بدأت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون مباحثاتها مع مع الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة ونظيرها الجزائري مراد مدلسي وغيرهما من كبار المسؤولين الجزائريين فور وصولها يوم الاثنين إلى العاصمة الجزائرية حول تعزيز الشراكة الاقتصادية والأمنية ومسائل الساعة الإقليمية والدولية. وبالرغم من الإعلان الرسمي الجزائري أن زيارة كلينتون تندرج في سياق الدورة الأولى للحوار الاستراتيجي الجزائري -الأميركي االذي انعقد في واشنطن يوم 19 أكتوبر الجاري والذي أعطى دفعا ملحوظا للتشاور السياسي بين البلدين، إلا أن مراقبين يرون أن الزيارة تأتي في وقت تقرع فيه طبول الحرب لشن هجوم كاسح ضد الجماعات الجهادية التي تسيطر على شمالي مالي (إقليم أزواد) المجاور للجزائر، والذي تتوجس منه الجزائر خوفا من دخول قوات اجنبية إلى منطقة قد يهدد أمنها القومي على المدى البعيد.
وتتناول المباحثات تداعيات التدخل العسكري "الوشيك" في شمالي مالي بعد سيطرة الجماعات المسلحة على المنطقة منذ شهر نيسان (أبريل) الماضي. وكانت الناطقة باسم وزارة الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند اشارت إلى أن المشاورات التي ستجريها كلينتون في الجزائر ستشمل الأزمة في مالي وتنظيم "القاعدة في المغرب الإسلامي" وقالت: "سنتقاسم المزيد من المعلومات عن تفكيرنا ونحن نعد للذهاب، ولكن من الواضح أننا لن نحكم مسبقا على المحادثات قبل أن تحدث"، مشيرة إلى أن لدى الولاياتالمتحدة علاقات قوية مع الجزائر "وأن من المهم أن نعمل معا بشأن هذه القضايا". وتعد زيارة كلينتون للجزائر الثانية من نوعها خلال العام الحالى اذ انها قامت يوم 25 شباط (فبراير) الماضي بزيارة أولى في إطار جولة مغاربية وكانت مخصصة للإصلاحات الديمقراطية. ومن المقرر أيضا أن تنعقد الجولة الثانية من الحوار الإستراتيجي بين البلدين في الجزائر عام 2013. وتقول مصادر أميركية إن الولاياتالمتحدة قد انضمت إلى فرنسا في ممارسة ضغوط دبلوماسية لكسب موافقة الجزائر لإشراك قواتها الجوية في العمليات العسكرية التي تقرر القيام بها في إقليم أزواد في شمالي مالي خلال الفترة المقبلة بدعوى منع انتقال التهديد الذي تشكله الجماعات الإسلامية المسلحة التي ترتبط بعلاقات مع تنظيم "القاعدة" إلى بلدان أخرى. ومن المتوقع أن يقوم الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بزيارة الجزائر في شهر كانون الاول (ديسمبر) المقبل تهدف في جانب كبير منها إلى تحقيق الدعم النهائي لخطة التدخل العسكري في شمال مالي مع بداية العام المقبل. وكان وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا قد تعهد بإنهاء خطر تنظيم "القاعدة" في شمالي مالي. وقال في مؤتمر صحافي بمشاركة رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات الأميركية الجنرال مارتن ديمبسي يوم الخميس الماضي إن "توجهنا هو ضمان أن لا يكون للقاعدة وعناصرها أي مكان يختبئون فيه.. وقد قمنا بمطاردتهم أينما كانوا سواء في أفغانستان أو في اليمن أو في الصومال أو في شمال أفريقيا". ويقول مسؤولون أميركيون غربيون إن الاقتراح الذي قدم إلى مجلس الأمن في مطلع الشهر الجاري لتشكيل قوة دولية لشن عملية عسكرية في شمال مالي لا يمكن أن ينجح من دون دعم الجزائر التي تخشى بدورها من أن يؤدي تشكيل مثل هذا التحالف إلى دفع المتشددين الإسلاميين إلى خارج مالي ما قد يدفعهم إلى عبور الحدود الجزائرية بما يعنيه هذا من تهديد لأمن الجزائر القومي على المدى البعيد. كما تخشى من أن يكون التدخل الأجنبي مقدمة لإقامة قواعد عسكرية فرنسية وأميركية على مقربة منها. وقال مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية: "هناك بداية لتحريك الفكرة، والنقاش بشأن كيفية تنفيذها". يذكر أن الجزائر أعلنت قبل شهر تقريباً دعمها للحل العسكري في المنطقة كحل أخير لطرد الجهاديين، لكنها