جامعة طنطا تواصل انطلاقتها في أنشطة«مبادرة بداية جديدة لبناء الإنسان»    جيش الإحتلال يزعم اغتيال قائد الوحدة الصاروخية لحزب الله في جنوب لبنان ونائبه    بينها وضع السفارات.. بايدن يصدر توجيهات بعد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت    استشهاد 10 فلسطينيين بينهم طفلان في غارات إسرائيلية على وسط وجنوب غزة    البيت الأبيض: بايدن اطلع على التطورات في الشرق الأوسط    "عرض من نوع آخر".. ماذا دار بين تركي آل الشيخ وشيكابالا بعد تتويج الزمالك بالسوبر؟    الدوري الإيطالي - ثلاثية في 5 دقائق.. ميلان ينتصر على ليتشي ويرتقي للصدارة مؤقتا    ملف يلا كورة.. السوبر الإفريقي زملكاوي    أول تعليق من كولر بعد خسارة السوبر الأفريقي: هذا سبب تتويج الزمالك    صحة الإسكندرية تشارك في ماراثون الاحتفال باليوم العالمي للصم والبكم    25 % من ثروتها العقارية.. من يحمي «مال الله» في مصر؟!    وزير الخارجية يتفقد القنصلية المصرية في نيويورك ويلتقي بعض ممثلي الجالية    الوكيل: بدء تركيب وعاء الاحتواء الداخلي للمفاعل الثاني بمحطة الضبعة (صور)    الأنبا بولا يلتقي مطران إيبارشية ناشفيل    الوراق على صفيح ساخن..ودعوات للتظاهر لفك حصارها الأمني    جيش الاحتلال: سنهاجم الضاحية الجنوبية في بيروت بعد قليل    رويترز: الاتصال مع القيادة العليا لحزب الله فقد كليًا    نائب محافظ قنا يتابع تنفيذ أنشطة مبادرة «بداية جديدة» لبناء الإنسان بقرية بخانس.. صور    سعر الذهب اليوم في السودان وعيار 21 الآن ببداية تعاملات السبت 28 سبتمبر 2024    تراجع سعر الطماطم والخيار والخضار في الأسواق اليوم السبت 28 سبتمبر 2024    ارتفاع أسعار النفط عقب ضربة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت    جوميز: استحقينا التتويج بكأس السوبر الإفريقي.. وكنا الطرف الأفضل أمام الأهلي    جوميز ثاني مدرب برتغالي يتوج بكأس السوبر الأفريقي عبر التاريخ    السوبر الإفريقي - أشياء تعلمناها من انتصار الزمالك على الأهلي.. الرجل الذي لم يتوقعه أحد    ستوري نجوم كرة القدم.. احتفال لاعبي الزمالك بالسوبر.. بيلينجهام وزيدان.. تحية الونش للجماهير    أجواء حارة والعظمى في القاهرة 34.. حالة الطقس اليوم    تجديد حبس عاطل سرق عقارًا تحت الإنشاء ب15 مايو    التصريح بدفن جثمان طفل سقط من أعلى سيارة نقل بحلوان    بدءاً من اليوم.. غلق كلي للطريق الدائري من المنيب اتجاه المريوطية لمدة شهر    برج القوس.. حظك اليوم السبت 28 سبتمبر 2024: لديك استعداد للتخلي عن حبك    أحمد العوضي يكشف حقيقة تعرضه لأزمة صحية    ذكرى وفاة الزعيم جمال عبد الناصر.. رمز الاستقلال الوطني والكرامة العربية    «عودة أسياد أفريقيا ولسه».. أشرف زكي يحتفل بفوز الزمالك بالسوبر الإفريقي    وفاة زوجة الفنان إسماعيل فرغلي    أنغام تبدع خلال حفلها بدبي ورد فعل مفاجئ منها للجمهور (فيديو وصور)    بمقدم 50 ألف جنيه.. بدء التقديم على 137 وحدة سكنية في مدينة 6 أكتوبر غدا    أبرزها منتجات الألبان.. 5 أطعمة ممنوعة لمرضى تكيس المبايض    الأطعمة التي يجب تناولها وتجنبها أثناء فترة الحمل    يفرز هرمونات ضد السعادة.. نصائح للتخلص من «الكرش»    تفاصيل إصابة شاب إثر الاعتداء عليه بسبب خلافات في كرداسة    حبس تشكيل عصابي تخصص في سرقة أعمدة الإنارة بالقطامية    "المشاط" تختتم زيارتها لنيويورك بلقاء وزير التنمية الدولية الكندي ورئيس مرفق السيولة والاستدامة    5 نعوش في جنازة واحدة.. تشييع جثامين ضحايا حادث صحراوي سوهاج - فيديو وصور    نشرة التوك شو| تحسن في الأحوال الجوية والشعور ببرودة الطقس أوائل أكتوبر    حظك اليوم.. توقعات الأبراج الفلكية اليوم السبت 28 سبتمبر 2024    تحرك جديد.. سعر الدولار الرسمي أمام الجنيه المصري اليوم السبت 28 سبتمبر 2024    الشروع في قتل شاب بمنشأة القناطر    «زي النهارده».. وفاة رئيس الفلبين فرديناند ماركوس 28 سبتمبر 1989    مجلس بلدية صيدا بلبنان: آلاف النازحين يفترشون الطرقات ولا يجدون مأوى    عباس شراقي يُحذر: سد النهضة قد ينفجر في أي لحظة    إضاءة أهرامات الجيزة وتمثال أبوالهول لمدة ساعتين احتفالا باليوم العالمي للسياحة    تزامنا مع مباراة الأهلي والزمالك.. «الأزهر للفتوى» يحذر من التعصب الرياضي    الأزهر للفتوى: معتقد الأب والأم بضرورة تربية الأبناء مثلما تربوا خلل جسيم في التربية    الوزارة فى الميدان    جراحة عاجلة للدعم فى «الحوار الوطنى»    كل ما تحتاج معرفته عن حكم الجمع والقصر في الصلاة للمسافر (فيديو)    أذكار الصباح والمساء في يوم الجمعة..دليلك لحماية النفس وتحقيق راحة البال    علي جمعة: من المستحب الدعاء بكثرة للميت يوم الجمعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحمد رجب يتكلم: كنت سأتزوج فنانة استعراضية شهيرة لكن مصطفى أمين رفض
نشر في الدستور الأصلي يوم 30 - 10 - 2012

