وزير الداخلية يقرر ترحيل سوريين لخطورتهما على الأمن العام    جامعة الإسكندرية تنهي استعداداتها لاستقبال العام الدراسي الجديد (صور)    محافظ سوهاج يسلم 11 عقد تقنين أراضي أملاك دولة لمواطنين    أسعار السلع الأساسية في الأسواق اليوم الثلاثاء 24 سبتمبر 2024    ارتفاع أسعار النفط.. وخام برنت يسجل 74.11 دولار للبرميل    قطع المياه عن مركزي أشمون والباجور بالمنوفية 8 ساعات اليوم    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الثلاثاء    تحذير عاجل من الكهرباء قبل تحصيل فواتير استهلاك سبتمبر    العربية للطاقة المتجددة: الرئيس السيسي وعاهل الأردن أول مَن شجعا على الاستثمار بالطاقة الخضراء    روسيا تجري مناورات بحرية مع الصين    وزير الخارجية البريطاني: زيادة التصعيد في لبنان يهدد بالمزيد من العواقب المدمرة    جيش الاحتلال يتوسع في عدوانه على بلدات الجنوب اللبناني واستهداف المدنيين    توقيع مذكرة تفاهم بين الجامعة العربية ومنظمة التعاون الرقمي    العراق والولايات المتحدة يبحثان تعزيز العلاقات الاقتصادية الثنائية    ماذا قال الرئيس الإيراني عن الوضع في لبنان وحزب الله؟    تأجيل انطلاق دور المجموعات بدوري أبطال أفريقيا والكونفدرالية    الزمالك يحدد اليوم موقفه من الاعتراض على حكم السوبر    بنزيما وديابي ضمن تشكيل الاتحاد المتوقع أمام العين في كأس الملك السعودي    «إشاعة حب» تتسبب في جريمة شرف بالمرج.. عامل يقتل زوجته وصديقه.. المتهم: «صاحب عمري نهش في شرفي وخاني».. وأهل الضحية: بنتنا شريفة    الأرصاد تكشف تغيرات حالة الطقس مع بداية فصل الخريف 24 سبتمبر 2024    إصابة 4 أشخاص فى حادث تصادم سيارتين على الطريق الزراعى الشرقى بسوهاج    اليوم.. الحكم على البلوجر سوزي الأردنية بتهمة سب والدها على الهواء    والد ليلى في مسلسل برغم القانون، من هو الفنان نبيل علي ماهر؟    لهذا السبب..إيمي سمير غانم تتصدر تريند " جوجل"    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 24-9-2024 في محافظة قنا    الإفتاء: الإسلام حرم نشر الشائعات وترويجها وتوعد فاعل ذلك بالعقاب الأليم    «الصحة» تعلن حصول 3 مستشفيات تابعين لأمانة المراكز الطبية المتخصصة على شهادة اعتماد الجودة من الGAHAR    وكيل ميكالي: الأرقام المنتشرة عن رواتب جهازه الفني غير صحيحة    إجراء عاجل من مستشفيات لبنان بسبب العدوان الإسرائيلي    30 قيراط ألماظ.. أحمد سعد يكشف قيمة مسروقات «فرح ابن بسمة وهبة» (فيديو)    مدين ل عمرو مصطفى: «مكالمتك ليا تثبت إنك كبير»    نجيب ساويرس: ترامب وكامالا هاريس ليسا الأفضل للمنطقة العربية    مصرع شخص في حريق منزله بمنطقة الموسكي    جيش الاحتلال: اعترضنا عدة صواريخ أُطلقت من جنوب لبنان    مصر للطيران تعلق رحلاتها إلى لبنان: تفاصيل وتداعيات الأحداث الجارية    محمد على رزق يوجه رسالة للشامتين في حريق مدينة الإنتاج: «اتعلموا الأدب في المصايب»    مريم الجندي: «كنت عايزة أثبت نفسي بعيدًا عن شقيقي واشتغل معاه لما تيجي فرصة»    «الباجوري» بعد تصوير «البحث عن علا 2» في فرنسا: لم أخشَ المقارنة مع «Emily in Paris»    غدا.. افتتاح معرض نقابة الصحفيين للكتاب    قنصل السعودية بالإسكندرية: تعاون وثيق مع مصر في 3 مجالات- صور    برج الجدي.. حظك اليوم الثلاثاء 24 سبتمبر 2024: تلتقي بشخص مثير للاهتمام    «سجل الآن» فتح باب التقديم على وظائف بنك مصر 2024 (تفاصيل)    مروان حمدي يكشف كيف ساعده الراحل إيهاب جلال في دراسته    موتسيبي: زيادة مكافآت الأندية من المسابقات الإفريقية تغلق باب الفساد    "لم أقلل منه".. أحمد بلال يوضح حقيقة الإساءة للزمالك قبل مواجهة الأهلي في السوبر الأفريقي    أضف إلى معلوماتك الدينية| دار الإفتاء توضح كيفية إحسان الصلاة على النبي    الأمين العام الجديد لمجمع البحوث الإسلامية يوجه رسالة للإمام الطيب    بلاغ جديد ضد كروان مشاكل لقيامه ببث الرعب في نفوس المواطنين    هل منع فتوح من السفر مع الزمالك إلى السعودية؟ (الأولمبية تجيب)    وزير الأوقاف يستقبل شيخ الطريقة الرضوانية بحضور مصطفى بكري (تفاصيل)    الفوائد الصحية لممارسة الرياضة بانتظام    ارتفاع حصيلة مصابي حادث أسانسير فيصل ل5 سودانيين    محارب الصهاينة والإنجليز .. شيخ المجاهدين محمد مهدي عاكف في ذكرى رحيله    الآن رابط نتيجة تقليل الاغتراب 2024 لطلاب المرحلة الثالثة والشهادات الفنية (استعلم مجانا)    أحمد موسى يناشد النائب العام بالتحقيق مع مروجي شائعات مياه أسوان    طريقة عمل الأرز باللبن، لتحلية مسائية غير مكلفة    خالد الجندي: بعض الناس يحاولون التقرب إلى الله بالتقليل من مقام النبى    أستاذ فقه يوضح الحكم الشرعي لقراءة القرآن على أنغام الموسيقى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سامح فايز.. العائد من جنة الإخوان (7)
نشر في الدستور الأصلي يوم 06 - 11 - 2012

