ميدان التحرير سيظل شاهدًا على كثير من المليونيات التى أقيمت فوق أرضه وتحت سمائه ولن ينسى أبدا (ولا الناس سينسوا) أنه كانت هناك مليونيات كثيرة بهدف استعراض العضلات وإظهار القوة العددية ودقة وبراعة التنظيم المليونى أمام التيارات الأخرى المنافسة، بما يؤدى إلى إظهار ضعف الآخر وعدم تماسكه. كان أنجح تلك المليونيات بعد خلع مبارك هى المليونيات التى نظمها ودعا إليها الإسلاميون (الإخوان والسلفيون) ولعل أبرزها جمعة قندهار الأولى والثانية، وجمعة الحسم، وجمعة المطلب الواحد التى رفض فيها المتظاهرون وثيقة السلمى ومبادئه التى اقترحها لتشكيل الجمعية التأسيسية للدستور التى رفضها الإسلاميون. لكن الإسلاميين (خصوصا الإخوان) لم يكتفوا بمليونيات الاستعراض تلك وبدأوا ينظمون مظاهرات لإرهاب الناس (من خصومهم) أو إرهاب المجلس العسكرى (سبقهم إلى ذلك أنصار حازم صلاح أبو إسماعيل عندما نظموا مظاهرات فى ميدان العباسية مناهضة للمجلس العسكرى وللجنة العليا للانتخابات الرئاسية بعد قرارها استبعاد الشيخ حازم من الترشح للانتخابات الرئاسية).. ظهرت مليونيات الإرهاب (الإخوانية) بوضوح بعد انتهاء الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التى كان يتنافس فيها محمد مرسى (مرشح الإخوان وتيار الدولة الإسلامية) مع أحمد شفيق (مرشح النظام السابق وفلوله ومُدّعى الدولة المدنية). بدأت تلك المليونية بظهور محمد مرسى بعد غلق باب التصويت بأقل من ست ساعات على شاشات الفضائيات وإعلان فوزه فى الانتخابات الرئاسية (الإخوان يؤكدون أنهم كانوا حسنى النية فى ذلك، وأن هذا مما يصب فى صالحهم لأنه يُظهر دقة بياناتهم وإحصاءاتهم، خصوصا بعد تأكيد اللجنة العليا للانتخابات صحة ما توصلت إليه حملة مرسى)، وكأن هذا الإعلان كان بمثابة ساعة الصفر لكى يتحرك كل إخوانى غيور على رئيسه، وكل إسلامى يسعى لإظهار دين الله الحق، وبدأ هؤلاء جميعًا يحجون إلى ميدان التحرير، معتبرين أنه قبلتهم الوحيدة (فى البداية كان للاحتفال بالنصر المبين، ثم أصبح بعد ذلك) للضغط على المجلس العسكرى واللجنة العليا للانتخابات الرئاسية، فهل كانت تلك المليونيات بهدف إرهاب المجلس العسكرى وصناديده، أم إرهاب اللجنة الرئاسية وشيوخ قضاتها، أم لإرهاب الشعب المصرى (خصوصا معارضى مرسى، وأيضا مؤيديه حتى لا يترجعوا عن موقفهم الأول)؟ وظهر وقتها كثير من التصريحات الحماسية الجهادية (من شيوخ ودعاة الدولة الإسلامية) بفرضية الجهاد وتعيينه على الكافة، إذا أعلنت النتيجة بغير فوز مرسى. أعلنت اللجنة العليا فوز مرسى شرعيًّا، وأكدت صحة بيانات حملته، وهلل الشعب المصرى والإخوان والإسلاميون، وكبّروا ورفعوا القبعات لفاروق سلطان وأعضاء لجنته، مؤكدين نزاهة القضاء المصرى شاكرين قضاته. وبعد جلوس محمد مرسى على عرش عزيز مصر ودخوله القصر، أكد (مرارًا) أنه لا شىء يعلو على القانون وأن السيادة للشعب وللقانون، وأكد نصًا (ستعود المجالس المنتخَبة)، ثم فسرها القائم بأعمال متحدثه الرسمى بأنها (ستعود بالانتخابات الجديدة أو بالقانون)، فإذا بالرئيس يكون أول قرار له هو عودة مجلس الشعب (مؤكدًا أنه سيعود بالقانون)، مما أثار الاختلاف بين القانونيين والدستوريين من المؤيدين والمعارضين، فضلا عن الخلاف الذى انتشر بين طوائف الشعب المصرى، وعندما أعلن عدد كبير من القضاة اعتراضهم ورفضهم قرار الرئيس مرسى، خرج الإخوان إلى ميدان التحرير مؤيدين قرار عودة مجلس الشعب المنتخَب (مؤكدين أن مجلس شعب منتخَبًا بإرادة حرة، غير شرعى وغير قانونى، خير من مجلس عسكرى غير منتخَب أصلا، وأعطى الشرعية لنفسه وبقوانينه هو)، خرج الملايين لإظهار القوة وإرهاب من حولهم، لكنهم الآن لا يُرهبون المجلس العسكرى الذى نفض يديه من الموضوع برمته وأكد أنه شأن رئاسى خالص، وإنما المقصود هو الشعب بجميع طوائفه، لقد نسوا أن المرة الأولى غير الثانية، فالإخوان فى المرة الأولى لم يكن لديهم ما يبكون عليه عند الخسارة (حيث تم حل مجلس الشعب)، أما الآن فبيدهم ما قد يبكون الدماء بدل الدمع إذا خسروا ما حلموا أكثر من تسعين عامًّا بالوصول إليه (كرسى الرئيس).. لا لميونيات الإرهاب، خصوصا التى ترهب الشعب قبل متخذى القرار.