فى الستينيات انطلقت شائعة تقول إن أحمد رجب هو الزوج الثالث لشادية، وصارت هذه الشائعة حديث الناس، فالجرائد تحرص على نشر تطوراتها، ومعرفة مدى صحتها لأن بطلى الشائعة اثنان من المشاهير قد بلغا قمة مجدهما فى هذه الفترة، وكان يجمع بينهما لقاء ثابت فى منزل مصطفى أمين (الذى قيل أيضا إنه تزوج شادية) حيث كان الكاتب الكبير يدعو إلى بيته يوميا كبار نجوم الفن والصحافة من المقربين منه أمثال الموسيقار محمد عبد الوهاب وزوجته نهلة القدسى، وعبد الحليم حافظ وكمال الطويل، وكامل الشناوى، وموسى صبرى، وجليل البندارى، وأنيس منصور، وكمال الملاخ، وأحمد رجب وشادية.

من هنا انطلقت ماكينة الشائعات بقوة لتنتج أخبارا تنشرها الصحف حول نوع العلاقة بين الفنانة المعروفة والكاتب الساخر، لدرجة جعلت أحمد رجب يكتب مقالا فى مجلة «الجيل» تحت عنوان «أنا جوز شادية» ليرد به على الشائعات بطريقته الساخرة قائلا: فجأة كدت أصبح جوز شادية وفجأة أيضا كدت أتحول إلى طبق فتة لزملائى الصحافيين، وخصوصا زميلى المهذب المتربى المؤدب ابن الناس «جليل البندارى» الشهير ب«جليل الأدب»، فإذا شاهدنى زملائى أراقص شادية فى أيام الخطوبة والغرام الحامى، وضعوا اسمى «ملفوفا» فى باب «أخبار الناس» قائلين مطربة سينمائية معروفة كانت ترقص مع صحافى شاب فى «بلفدير هيلتون» طوال الليل واليد باليد والخد على الخد والزواج فى الغد.

