ما يجرى الآن فى كتابة الدستور الجديد للبلاد لا يمكن إلا وصفه بأنه سلق للدستور.. فهناك محاولة حثيثة من اللجنة التى تقاد من خارجها لإنهاء مشروع الدستور «المجهّز سابقًا» قبل حكم المحكمة بحل اللجنة التى لم تختلف كثيرًا عن اللجنة الأولى التى تم حلها بحكم القضاء.. ولعل ما يجرى من جلسات ومناقشات.. وجلسات استماع.. وزيارات إلى المحافظات كانت هناك مقاطعات من قوى سياسية كثيرة فى تلك الزيارات.. هو جزء من المسرحية.. فكل شىء معد سابقا.. وأن ما يجرى هو من الضحك على الذقون.
ولعل ما يتسرب من داخل اللجنة والبنود المقترحة للدستور لا ينبئ أبدًا بأن يكون دستورًا يعبر عن بلد يسعى إلى الديمقراية وبناء مجتمع حديث.. ولعل فى بعض المواد المقترحة أسوأ مما جاء فى دستور 71 غير المأسوف عليه.. فلا يعقل مثلا أن تكون مواد الحريات هى أسوأ مما جاء فى دستور 71.. بل ويصل الأمر فى شأن الصحافة عودة إلى الوراء والنص على الحبس فى قضايا النشر فى جرائم السب والقذف «نص المادة (21) فى باب الحقوق والحريات»، وهو الذى تم إلغاؤه فى عهد النظام الديكتاتورى السابق بعد معركة بين الصحفيين وأركان نظام مبارك الفاسدين المفسدين.. أيعقل أن الحبس فى قضايا النشر والتى تطالب الجماعة الصحفية بإلغائها من قوانين العقوبات وناضلوا من أجل ذلك عبر سنوات طويلة فى ظل الحكم الاستبدادى.. فيأتى الدستور الجديد بعد الثورة لينص عليها فى الدستور؟!
طبعًا يحدث ذلك.. وهناك أعضاء فى اللجنة من الكتاب والصحفيين مثل أيمن نور ووحيد عبد المجيد.. فضلًا عن نقيب الصحفيين، وواضح أنه مُغيّب تمامًا.. أو لا يدرك شيئًا من ذلك، واكتفى بما قدمته نقابة الصحفيين من مقترحات فى هذا الشأن.. ويهتم هذه الأيام بتغيير رؤساء تحرير الصحف الحكومية ويساند عددًا ممن يجلبون الإعلانات ويعملون مستشارين لمؤسسات ليتولوا رئاسة التحرير معتمدًا فى ذلك على علاقته الناشئة بالحاج فتحى شهاب صاحب لجنة اختيارات رؤساء التحرير.. وعلاقته القديمة بتنظيم الإخوان والذى كان ينكرها دائمًا.. فالسيد النقيب لا تهمه الحريات.. بقدر ما يهمه أن يأتى بصديقه «السمسار» على رأس إحدى الصحف..
وبالطبع ماذا تنتظر من لجنة تدار من خارجها وفى نفس الوقت تضم شخصيات تدعو دائمًا إلى مصادرة الحريات؟! وماذا تنتظر من لجنة بين أعضائها مَن لا يعترف بالسلام الجمهورى للدولة، وماذا تنتظر من أعضاء فى اللجنة لم يتحدثوا مطلقًا مع هذه الشخصيات التى لم تحترم السلام الجمهورى للدولة! لقد أصبنا بخيبة أمل كبيرة فى شخصيات كنا نعتقد أنها تسعى إلى دولة ديمقراطية حديثة.. فإذا بهم يلتفون ويدورون.. ويسيرون على نهج من يكوش على السلطة!
لقد أُصبنا بخيبة أمل كبيرة فى المستشار حسام الغريانى الذى يرأس اللجنة التأسيسية.. كما أُصبنا فيه من قبل بخيبة أمل عندما رأس مجلس القضاء الأعلى بعد الثورة وبفضل الثورة.. وتخيلنا أنه سيطهر القضاء ويمنحه استقلالًا دعت الثورة إليه.. وكان هو على رأس تيار استقلال القضاء فى نادى القضاة إبان أزمة النادى مع السلطة فى عام 2005.. ولكن لم يحدث شىء فى القضاء، وليتسلم اللجنة التأسيسية مع خيبة أمل كبيرة.
أيضًا أُصبنا بخيبة ألم كبيرة فى المستشار محمود الخضيرى الذى كان يناضل من أجل الديمقراطية فى ظل نظام مبارك الفاسد المستبد.. وكأنهم كانوا شخصيات ضمن خلايا نائمة! وما زالت هناك شخصيات فى اللجنة.. نرجو أن لا يخيب ظننا فيهم..
فلا نريد دستورًا مسلوقًا مفصلًا على مقاس جماعة.. وإنما من أجل مستقبل أمة تريد أن تنهض بالديمقراطية.