الاتهام الجاهز داخل الإخوان «أنت ضعيف العقيدة والإيمان»
لم يكن سامح فايز فى رحلته الإخوانية سهلًا طيّعًا، ولكنهم كانوا يظنونه شابًا مشاغبًا مزعجًا، وكان مرد هذا الظن أنه كثير السؤال! كثير الاستفهام، وهذه أشياء تقدح فى إخوانيته، فكان أن تسلَّق سور الجماعة ونظر إلى العالم الذى كان يظنه عالم الأشباح، فإذا به عالم من لحم ودم، حياة إنسانية بكل معانيها، غاب عنها وغابت عنه، عرف وقتها أنه كان يعيش فى عالم الأشباح، فقرر أن يقفز من سور الجماعة، وولى هاربًا لا يلوى على شىء، فقط قرر أن يكون مصريًّا خالصًا، يختلط إسلامه مع مصريته فيصبح مصريًّا سائغًا لا مثيل له، وحين ترك عوالمه الأولى وانضم إلى العالم الحقيقى قرر أن يكتب تجربته، لم يقصد سامح من كتابة تجربته
كنت أعجب من هذا الشيخ الذى لا يكل ولا يمل، وكنت أسأل نفسى دومًا ألا ينام؟! هو شاب فى منتصف العقد الثالث من عمره، ورغم تلك السن الصغيرة كان زوجًا وأبًا لطفلة فى السادسة من عمرها أى أنه تزوج قبل أن يبلغ العشرين.

تعود الجيران على هذا الطارق الذى يأتينى فجرًا، يرسل دقاته المميزة على الباب فيخرج أبى ليخبره أنى نائم، فيطلب منه إيقاظى، وأبى ينفذ أمره بكل مرونة، أخرج عليه فأتحجج بأى حجة قد تمكننى من الهروب من هذا الوِرد اليومى، لكن دائمًا ما تفشل محاولاتى. أذكر أنى خرجت عليه مرة لا أرتدى سوى بنطال دون شىء يستر الجزء العلوى من جسدى، أخبرته بأنه لا توجد ملابس نظيفة أرتديها لأذهب معه لأداء صلاة الفجر فى المسجد، فما كان منه إلا أن استوقف أحد الجيران، وهو فى طريقه إلى المسجد وطلب منه إحضار شىء من منزله أرتديه للذهاب معهما.