فإذا تزوجتها نقلوا اسمى من باب أخبار الناس إلى الصفحة الأولى مع صورتى طبعا.. فإذا قضينا شهر العسل نقلوا اسمى بعد تسعة أشهر من الصفحة الأولى إلى باب «مواليد الأمس» مسبوقا باسم النبى حارسه أنبته الله نباتا حسنا.. فإذا أثارت شادية غيرتى وضربتها قلمين نقلوا اسمى من «مواليد الأمس» إلى حوادث أمس، فإذا أصرت شادية على الطلاق وطلبت أنا ألف جنيه لأطلقها نقلوا اسمى إلى صفحة الجرائم!

وهكذا ظل اسمى يتجول ويتنزه فى طول الجريدة وعرضها لأننى جوز شادية وقد كدت هذا الأسبوع أصبح ذلك الجوز، والحكاية فى منتهى البساطة يمكن أن تحدث لك فجأة كما حدثت لى!

هذا المقال الطريف كتبه أحمد رجب لينفى به أنه سيتزوج شادية ولخص فيه أيضا ما تعرضت له فى زواجها الثانى بالمهندس عزيز فتحى الذى طلب منها ألف جنيه حتى يوافق على طلاقها.

لكن الشائعات لم تهدأ، وتوجه أحد الصحافيين بسؤال إلى شادية عن علاقتها بأحمد رجب فقالت: شرف لىّ إنى أرتبط بصحافى لامع زى الأستاذ أحمد رجب، لكن «ده ماحصلش».. كل الحكاية إنه صديق مقرب أعتز بصداقته مثله مثل كل القريبين منّى الذين تجمعنى بهم صداقة بريئة وجميلة.

هكذا كانت علاقتهما دائما لذلك عندما سألت أحمد رجب عنها قال: شادية التى أعرفها إنسانة هانم، سيدة متكاملة الشخصية، ست بيت، طيبة تحس أنك مع أختك أو قريبتك الحنون، وهى كفنانة لها مكانتها كممثلة عظيمة ومطربة لها لون مميز وشخصية فنية آسرة وشكلها وصوتها قريبان من القلب، وشادية الإنسانة الصديقة ممتازة، لكن هذا لا يمنعنى من التشنيع عليها وعمل المقالب فيها، وهى كذلك ترد المقلب باثنين، وآخر حوادثها معى أنها جعلت أحد الأصدقاء يعزم عددا كبير باسمى ودبستنى فى تكاليف العزومة.

صداقة أحمد رجب القديمة بشادية جعلته يشعر بها، ويعرف ما يدور بخاطرها، وما تريد أن تقوله قبل أن تنطق به، لذلك عندما رفضت شادية عمل مسلسل يتناول قصة حياتها، وطالب عدد كبير من الصحفيين بعدولها عن قرارها، قال: ارفعوا أيديكم عن شادية.. فالأضواء أصبحت تزعجها كثيرا، وهى فى المحراب تؤدى الصلوات وتناجى رب العالمين أن يديم عليها سلام النفس وصفاء الإيمان.. ونحن مدينون لشادية بالكثير، فقد أعطتنا ليالى البهجة كبارا وصغارا بفنها الراقى الجميل، وحان الوقت لنرد لها الجميل فنتركها تنعم بالهدوء وسكينة المؤمنين.

