطرة عليهم أو توفير مصدر رزق بديل لهم. والأخطر من ذلك كلها احتمالية الصدام بين أصحاب المحلات الذين قد يقاومون القرار أو يتحايلون عليه وبين أفراد الشرطة الذين سيعملون على تنفيذه كما هددت الست جمالات، فالاحتقان موجود بالفعل فلما ندخل أنفسنا في أزمة نحن في غنى عنها خاصة وأن لدينا بالفعل وافر من الأزمات ما شاء الله!
هذا ويلزم القرار الورش المقلقة للراحة في المناطق السكنية والمدن بغلق أبوابها من التاسعة مساء (الورش المقلقة للراحة لفظ مطاطي فقد يرى عم متولي النجار أنه غير مقلق للراحة) أما كافة المتاجر الأخرى فيجب عليها خفض الإضاءة من الساعة العاشرة (حكومة رومانسية) والإغلاق التام سيتفاوت بين الحادية عشر والثانية عشر والثانية صباحا في حالة المطاعم التي يمكنها أن تبيع بعد ذلك ديليفري او تيكاواي فقط. وتستثنى الصيدليات ومحطات البنزين من قرار الغلق ولكن عليها خفض الأضواء المبهرة من العاشرة أيضا.
ولكن لم يذكر لنا القرار أمر الملاهي الليلية والكاباريهات هل ستخفض إضاءتها من العاشرة أم سيتم اعتبارها من الورش المقلقة للراحة وستغلق نهائيا في التاسعة!
يرى البعض أن التخوف من هذا القرار هو مجرد خوف من التغيير وأنها ضجة إعلامية مبالغ فيها، وأنا آمل ألا نكون قد اتخذنا قرار بإغلاق مقهى يضم ثلاثين شخصا تحت سقف واحد يشاهدون تلفاز واحد تحت إضاءة واحدة مبكرا بحجة التوفير، لينصرفوا ويكملوا سهرتهم في ثلاثين غرفه يضيئها ثلاثين مصباح يعمل بها ثلاثين تلفاز!