كنت أظنه فى أوقات عدة مصابًا بمس من الجنون، وفى أوقات أخرى كنت أحسده على مثابرته وصبره، كانت له إرادة غريبة، لكنها لم تكن تتحرك إلا لأجل الإخوان المسلمين ودعوتهم. هو ذلك الشيخ الذى رمقنى بعين الاهتمام فى المسجد.

إنه شيخى الذى دخلتُ على يديه تلك الدائرة، دائرة الإخوان، التى لم أخرج منها إلا فى عام 2005، والتى ظللت لخمس سنوات من 2005 إلى 2010 أتحلل من أدرانها. لم يكن شيخًا بالمعنى الأزهرى، هو شخص ملتزم، هذا الالتزام العادى الذى يميز مجتمعاتنا المسلمة، حاصل على تعليم متوسط، يقرأ كثيرًا فى العلوم الفقهية والتاريخ الإسلامى. إلا أننا فى مجتمعاتنا الشرقية لا نبخل بإضفاء ألقاب مثل الشيخ فلان ومولانا فلان على كل من ظهرت عليه أدنى بوادر الالتزام.


بل إننى حتى الآن، ورغم كونى انفصلت عن التيار الإسلامى وطلّقت مظاهره منذ سنوات، فإننى أجد فى قريتى من لا يزال لا يدعونى باسمى مجردًا، يجب أن يسبقه بلقب الشيخ أو مولانا، على الرغم من كونى وطبقًا لتعاليم الإسلام من المفترض أن أدرج تحت لقب مسلم عاصٍ، غير أنهم ألبسونى اللقب، وليس من المفترض لأحد أن ينزعه عنى.

حتى اللحظة، هناك أناس يستفتوننى فى أمور دينهم ودنياهم. أحاول الخروج من هذا المأزق بأقل الخسائر. أخشى أن أفسد عليهم دينهم فأتحول من مسلم عاصٍ إلى مسلم مرتد.

غير أن شيخى حقًا كان يستحق هذا اللقب، كنت لا تراه إلا فى المسجد، أو ذاهبًا إلى المسجد، أو عائدًا من المسجد. كان يهب حياته كلها لخدمة دينه المتمثل فى خدمة جماعة الإخوان المسلمين.

هو الآن مسؤول الأشبال داخل شعبة الإخوان فى القرية. كان يملك تلك القدرة على التعامل مع الأطفال واحتوائهم، وكان يحمل على عاتقه مسؤولية كل طفل فى القرية وكأنه أب لهم جميعًا. أذكر أن هناك أحد الأطفال قد خرج من ربقتهم، كان متمردًا ويميل إلى اللعب واللهو، كان لا يقرب المسجد، وإن دخل ليصلى أثار زوبعة، وأخذ يؤرق على المصلين صلواتهم، فما كان من شيخى فى أحد الأيام إلا أن صرخ أمامنا بحضور آخرين من شباب الإخوان قائلا: (هو ماحدش عارف يجيب رجل الواد ده؟)، وطلب من أحدهم خصيصًا أن يتفرغ له، هذا ما يسمى كما قلت سابقًا الدعوة الفردية داخل الجماعة.


لم أستطع أن أحدد حينها، هل يعاملنى شيخى معاملة خاصة، أم أنه هكذا مع كل الأطفال؟! لكن، وهل يمر على جميع الأطفال فى منازلهم ليأخذهم لأداء صلاة الفجر فى المسجد؟! هل يلتقى بكل الأطفال فى بيته فى كل وقت وفى أى وقت؟! هو من ساعدنى على استخدام صوتى الذى ظنوه حسنًا حينها فى الإنشاد فى أثناء تجمعات الإخوان فى القرية.

كان لا يمل ولا يؤجل عمل اللحظة إلى اللحظة التى تليها. كنا نبدأ يومنا بعد صلاة الفجر، نذهب إلى المسجد ونصلى، ومن ثم نلبث قليلا فى المسجد نقرأ القرآن وبعض الأذكار والأدعية، ثم يسأل كلا منا عن تأدية بعض التكليفات التى تكون قد طلبت منه خلال الأسبوع، مثل إقامة الصلوات، إخراج بعض الصدقات، حسن معاملة الأب والأم، صلوات السنن، الأدعية والأذكار، وكانت تكتب تلك الأمور فى ورقة على شكل مربعات ونقيِّم كل عمل فى الخانة التى تقابله بوضع علامات تفيد بالإتيان بالعمل أو عدم الإتيان به.