لكن قصة الحب الحقيقة التى عاشها أحمد رجب ولم يعرفها أحد كانت مع فنانة استعراضية عظيمة لا تقل شهرة عن شادية كان يطلق عليها فى كتابته لقب «الليدى»، وكان يحبها بدرجة غير عادية جعلته يقرر الارتباط بها، لكن مصطفى وعلى أمين تدخلا ورفضا زواجهما، فغضب أحمد رجب لكن التوأمين أصرا، وقام مصطفى أمين بإعطائه تذاكر سفر إلى روما ولندن وبيروت حتى يبتعد عنها، وقال له «مش عايز منك شغل.. سافر ولما تنساها ارجع»، وبالفعل سافر أحمد رجب إلى الخارج، وعندما عاد تزوج.

بعد مرور كل هذه السنوات على قصة الحب التى لا يعلم أحد عنها شيئا والتى رواها لى الساخر الكبير وهو يضحك ويقول: والله العظيم كانت «ليدى» وكنت أحبها رغم عصبيتها التى يلومها البعض عليها وكان نفسى أتجوزها، لكنى سمعت كلام والدى مصطفى أمين الذى كان يخشى أن تؤثر على مستقبلى المهنى بحكم شهرتها الكبيرة كأهم فنانة استعراضية فى هذا التوقيت، لكن بصراحة عندما وجدت المفكر إدوارد سعيد يكتب عنها منذ سنوات حزنت أنى لم أكن صاحب هذا المقال البديع الذى كان بمثابة رد اعتبار لفنانة عظيمة.

لكن شاء القدر بعد عودة أحمد رجب من الرحلة الإجبارية التى فرضها عليه مصطفى أمين أن يلتقى مع عصمت فخرى، المرأة التى سكنت قلبه ولم تغادره حتى بعد أن غادرت الدنيا، فلم تكن زوجة عادية بل كانت استثناء غير قابل للتكرار، فقد رأى فيها صورة الملهمة التى كان قلبه فارغا فى انتظارها، وبعد أن تحدث معها قرر أن تصبح رفيقة دربه لذلك يقول عنها: زوجتى عصمت فخرى حولت يأسى إلى أمل وعلمتنى بضحكتها الساخرة أسلوبا فذا فى معاملة الحياة.

وطوال فترة زواجها منذ عام 61 حتى وفاتها فى يناير 1992 لم يرَ زوجتَه سوى أقرب الناس إليه، وقد انعكس حبه لها وارتباطه بها على عمله فكتب عددا كبيرا من كتبه عن المرأة، لكن فى الوقت نفسه لم يقف الحب حائلا أمام قدراته كساخر فقد كتب يقول: الزواج كورقة اليانصيب، مع فارق صغير هو أن ورقة اليانصيب تكسب أحيانا.

صورة المرأة القوية كانت حاضرة دائما فى كتابات أحمد رجب، فهو يقول: أنا ضد كل أعداء المرأة، وضد أى واحد يقول إن المرأة شر محتوم، أو إغراء لا مفر منه، أو مصيبة مرغوب فيها، أو مرض مستحَبّ، فكل هذا تشنيع، صنعه ضعف الرجل أمام المرأة، لأن الضعفاء لا يملكون إلا الشتائم والتشنيعات.. والحقيقة التى يجب الاعتراف بها أن المرأة هى الأستاذ والرجل هو التلميذ، المرأة هى الأقوى والرجل هو الأهبل.

لذلك أطالب الرجال بأن يستريحوا ويعطوا الفرصة للمرأة لتحكم العالم، بعد أن أصبحت أكثر عنفا من الرجال، وأصبح الحب يمتزج بالخصومة، فقد أثبتت الدراسات أن اختفاء كل من المرأة والرجل من حياة الآخر يسبب الاضطراب النفسى، كما أن ظهور كل منهما فى حياة الآخر قد يسبب الجنون!

