من عنترة إلي غاندي.. أبطال الحقيقة وأبطال الأساطير غاندي من الغريب أن كلمة «بطل» في اللغة العربية هي في نفس باب البطالة والتبطل والباطل، كيف ذلك؟ المعني المباشر لكلمة البطل هو «الشجاع»، فما علاقة ذلك بالمعني السلبي للتبطل والبطالة؟ السبب هو أن البطل هو من «يبطل الأشداء عنده»، فمهما كان الأقوياء أقوياء فإنهم لا يستطيعون هزيمته أي يبطلون ويتبطلون إزاءه، إنه «يبطلهم» فهو إذن «بطل». ليس غريبا إذن أن ترتبط البطولة بالتميز الشخصي، الذاتي، إنها عمل فردي بالأساس، وعلي مدار التاريخ الإنساني كان الأبطال أشخاصا تميزوا بخوضهم معارك كبيرة وخطيرة، شرط نجاحهم فيها بالتأكيد، أو في معظمها، البطل يمثل الجماعة، حلمها، آمالها، وأحيانا الدفاع عنها، إن الأسماء هنا لا تكاد تنتهي من الإسكندر الأكبر وأحمس إلي أحمد عرابي وصولا إلي غاندي وتشرشل وجيفارا، لكن تلك الأسماء لا تقتصر علي الواقع فحسب بل تمتد إلي الخيال والأسطورة من هرقل إلي أبوزيد الهلالي، لكن ثمة فارقًا بين البطولة التي هي التميز الفردي لأي إنسان في مجال عمله أو موهبته، كالبطل الرياضي علي سبيل المثال، والبطولة المؤقتة التي قد تظهرلدي شخص ينقذ شخصا آخر أو جماعة من خطر محدق، وبين البطل القومي الذي تتمثل فيه طموحات أمة معينة أو قوم بعينهم. النوع الأخير هو الأكثر اعتناء في اللغة وفي الأدب بطبيعة الحال، وقد كانت روايات نجيب محفوظ صاحبة الريادة في تناول البطل القومي والشعبي بصورة أدبية غير مباشرة في معظم أعماله التي احتفظ فيها الوفد وسعد زغلول علي وجه الخصوص بمحبة خاصة من محفوظ، وكان الوفد هو محط الآمال لدي أبطال ثلاثية محفوظ الشهيرة، بوصفهم ممثلين للطبقة الوسطي المصرية آنذاك، لكن عبدالناصر ظهر فيما بعد كثيرا في معظم أعمال جيلي الستينيات السبعينيات المصريين بل والعرب أحيانًا، لم يكن ظهوره إلا استعراضا للألم الكبير الذي انعكس علي المصريين والعرب جراء ضرب التجربة الناصرية تكسر الحلم القومي، لم يظهر ذلك الحزن والانكسار في الروايات فقط طبيعة الحال وإنما برز بوضوح لدي شعراء تلك المرحلة أيضا، بعضهم أبرز مشاعره بصورة مباشرة كفؤاد حداد ونزار قباني، وبعضهم أخفي ألما مكتوما كصلاح جاهين. وليس غريبا أن «البطل» في الأدب العربي موجود في الشعر بصورة أكثر غزارة إذ الرواية فن حديث من جهة، ومدني من جهة أخري، أما التراث الأدبي العربي فمعظمه تراث شعري يحتفي بالبطولة وبالفروسية وبالعصبية القبلية، فينقسم ما بين فخر القوم بأبطالهم، وما بين فخر الشعراء أنفسهم بأنفسهم، حتي من هم منهم مشكوك في وجوده أصلا كعنترة بن شداد وامرؤ القيس، في المقابل، كانت السير الشعبية هي الشعر الشعبي الذي يربط بين الدراما والشعر والأسطورة، من هنا حفظ العرب عبر الأجيال سير أبوزيد الهلالي، سيف بن ذي يزن والأميرة ذات الهمة، وغيرهم من الأبطال الأسطوريين.