ربما هذا الورد تسبب فى كرهى للجداول والنظام وترتيب يومى، ذلك أننى دائمًا ما كنت أعجز عن القيام بكل ما فيه إضافة إلى كونى طفلًا فى الحادية عشرة من عمره من المفترض أن يكون مع الأطفال فى مثل سنه الآن يلعب ويلهو، يثير القلاقل ويزعج والديه بتلك الشقاوة المعهودة فى الأطفال، يشارك الأطفال حياتهم التى تناسب تلك السن، لا أن يقوم بأشياء يعجز عن الإتيان بها رجال لهم شوارب، بل وربما شيوخ ورجال دين.

كان شيخى بمجرد الانتهاء من تلك الجلسة يأخذنا إلى بيته للإعداد لخطبة ما نلقيها فى المسجد، أو التمرن على بعض الأناشيد التى نلقيها فى احتفاليات الإخوان.

أرى أن أحدكم أثاره أمر أن يُلقى طفل خطبة فى المسجد، هى لم تكن خطبة بالشكل المتعارف عليه، إنما بضعة سطور حوت أحاديث وآيات من القرآن والمواعظ النى نقرأها من ورقة قد أعدها الشيخ سلفًا، نقوم بإلقائها على مسامع الحضور بالمسجد بعد الانتهاء من الصلاة، وهكذا بشكل شبه منتظم وفى أغلب مساجد القرية.


ولأنه كان شيخى فكنت أعمد إلى تقليده فى كل شىء. أردت أن أكون نسخة مكررة منه، كنت أعتقد أنه من الصواب أن أعيش حياة إنسان آخر له من الظروف والمكتسبات والقدرات التى تؤهله لمكانته والتى من المؤكد أنها على غير ظروفى ومكتسباتى وقدراتى، فهو هو لأنه يحيى نفسه، أما أنا فلن أكون لا أنا ولا غيرى، ذلك لأننى سرت فى الطريق الخطأ، ربما أن مسلكى هذا ساعدنى فى الخروج من دائرتهم، ذلك أننى كنت دائم الإحساس أنى أحارب من أجل إنسان آخر، وقضية ليست قضيتى.

لقد دخلت الجماعة بهذا الشخص، وظللت فيها من أجله، وتركتها أيضًا لأجله، ولو أنه فى أحيان كثيرة قبل أن أتخلص من ربقتهم بالكلية كان قد أمرنى بالرجوع لكنت عدت إلى دائرتهم من جديد، لا أجد تفسيرًا لذلك، قد يدرك أحدكم من المهتمين بالسلوك الإنسانى مغزى تلك العلاقة.

شيخى هذا كان مسؤولا عن الأشبال فى القرية ممن هم دون سن معينة، فأنت بمجرد أن تبلغ سنًا محددة يتم نقلك إلى مستوى آخر، من المفترض أنه أكثر اهتمامًا، وبمستوى تربوى مختلف، وكلها تدور فى فلك إعداد الفرد المسلم الذى سيكبر ليتزوج امرأة مسلمة، ومن ثم تتكون الأسرة المسلمة، فالمجتمع المسلم، فالدولة المسلمة فالعالَم المسلم، ومن ثم التحكم فى العالم أو ما يسمى داخل دوائر الإخوان بأستاذية العالم.


بعد سنتين تقريبًا من وجودى مع شيخى انتقل بى الدرب إلى شيخ آخر، ومن ثم إلى ثالث فرابع فخامس فسادس، غير أنهم لم يسدوا يومًا هذا الفراغ الذى تركه فى نفسى فقْد شيخى، إضافة إلى كونى لم ألمس فيهم نفس هذا الإخلاص وتلك الجدية، البذل من أجل الدعوة، لم يعد هناك من يأتينى فجرًا ليرى لماذا لا أصلى الفجر! لم يعد هناك من يهتم بالوِرد الأسبوعى، لم يعد هناك من يهتم بنا أصلا، وبدأت أشعر أن الكلام فى دوائرنا مكرر، نفس القَصَص القرآنى، نفس الأحاديث، نفس الشخصيات الإسلامية التى كنا نتدارسها، هى هى لا تتبدل، وبمرور الوقت لم يعد يهتم بنا أحد أصلا، هل كانوا يريدوننى بينهم حقا؟ تلك الأسرة التى كنت أنتمى إليها فى المرحلة الأولى لم أنتقل معها فى مرحلتى الثانية، انتقلت إلى أسرة أخرى تميز أعضاؤها بالإهمال والتمرد وعدم الطاعة، أما الأسرة الأولى التى نشأتُ فيها فقد انتقل بعضهم إلى أسرة أخرى، والباقى لم يستمر داخل الدائرة، إما بسبب رفض الأهل الوجود داخل تلك الدائرة، نظرًا إلى مطاردة الأمن للإخوان أو لاختلاف تلك العائلات مع الإخوان فى الفكر، كأن يكونوا سلفيين أو أعضاءً فى جماعة أخرى، أو لأنهم لا يهتمون أصلا سوى بالدفع بأبنائهم الصغار لإحدى ورش العمل للحصول على المال من ورائهم.