رؤية أحمد رجب الساخرة للحب والزواج تخفى خلفها نظرة ثاقبة للواقع، فعندما سئل عن رأيه فى عمل المرأة قال: نحن مقدرون للمرأة فضلها فى خروجها للعمل لتشارك زوجها أعباء الحياة الاقتصادية ولكن بحساب المكسب فى خروج المرأة للعمل وبحساب الخسارة سنجد أن الخسارة أكبر من المكسب، فوجود المرأة فى العمل ليس إضافة بل عبء وعمالة زائدة وبطالة مقنعة وتتقاضى راتبا أسميه معاشا لا تستحقه لأنها تشغل وقت العمل بشغل التريكو وتقميع البامية، ولا أنكر أن هذا يتساوى مع الموظفين الذى يشربون القهوة ويحلون الكلمات المتقاطعة، لكن إذا نظرنا إلى مرتب المرأة فهو لا يكفى راتب الشغالة، هذا بجانب أن التربية انعدمت نتيجة غياب الأب والأم، ونحن عندما نقول ذلك يقولون «رجعيون يريدون العودة لعصر الحريم»، وهذا غير صحيح لأننا عصريون، والعصرية تعنى أساسا أن تكون على مستوى العصر وما يطلبه منا وأن تنشأ لدينا أجيال على أكبر قدر ممكن من التربية وتحمل المسؤولية، وهذه المهمة لن ينجح أحد فيها سوى المرأة خصوصا بعد أن انفصلت التربية عن التعليم لأسباب لم يعلن عنها.

جرأة أحمد رجب فى طرح آرائه تجعله دائما حالة متفردة فهو يرى بعين الفيلسوف لكنه يضع الدواء برؤية الطبيب المعالج، فمثلما فرق بين أهمية عمل المرأة ونتائج خروجها لهذا العمل، فرق أيضا بين الحب والزواج حين قال: إن تسعة وتسعين فى المئة من خناقات الحب سببها الغيرة وإن تسعة وتسعين من خناقات الزواج سببها الفلوس، وذلك لأن الحب يرفع دائما شعار بلا مقابل، فالإنسان يحب أحيانا من طرف واحد بلا مقابل: حديقة عامة أو شاطئ بحر أو ضفة نهر، لكنه لا يستطيع أن يتزوجها إلا فى مسكن بالإيجار أو التمليك!

والحب دائما يحلق فى السماء، والزواج له بيت لصيق بالأرض، ولأن الزواج له بيت فيه أبواب ونوافذ، فإن المثل الإنجليزى يقول «إذا دخل الفقر من الباب قفز الحب من النافذة».. والحب غير مسؤول، لأن الحب دائما نشوان يهذى، أما فى الزواج فالكلام محسوب وخال من أى هذيان، ففى الحب بصلة المحب خروف، وفى الزواج بصلة المحب بصلة حقيقية، وإذا استمر يطعم زوجته هذه البصلة، فسوف يدفعها دفعا إلى أن تفتش فى قانون الأحوال الشخصية عما ورد بشأن هذه البصلة!

مثلما كان أحمد رجب قادرا على إيضاح الفرق بين الحب والزواج كان أيضا واضحا فى تفسير سر نجومية فنان على حساب فنان آخر بقوله: درجة انتماء النجم إلى مجتمعه تحدد حجم جماهيريته، فمثلا ما من أحد يرى سعاد حسنى إلا ويشعر أنها ابنته أو أخته أو ابنة أخيه، أما عبد الحليم فكان نبض الناس وأرق تعبير عن انفعالاتهم وبغيابه يبقى لنا نعيق البوم وأصوات الغربان، وكذلك فاتن حمامة لأنها إنسانة مصرية بسيطة مثل أى واحدة من عائلاتنا، ونفس الشىء بالنسبة إلى فريد شوقى فقد نجح لأنه نموذج موجود فى حارتنا، وكذلك حسن يوسف فهو نموذج للولد الشقى الموجود فى كل بيت.

