يتملكني الزهو أحياناً وأفكر في كُتَّاب سيرتي الذاتية المحتملين، وأنني ربما حظيت بعبارات من نوع : الشيطي أحمد زغلول 1961.... طبعاً بعد ملء مكان النقط ثم أغرق في أحلام يقظة عن رجل يعد رخامة قبره، موصياً الخطاط باستخدام الخط الفارسي، وأن يثبت بعد اسمه تاريخ الميلاد متمنياً لو أنه استطاع حل معضلة تاريخ الختام، حتي تخرج اللوحة الختامية في أبهي صورة، لم يتصور أبداً إمكانية وجود متطوع لإضافة تاريخ الختام، محتذياً النسق الفني للوحة هذا إن اهتم أحد أصلاً بكتابة التاريخ مما دفعه في أوقات كثيرة لأن يتأمل إمكانية وضع تاريخ افتراضي مرض نوعاً ما، آملاً أن كمال اللوحة سيغني عن دقة التاريخ، غير أنه تراجع عن هذا المنحي خشية أن يكون التاريخ الافتراضي أقصر من التاريخ المقدر فتضطر روحه إلي الصعود نزولا علي أمر اكتمال اللوحة. تملكه هوس تاريخ الختام مثلما تملكني الزهو وأنا أحلم باسمي الذي يبدأ بحرف الألف «أ» في العربية و«a» في اللغات اللاتينية، ما يعني أن اسمي سيتصدر الموسوعات قبل وليم شكسبير وصمويل بيكت ونجيب محفوظ وجمال عبد الناصر وهتلر، وسيتجاور حتما مع ألبير كامو وأحمد لطفي السيد وأحمد أمين وأبو الطيب المتنبي، تلك هي الحتمية الشائعة التي تنتهج الترتيب الأبجدي، مثل قطار يسير علي قضيبين، غير أنني لا يمكنني الجزم بالمادة التي ستضاف إلي اسمي، وأسرف في الظن أن أعظم كُتاب سيرتي الذاتية لن يمكنه كتابة سيرة ذاتية عن حياتي لسبب وجيه جدا هو أنني لإدراك ما سيرتي الذاتية. لقد تعرضت لحادث سرقة، يد وصلت بدهاء مدروس إلي الأوراق المخفية ولم تترك أثراً، وكانت هذه الأوراق تهم آخرين ما عرضني لتحقيقات مطولة وأنا أرتجف، وكان أصحاب الورق يتهمونني أنني من سرقت الورق للتآمر عليهم، كانوا أصحاب شركات كبري وكان مديرهم المالي يقف في الردهة المظلمة الباردة في الطابق الخامس مع معاونيه منتظراً الأمر بشنقي ما لم يظهر الورق، احتميت بالإنكار التام دون سند، رأف المحقق بحالي وحفظ الأوراق وخرجت من مبني المحكمة وأنا أرتجف من ضغط البول. حين انطوي الأمر برمته جاءتني مكالمة تليفونية من مديرة مكتبي تطلب مني - بصوتها المحمل بنبرة تأنيب معتاد- الحضور لأمر طارئ، رحت أتلمس طريقي في عتمة السلم مستعيناً بكشاف صغير، اهتديت إلي الباب، فوجئت أنه مغلق بقفل ضخم، وتذكرت أن اليوم أجازة وأن المكالمة التليفونية مستحيلة، لا لكون المكتب مغلق فقط بل لأن مديرة المكتب تركت المكتب منذ سنوات بعد وفاة زوجها، وعودتها إلي بلد أهلها. انتابني شلل مفاجئ وأنا أتصور أن أحدهم بالداخل ينصت خلف الباب المغلق إلي ضربات قلبي، حين ارتطمت قدمي بصندوق ورقي ملفوف بعناية علي شكل هدية، لم أجرؤ علي فتح القفل، استدرت ورحت أهبط السلم متوجساً من طعنة قد تواتيني من الخلف. خرجت إلي الشارع، جلست في مقهي قديم اتقاء للمطر المفاجئ، فتحت الصندوق، كانت جميع الأوراق المسروقة كما رتبتها بنفسي. مازلت عاجزاً عن معرفة ما جري فماذا سيفعل كتاب سيرتي الذاتية حيال الأمر؟ هل يمكنهم معرفة مالا أعرف؟ وهل يجوز اعتبار مالا أعرفه هو سيرتي الذاتية، أم أن علينا وضع سيرة ذاتية افتراضية نزولاً علي أمر الاكتمال المتوقع للموسوعات؟