ذكّرتنى تلك الأسرة التى انضممت إليها حديثًا بفصول المتفوقين وفصول الطلاب المتخلفين التى كنا نراها فى المدارس. كانت فى منتهى العنصرية، فأنت تجمع كل من تظن أنه لا أمل فيهم فى مكان واحد، وتبدأ فى نبذهم وكأنهم نجس. تلك رؤية قد تصح وقد تخطئ، غير أن مقابلة مع الشيخ حدثت بعد سنوات من تركى الجماعة أعادت السؤال إلى ذهنى من جديد، ذلك أنه أخبرنى أنه كان يعلم أننى لن أستمر، ذلك أنهم أخبروه أنه لا أمل فى استمرارى معهم.


اكتفى بتلك الكلمات وذهب، وتركنى والأسئلة تضرب برأسى، من هؤلاء الذين أخبروه؟ وما الذى رأوه منى كى يحكموا بأنى لن أستمر؟ وعلى أى معيار صدر هذا الحكم؟ هل داخل هذا التنظيم أناس يختارون؟ وهل هناك معايير وضعت للاختيار؟ وهل التمرد وعدم الطاعة من أهم أسباب الترك ونبذ العضو من داخل الجماعة؟ لم أكن مهتمًا بالقراءة عن الجماعة من الداخل أو من الخارج بعد تركى لها، ولذا فليس لدىّ إجابات، كل ما أسطره الآن مجرد أحاسيس عايشتها، نابعة من حقائق مررت بها.


ولو افترضنا أننى فى نظرهم متمرد أو أنى مسلم عاصٍ، فلماذا لم يعينونى على نفسى؟ أليست هى فى الأصل جماعة دينية جاءت لنشر الفضيلة والأخذ بيد الناس للخروج من الضلال لعالم الهداية؟ أم أنهم يختارون من يستحقون الهداية فى نظرهم وينبذون الآخر؟ وهل جاءت دعوة الإسلام لأناس دون أناس؟ أم أنهم أصلًا ليسوا جماعة دينية ولا إسلامية وعلومهم فى الدين ليست بذات الأثر إنما هى جماعة تلحفت بالدين كرداء للوصول إلى غاية معينة أصلها فى نفوسهم إمامهم حسن البنا؟ هل الأمر دين أم استخدام للدين؟ لو كان دينًا لِمَ ميزوا أشخاصًا عن آخرين ولجاهدوا، لأن تصل دعوتهم إلى الجميع، ولصبوا اهتمامهم على التربية والدعوة وتكوين الفرد المسلم أكثر من اهتمامهم بانتخابات الشعب والشورى وإنشاء الأحزاب والوصول إلى الحكم، ولو كان الأمر دنيا فلِمَ يميزون أنفسهم عن الآخر بارتداء عباءة الدين؟ ذلك أن استخدامهم الدين يخل بشرف المنافسة مع الآخر، أو ما يطلق عليه فى دولة القوانين أمرًا غير دستورى، ذلك أنك تفضل شخصًا عن آخر فى كونك تزوده بأدوات تقربه من الغاية فى الوقت الذى تنزعها عن غيره.


كنت عندما يضيق بى الحال أتوجه إلى منزل شيخى، أبث له همى، وما آلت إليه الحال، كنت أظن أنه سيتفاعل مع بثى وشكواى، غير أنه لم يكن يكترث، لم يكن هذا الذى لا يكل ولا يمل، هل انتهت مهمته المحددة باستقطاب الأطفال؟ أم أنه لا يملك سوى تلك القدرة وفقط، وليست له قدرات أخرى؟ كان من أهم عيوبه أنه شديد الجانب، نادرًا ما يضحك، وكان لا يتورع عن تأنيب شخص أخطأ، وكنت أنا على الوجه الآخر فى حاجة إلى هذا الشخص لين الجانب الذى يسمعنى.