علاقة أحمد رجب بكل الفنانين وصداقته لهم يمكن أن تضعها فى كفة، وصداقته بعبد الوهاب فى كفة أخرى، فقد كان قريبا منه بدرجة جعلته يكتب مسلسلا للإذاعة يروى فيه قصة حياته، ليقوم عبد الوهاب بنفسه ببطولته، علاوة على أنه كتب له مسلسلا إذاعيا اسمه «شىء من العذاب» تم فى ما بعد تحويله لفيلم سينمائى، لكن أكثر موقف بقى فى ذاكرة أحمد رجب عن علاقته بالموسيقار كان فى أثناء وجودهما فى الإسكندرية ويرويه قائلا: كنت ذات صيف بعيد أجلس مع عبد الوهاب فى شرفة منزله بالإسكندرية عندما اقترح أن نذهب إلى قصر المنتزه لأنه يريد أن يتجول فى غاباته الهادئة وقت الغروب، وفى الغابة الجميلة التى لم يعد لها وجود الآن سرت إلى جوار الموسيقار الكبير وقد انشغل تماما عن الحديث بتلحين أغنية «بافكر فى اللى ناسينى»، وشيئا فشيئا علا صوته باللحن: «وأدوّر ليه على جرحى.. وصاحب الجرح مش فاكر؟ وأقول يا عينى ليه تبكى ما دام الليل مالوش آخر؟» ثم تسلطن الإمبراطور تماما وانطلق يغنى كأنه فى حفل عام: «وأقول يا عينى ليه ليه ليه تبكى...؟» وراح يبدع فى ترديدها بأشكال مختلفة، ثم فجاة قال لى: «تعالَ نجيب العود من العربية»، وعلى الرصيف جلست إلى جواره وهو يحتضن العود، ويردد: «عذاب الجرح يحرمنى من الدنيا اللى أنا فيها.. وطول الليل يرجعنى لدنيا كنت ناسيها».

ويستكمل أحمد رجب كلامه قائلا: لم أستمتع بالفنان العظيم مثلما استمعت به فى تلك الأمسية ولم يقطع متعتى إلا سائح أوروبى تقدم منا ونحن على الرصيف ودس فى يدى «شلن».. افتكرنا شحاتين!

علاقة أحمد رجب بكبار المطربين وعلى رأسهم عبد الوهاب جعلته من أكثر الناس تأثرا لما حدث للغناء، لذلك قال: تطورت الأغنية تطورا هائلا بفضل مغنيات الفياجرا كليب حتى إن إحداهن تباهت بأنها أثارت الحصان الذى ظهر معها إثارة شديدة، ولعل الانقلاب الذى أحدثته هؤلاء المغنيات أن المغنية لم يعد صوتها يصدر من فمها.

أحمد رجب صاحب أذن موسيقية، ولديه ذوق رفيع فى الاستماع إلى الموسيقى، فطوال فترة وجوده فى مكتبه يستمع إلى الموسيقى الكلاسيك ويفضل مقطوعة بيانو ل«بيلا بارتوك» (واحد من أبرز مؤلفى الموسيقى فى القرن العشرين)، هذا بجانب صداقته لعمالقة الغناء فى الستينيات، لذلك عندما صار كل من «هب ودب» مطربا، علق بقوله: هناك فرص عمل كثيرة جدا للخريجين، فالمجال الغنائى عندنا مفتوح، وأى حد ممكن يغنى وأى حد يستطيع أن يبيع ألبوماته بالملايين، فقد أثبت شعبان عبد الرحيم أن الناس فقدت حاسة السمع.

لم يتوقف حديثه عند شعبان عبد الرحيم لكنه تحدث عن مغنٍّ آخر -لم يذكر اسمه- قائلا: منذ ثلاث سنوات جاءنى رجل يطلب عملا، وفى المرة التالية اقترحت عليه أن يغنى فتصور أننى أسخر منه لأن صوته كمنشار الحداد ويكاد يكون عورة، وبعد فترة قصيرة جاءنى يهدينى ألبومه الغنائى الثانى!

ما حدث فى الساحة الغنائية بصفة عامة انعكس على الأغنية الوطنية بشكل خاص فقد ابتلانا الله بمؤلفى أغانٍ لا عقاب لهم سوى ما كتبه عنهم أحمد رجب عندما قال: إذا كان ليس لك نصيب من توزيعات القوى العاملة لافتقارك إلى مؤهلات، فإن أمامك مهنة لا تحتاج إلى مؤهلات أو ثقافة أو موهبة وتدر كسبا طوال العام مثل تأليف الأغانى الوطنية.