شددت على أن ذلك لا يعني السماح بوجود قوات أجنبية على حدودها أو على أراضيها. وقال وزير الخارجية الجزائري مراد مدلسي اخيراً عقب مباحثاته مع نظيره المالي تيمان هوبار كوليبالى في باماكو أنه إذا كان التدخل العسكري في شمال مالي يهدف إلى "محاربة الإرهاب" فإن ذلك "مهم" وأن الجزائر تنوى المضي في هذه المكافحة بشتى الوسائل. ويكرر مسؤولون أميركيون أن بلادهم لا تعتزم إرسال قوات برية للمشاركة في أي عملية عسكرية في شمال مالي، غير أنهم في الوقت نفسه يؤكدون وجود نحو 12 من المستشارين العسكريين الأميركيين في مالي يعملون من خلال السفارة الأميركية هناك. وتتجه الولاياتالمتحدة إلى استخدام نموذج "الحرب بالوكالة" اذ عملت منذ عام 2007 على وضع خطة لتدريب وتمويل قوات أفريقية يصل عددها إلى 18 ألف جندي وتزويدها بالأسلحة للقتال في الصومال بكلفة 550 مليون دولار. وذكرت صحيفة "واشنطن تايمز" أنه بينما تظهر الخريطة أن منطقة شمال وغرب أفريقيا تصبح شيئا فشيئا ساحة قتالية وملاذا للجماعات الاسلامية، لا تزال القيادة الاميركية لأفريقيا - المنوط بها إجراء عمليات عسكرية - ليست بكامل قوتها وحجمها بعد". وقالت الصحيفة: "بينما انتظرت القيادة الاميركية القتالية داخل القارة السمراء لأي أمر قد يصدر من وزارة الدفاع (البنتاغون) يخولها التدخل عسكريا لحماية مواطنيها عقب حادث بنغازي، اغفلت حقيقة افتقارها لوحدة قتالية رئيسية من المفترض أن يرسلها البنتاغون لكل قائد أميركي قتالي يتم إيفاده سواء إلى منطقة الشرق الاوسط أو المحيط الهادي أو أفريقيا كما هو الحال في هذه الحالة". وقد أجرى وفد أميركي يضم مسؤولين كباراً من وزراتي الدفاع والخارجية محادثات في باريس الأسبوع الماضي لبحث خطط للتدخل العسكري في شمال مالي وذلك بتشكيل قوة تدخل أفريقية من مالي وعدد من الدول الأفريقية من منطقة الإيكواس (المنطقة الاقتصادية لغرب أفريقيا) التي أبدت استعدادها لإرسال نحو 3300 جندي إلى مالي لإنهاء سيطرة الجماعات الإسلامية المتشددة على شمال مالي، إذا ما حصلت على دعم من الأممالمتحدة والدول الغربية. وقد تعهد الاتحاد الأفريقي يوم الأربعاء الماضي بوضع خطة عمليات نهائية للقوة الأفريقية في نهاية الشهر الجاري على أن تقوم الدول الغربية بتمويل وتسليح هذه القوة. ومن المتوقع أن يقوم الاتحاد الأوروبي ببحث هذه المسألة في اجتماع وزراء خارجيته في 19 نوفمبر المقبل، فيما يتعين على الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أن يقدم خطته مع نهاية الشهر ذاته لمساعدة مالي في وضع خطتها بهذا الشأن. وكان تنظيم "القاعدة فى بلاد المغرب الأسلامي" قد أكد استعداده لمواجهة التدخل العسكري الذي يجري التحضير له من قبل فرنسا ودول إفريقية بشمال مالي. وقال يحيى أبو الهمام - الذي يوصف بأمير منطقة الصحراء في "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" فى بيان له اخيراً - "ان دق طبول الحرب ضدنا ليس وليد اللحظة والمتغير الجديد هو محاولة فرنسا إقحام بعض الأنظمة التابعة لها بشكل مباشر في هذه الحرب متذرعة بسيطرة الجماعات الإسلامية وتطبيقها للشريعة في إقليم أزواد". وأضاف أبو الهمام - الذي ينحدر من الجزائر - أن "ما تدعيه فرنسا وغيرها من الدول الغربية من ضرورة الحفاظ على وحدة أراضي مالي ما هو إلا شكل من أشكال النفاق السياسي المعروفة عن هذه الدول". وهدد أبو همام بإعدام الرهائن الفرنسيين الذين يحتجزهم التنظيم في حال مشاركة باريس في التدخل العسكري فى مالي. ويذكر أن القاعدة تحتجز منذ أكثر من عام ، تسعة أوروبيين بينهم ستة فرنسيين بعد اختطافهم في مالي. من جانبها دعت الجزائر المجتمع الدولي إلي مساعدة دول الساحل الإفريقي، لتعزيز قدراتها على مكافحة الاتجار بالأسلحة الخفيفة بطرق غير مشروعة، والتي تشهد انتشارا واسعا في المنطقة بسبب ضعف التغطية الأمنية وسيطرة الجماعات المسلحة على مناطق فيها.