هذا المقال لا هزل فيه ولا استظراف.. فعن نفسي .. أنا في حداد لا أعرف مدته.. حالة غير مسبوقة من الحزن على 16 من خيرة شبابنا.. رجالتنا.. سندنا وضهرنا راحوا في لحظة واغتالتهم يد غادرة قبل ان " يبلوا ريقهم " بعد صيام يوم طويل بشربة ماء.
وكنت قد ظننت من كثرة انتهاكات القوات المسلحة بعد الثورة لشبابنا وبناتنا ان تعاطفي معهم وحبي لهم قد قل .. وكنت أحاول دائما إن أفصل بين المجلس الأعلى والجيش.. لكن الأمور في الشهور الأخيرة اختلطت ببعضها ، فأصبح المجلس هو الجيش ، أو هكذا أرادوا لنا أن نرى الأمور على هذا النحو ، بحيث لو انتقدنا المجلس فكأننا نسبُّ الجيش .. فاختزلوا الكثير من المحبة في قلوبنا لأبنائنا على الجبهة ، لولا ان حدث ما حدث لتسطع دون إرادة منا محبة خالصة - كنا ظنناها قد توارت - لرجال جيشنا البواسل الذين أدموا قلوبنا وقلوب أهاليهم.
غير ان الذي حدث لا يجب أن يمر مرور الكرام دون محاسبة ومكاشفة .. لابد من الحساب العسير ولو حتى مع النفس لكل من تسبب في هذه الكارثة التي أحمل مسؤوليتها كاملة في رقبة المشير محمد حسين طنطاوي القائد الأعلى للقوات المسلحة.
نعم .. لابد أن نقولها وبصوت عال : سيادة المشير طنطاوي أنت الذي قتلت أبناءك على الجبهة .. انشغلت عنهم وغرست نفسك في الأمور السياسية.. ونسيتهم .. نعم نسيتهم أنت ومجلسك العسكري .. لم تتعجل العودة وبسرعة إلى مكانك الطبيعي لحماية البلاد وجريت وراء مصالحك الشخصية وحاولت أن تؤمن نفسك ومن معك في المجلس .
ولم تفكر في تأمين حدود مصر من اى عدوان خارجي .. جرّتك - بإرادتك - السياسة إلى دهاليزها وألاعبيها العفنة .. وأنت عنها بعيد .. ليست مجالك ولا ملعبك .. وقلناها بدلا من المرة مليون مرة: عودوا إلى ثكناتكم.. حدودنا مفتوحة ومكشوفة .. والعدوان علينا أسهل عند العدو من شكة الدبوس .. لكننا كنا كمن يؤذن في مالطة .. لا أحد يسمع ولا أحد يستجيب .. والكلمة التي على لسانهم : لمن نترك البلد .. هل تريدون أن نرحل ونتركها لمن يريد بها فسادا وعبثا ؟ .. والحقيقة المُرة - وأعيدها المُرة – انك أنت وليس غيرك يا سيادة المشير ومعك مجلسك العسكري الذين اردتم بها عبثا وفسادا وانشغلتم بالدستور وكيف يتم توظيف بنوده لمصالحي الشخصية .. الشخصية جدا .. كيف أحافظ على مكتسباتي أيام المخلوع ، ولا ألقى بها على قارعة الطريق .. انشغلتم بشفيق ومن قبله عمر سليمان الله يرحمه ليكون لكم سندا يؤمن حاضركم ومستقبلكم .. ومن قبلها .. دخلتم في لعبة الانتخابات وأبرمتم الصفقات " من تحت التربيزة " مع الإخوان ولم تكن مصر - ولو أقسمتم لنا ثلاثا - في ذهن أى منكم .. فقط فكرتم في أنفسكم وثرواتكم ونصف اقتصاد البلد الذي في أياديكم .. وانشغلتم كلية عن المهام الأساسية المناطة بكم .