لا يختلف كثيرا مؤلفو الأغانى الوطنية عندنا عن أغلب مؤلفى المسلسلات، فكلاهما لا علاقة له بالفن، لذلك عندما سأل أحد القراء أحمد رجب: لماذا ننفرد دون العالم كله بظهور شخصية العبيط فى المسلسلات؟ أجاب: البعض يرى أن ظهور العبيط ضرورى جدا فى المسلسلات، إذ هو يردد كلاما فيه مغزى ما يريد أن يقوله المؤلف، لكن فى مسلسلات كثيرة لا يظهر العبيط اكتفاءً بالمؤلف!

سخرية أحمد رجب من المطربين ومؤلفى المسلسلات لا تقل عن سخريته من التليفزيون رغم أنه لم يظهر على شاشاته منذ نشأته فى 21 يوليو 1960 حتى الآن سوى مرة واحدة فقط مع الإعلامى طارق حبيب، ولم تستطع الفضائيات -على كثرتها- إغراءه بالظهور فيها لدرجة أن إحدى الفضائيات عرضت عليه مبلغا ماليا ضخما للظهور على شاشتها لمدة ساعة واحدة فقط لكنه رفض، وعندما سألته عن سر امتناعه عن الظهور فى التليفزيون قال: لا أحب الظهور فى التليفزيون لأنه يصنع للناس شهرة زائفة، فهناك شخصيات صنعت مجدها من الظهور فى التليفزيون دون أن تنتج شيئا مفيدا.

لكن هناك سببا آخر لعدم ظهوره تحدث عنه فى نُصّ كلمة بقوله: لست ممنوعا من الظهور فى التليفزيون فلا تظلموا أحدا لأن هذا اختيارى، والسبب فى عدم ظهورى فى التليفزيون هو أننى لا أمتلك منشَّة أهش بها ذبابة التليفزيون!

التليفزيون بالنسبة إلى أحمد رجب يمثّل الملهم الذى يحرك حاسة الساخر بداخله، فكل برنامج ساذج كان هدفه الرئيسى جعل المشاهد يصاب بالتخلف العقلى شاهده وكتب عنه قائلا: نحن لا نريد أن نظلم التليفزيون فنكتفى بما يشكو منه الناس من ملل وكآبة، بل يجب أن نقول ما للتليفزيون وما عليه، وقد سمعت من مصدر ثقة أن خبيرا أجنبيا درس برامج التليفزيون عندنا وانتهى إلى أنها تحمل كل المواصفات الناجحة للبرامج التى تبث للمتخلفين عقليا!

أحمد رجب متابع جيد لما يقدمه التليفزيون البريطانى من برامج ومسلسلات تُسهِم فى الارتقاء بمستوى المشاهد، لذلك فهو يقارن بينه وبين التليفزيون فى بلادنا قائلا: عندما تجلس أمام التليفزيون البريطانى تجد إنتاجا فكريا متميزا تقدمه مجموعة تليفزيونيين على درجة عالية من الثقافة والقدرة على الاستمالة والوصول إلى عقلك وقلبك، الأمر الذى يدفعك إلى المقارنة بالتليفزيون المصرى بما فيه من فكر متواضع وساذج، لكنك لن تلبث أن تكتشف أن المقارنة غير عادلة من جوانب متعددة، خذ على سبيل المثال أصل الفكرة من وجود التليفزيون: ففى بريطانيا نجحت جمعية رعاية المسجونين فى مساعيها فأدخلت التليفزيون إلى السجون للترفيه والتثقيف، بينما اعترضت جمعيات رعاية المساجين فى بلادنا على إدخال التليفزيون فى السجون لاعتباره عقوبة إضافية لم ينصّ عليها حكم المحكمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.