الرئيس محمد مرسى الذى دخل الانتخابات الرئاسية الحقيقية التى تعد الأولى فى تاريخ مصر المعاصر والقديم، كان يعلم تمامًا أن الرئيس القادم ليست له أى صلاحيات منصوص عليها فى الإعلان الدستورى الصادر فى 30 مارس 2011 أو الإعلانات الدستورية التى صدرت بعد ذلك.
لكنه بعد أن تم الإعلان الرسمى عن فوزه برئاسة الجمهورية أكد أكثر من مرة فى أكثر من لقاء، أنه «لن يتنازل عن أىٍّ من صلاحياته»، إلا أنه لم يشر من قريب أو بعيد إلى حجم هذه الصلاحيات أو طبيعتها، فهل يريد أن تكون له صلاحيات مبارك الذى ثُرنا عليه فى الخامس والعشرين من يناير 2011؟ وهى صلاحياتٌ اتفق الجميع (بمن فيهم الإخوان المسلمون) على أنها صلاحيات إلهية، ولا تُمنح لحاكم يحكم شعبًا إلا إذا كان ديكتاتورًا يحكم قطيعًا من العبيد.
محمد مرسى أعلن نفسه رئيسًا للجمهورية فجر 18 يونيو الماضى، أى مر عليه أكثر من شهر تقريبًا وهو متأكد أنه رئيس للجمهورية الثانية، وكان عليه أن يستعد ويعلن فريقه الرئاسى من اليوم الأول لتأكده أنه الرئيس، لكنه دخل معارك لا تهدف لنهضة البلد أو للحكم الفعلى للبلاد فى ضوء ما هو مطروح.. فى البداية كان صراعه مع اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية، لشكه فى إمكانية إعلان النتيجة لصالحه، ثم بعد أن أعلنت اللجنة فوزه بالرئاسة وأنه الرئيس الحالى لمصر بأغلبية أصوات الناخبين، بدأ صراعه مع الإعلان الدستورى المكمّل، وهل يُقسم أمام «الدستورية العليا» ليأخذ الشرعية لكنه بذلك يكون قد اعترف بالإعلان المكمّل (أو المكبّل)، أو يحلف أمام المعتصمين فى التحرير ويرفض هذا المكمّل جملة وتفصيلا، ثم بدأ صراعه مع «الدستورية» ثانية حول عودة مجلس الشعب (يريد مجلس الشعب بدلا من المجلس العسكرى، لأنه واثق أن أعضاء البرلمان سيمنحونه الصلاحيات التى يريدها، بخلاف العسكرى)، والآن صراعه مع القضاء الإدارى حول اللجنة التأسيسية للدستور، التى يثق أيضا أن أعضاءها سيمنحونه الصلاحيات التى يريدها (حتى لو كانت صلاحيات مبارك التى ثُرنا عليها وعليه).
أكثر من عشرين يومًا مرت على مرسى رئيسًا شرعيًّا للبلاد (أقسم اليمين يوم الجمعة 29 يونيو أمام المعتصمين فى ميدان التحرير، وأقسمها ثانية فى اليوم التالى {السبت} أمام المحكمة الدستورية، ومن يومها وهو الرئيس الشرعى للبلاد) تعهد أنه خلال 100 يوم سوف يبدأ نهضة يحاسبه الشعب على نتائجها، لكنه خلال الفترة الماضية لم يفعل شيئًا سوى اجتماعات لتشكيل الحكومة، ومشاورات من أجل عودة المجلس الباطل قانونًا، وحوارات بشأن تحصين اللجنة التأسيسية التى شكلها المجلس الباطل.
كل الفترة الماضية ومرسى التزم تجاه الشعب الذى اختاره، بتعهدات هو الذى تعهد بها فى برنامج انتخابى هو الذى قدمه)، ورغم ذلك لم يختر رئيسًا جديدًا للحكومة، بل إنه لم يستقر على وزير واحد، إنه أصلا لم يعلن فريقه الرئاسى ولا نوابه أو نائبه الذى يثق فى إنجاز برنامجه الانتخابى، وكان من المفترض أن يكون مستقرًا عليه منذ خوضه الانتخابات الرئاسية.
إن محمد مرسى خلال الأيام الماضية كان يبحث عن صلاحيات لا يعلم حجمها، أو يعلم لكنه يخشى المعارضة الكاملة والرفض المطلق لهذه الصلاحيات التى ما صدق الناس أنهم سلبوها من سلفه المخلوع.
حتى جولات مرسى الخارجية كانت تهدف لتأكيد استعادته كل الصلاحيات وإشعار للعالم الخارجى بأن مصر لها رئيس واحد وسلطة واحدة هى التى تقرر وهى وحدها التى تنفذ، متمثلة فى السيد الرئيس محمد مرسى.