كنت فقط أحتاج إلى شخص يسمع، يشعرنى أننى لست وحدى، لا يسخر من تساؤلاتى، ولا يسفه رأيى، ولا يرد على تساؤلاتى بهذا الرد المعتاد لدى الإخوان المسلمين.

أنت ذو عقيدة ضعيفة.. أو إن إيمانك يفتر. كنت أريد من يحترم تلك التساؤلات، غير أنه وحتى اللحظة لا يوجد فى رجال الدين خاصة والمتدينين عامة مَن يحترم تلك التساؤلات، فتلك مناطق وعرة إن دخل فيها أحدهم صار مرتدًا، أو شيطانًا، وإن إحكام العقل فيها درب من دروب الكفر، وفى أقل الفروض يسفه رأيك ويسخر منك، وفى أفضل الأحوال يأتيك برد لا علاقة له بسؤالك.


أذكر آخر مرة ذهبت إلى شيخى فى منزله قبل أن أبدأ رحلتى مع التحلل والتفكك من ربقة الجماعة، حينها كنت وكأنى أخبره أننى فى أشد الاحتياج إليه، كان الترك حينها ونظرًا إلى تربيتى الدينية التى مزجت فكر الجماعة بالدين تعنى تركى للدين، أنا أسعى فى طريق الكفر. غير أن شيخى نظر إلىّ نظرة لا اهتمام فيها ثم تركنى وذهب لغرفة مجاورة أحضر منها بعض الملابس وأعطانى إياها من باب الصدقة، كان يعلم سوء حال أسرتى المادية، وكان كثيرًا ما يفعل مثل تلك الأمور غير أنى الآن لست فى حاجة إلى أموال، لست فى حاجة إلى صدقات. كنت فى حاجة إلى إنسان لا يسفه اعتقادى، ولا يسخر من رؤياى.


أخذت الملابس من شيخى وتركته وذهبت، نظرت إليه والدمع يكاد يتساقط من عينى على حالى، أردت أن أخبر شيخى أن تلك الصدقة أيضا تترك فى نفسى جرحًا، لكنه لم يكن يسمع، كان ينفذ وفقط إرادة الجماعة، بيد أنه تقمص هو الآخر روح شيخه وصار مثلها حتى تحول إلى رجل آخر غير الذى أراد. يطيع وفقط وينفذ وفقط، ويستمر وفقط على هذا النهج الذى وضع، لا يحيد عنه قيد أنملة. خرجت من منزل شيخى، شعرت فور أن أَضحى بيته خلف ظهرى وكأن الماضى كله أضحى هو الآخر خلف ظهرى، وأخذت أبحث لنفسى عن نفسى بين ظهرانى أناس آخرين.


بعد بضعة أعوام حدث احتكاك بينى وبين بعض شباب الإخوان، فأخذت أنتقدهم فى حوارى، فرد أحدهم علىّ بأنى لا أفقه شيئًا، ورد الآخر أن العيب فى هذا الغبى الذى يملى علىّ، ملمحًا إلى أنى أضع عقلى تحت عتبات الإعلام الذى يشوه صورتهم، أو ربما يقصد أنى أتعامل مع أمن الدولة! ورد ثالث أننى أتبع أسلوب «خالف تُعرف»، ورد رابع أننى أسعى للشهرة. ردود متعددة من شباب جامعى، جاءت جميعها مسفِهة لرأيى، وتسخر منه، ولا ترد أيضا على سؤالى. كنت أظن أنهم -وبعد تلك السنوات- سيتغير الإخوان، كنت أظن أنهم -وبعد سقوط النظام الذى كان يحاربهم- سيكونون أكثر انفتاحًا، غير أنه قد حدث العكس، فجميعهم ليسوا أنفسهم. هم تلبّسُوا روح الشيخ، وإرادة الشيخ، ولهذا عندما تحاورهم لا يردون.. هم فى انتظار رد الشيخ.

والذى غالبًا ما ينتظر هو الآخر رد الشيخ الأعلى الذى تلبّس هو الآخر روحه، وهكذا فى دائرة حتى نصل إلى الشيخ الأعلى وسبحان الشيخ الإمام الشهيد الأعلى، وهو فى القبر الآن قد أكله الدود، وليس من المنتظر أن يعود ليجيب عن تساؤلاتى. قد أكون على صواب، وقد أكون على خطأ لكنها رؤياى، فرجاء لا تسفهوا رؤيتى، ولا تسخروا من عقلى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.