وهى حماية مصر وأبناء مصر .. وتركتوها لمن يريد ان يعبث بها ويضربها في مقتل ، فكان ماكان .. ومات من أبنائنا 16 ضابطا وجنديا .. أعيدها يا سيادة المشير أبنائنا ولا أقول أبناءك .. فلو كانوا أبناءك ماغفوت عنهم لحظة ، وتركتهم يموتون في غمضة عين قبل الإفطار.. ربما دعي كل واحد منهم لحظتها ان ينال الشهادة ، وهو يحارب على الجبهة .. يحارب عدوه ويدافع عن بلده .. لكن لم يخطر ببال أحد منهم أن تغتاله منه رصاصات غدر .. تأتيهم من كل اتجاه ، ومنهم من كان قد توضأ للصلاة .. ومنهم لم يبتلع بعد تمرته.
مات الولاد وهم على الحدود .. ظنوا أن وراءهم رجالا يحمون ظهورهم واكتشفوا أنهم مخدوعون " مضحوك عليهم ".. اكتشفوا أن وراءهم " شوية نسوان " .. تعشق اللت والعجن وفرش الملاية والردح على أصوله .. نسوان مشغولة بنفسها " مش بعيالها " .. نسوان مشغولة بمين اللي قال ومين اللي عاد وحنتفق مع مين عشان نضرب مين وكلام قذر كانت نتيجته ان راح منا زهرة شبابنا في لحظة والمؤلم والموجع لا نعرف من الفاعل ومن وراءه.
جهاز مخابرات حربية لا يصلح إلا للعبة عسكر وحرامية .. لعبة خايبة كنا نلعبها زمان وكان الحرامي دائما اذكي من العسكري .. جهاز مخابرات لو حتى تدرب على لعب " البلاي ستيشن " لكان اكثر ذكاء واقل غباء مما هو فيه وعليه .. لكن لا أحد من قيادات القوات المسلحة منذ ثورة 25 يناير منتبه لما يمكن أن يحدث ويهدد أمننا .. وإذا كان رب البيت بالدف ضاربا فشيمة أهل البيت الرقص .. ورب البيت هنا الذي اقصده هو المشير طنطاوي .. إما أهل البيت " الرقاصين " فهم أعضاء مجلسه العسكري والضحية في النهاية ولادنا احنا مش ولادهم.
وهنا يبرز سؤال او لعل من يقرأني الآن يسأل : ولماذا لا تلقي باللوم أيضا على الرئيس محمد مرسي .. أليس هو المسئول الأول عما حدث على الأقل سياسيا ؟ .. والسؤال وجيه ولا اعفي مرسي من مسؤوليته غير ان الإلقاء عليه باللوم فيه الكثير من المغالاة .. فالرجل لم يمض شهر على توليه الرئاسة .. وان كان المشير ومجلسه العسكري يريدون إلقاء الكرة في ملعبه " ليشيل الليلة " وحده.. لذلك أقنعوه بعدم حضور الجنازة الشعبية الرسمية التي لم تكن ابدا لتليق بجنودنا وضباطنا الشهداء من الهرج والمرج والانفعالات الغبية التي لم تحترم حرمة موكب جنائزي ..
واخطأ مرسي بسماع النصيحة " اللئيمة " وغاب عن المشهد طواعية ليسحب هذا الموقف من رصيده الكثير .. وقد حاول مرسي تحسين صورته واتخاذ موقف فأصدر قراراته بإحالة مدير المخابرات الحربية إلى المعاش مع اللواء بدين ومحافظ سيناء .. لكن السؤال الأهم : هل كان يجرؤ الرئيس محمد مرسي المنتخب على إقالة المشير طنطاوي وعنان وشلة اللواءات الآخرين؟ ..لا أظن انه يجرؤ على هذا الفعل ولن يجرؤ .. اكتفى الريس مرسي بما اتخذه وعمل بالمثل القائل " مقدرش ع الحمار اتشطر على البردعة!!