لا شك أن الفساد، كظاهرة اجتماعية، موجود في كل الدول وفي كل العصور. والفساد السياسي موجود أيضا في كل مكان وزمان. ولكن الأمر يتلخص ببساطة في نقطتين جوهريتين. الأولي درجة ومستوي وحدود ونطاق هذا الفساد، وبالتالي تأثيره المباشر في الأمن القومي. والثانية: تفعيل مواد قانون مكافحة الفساد والجريمة المنظمة، وليس الاكتفاء فقط بالطنطنة حول وجود هذه المواد. لا أحد يحتاج إلي التذكير بأحوال روسيا في تسعينيات القرن العشرين. وعندما جاء فلاديمير بوتين إلي السلطة كان حديثه طوال 8 سنوات يتكرر حول ظاهرة الفساد المستفحلة في كل أجهزة الدولة، والتي أخذت نطاقات اجتماعية مذهلة. ومن أجل مواجهة «العفريت» كان يجب أن يقال له في وجهه إنه «عفريت بن عفاريت». وهكذا أحصي بوتين أهم 4 قطاعات ينخر فيها الفساد في روسيا: القضاء والشرطة والتعليم والصحة. أي ببساطة القوائم الأربع التي تقف عليها أي دولة منذ قديم الأزل، فما بالك بالدولة الحديثة؟! الرئيس الروسي الحالي ديمتري ميدفيديف لم يتخل عن هذا الحديث منذ وصوله إلي السلطة. ولكنه فجأة، وبعد أن فاض الكيل، قام بإقالة 17 جنرالا دفعة واحدة من مناصبهم في وزارة الداخلية الروسية، ومن ضمنهم نائبان لوزير الداخلية الجنرال نيكولاي أوفتشينيكوف والجنرال أركادي إيديليف، إضافة إلي مسئولين آخرين رفيعي المستوي يعملون في أجهزة الشرطة في الكيانات الروسية المختلفة. وتأتي هذه الإقالات في ضوء الانتقادات الكثيرة التي بات يوجهها الرأي العام الروسي ضد العاملين في أجهزة الشرطة علي مختلف المستويات من جراء تورطهم مؤخرا في عدد من الجرائم التي كان لها صدي واسع في المجتمع. هذه الإقالات، وبعيدا عن نظرية المؤامرة، جاءت لسببين علي الأقل. الأول: أعلنه الرئيس الروسي شخصيًا خلال اجتماع موسع لهيئة رئاسة وزارة الداخلية الروسية، وهو أنه تم الكشف في العام الماضي عن 15 ألف جريمة مرتبطة بالفساد. والخطير أنه أعلن محذرا بأن هذا ليس سوي قمة جبل الجليد الطافية. كما أكد أنه تم في العام الماضي وحده تسجيل 43 ألف جريمة ارتكبت ضد سلطات الدولة علي اختلاف مستوياتها. والجرائم ضد سلطات الدولة لا تخلو من الفساد الذي يتميز بأنه من العيار الثقيل. أما السبب الثاني فهو غريب جدًا علي الأقل بالنسبة إلي دول العالم الثالث؛ إذ إن الرئيس الروسي اعتمد في قراره علي ما تذكره وسائل الإعلام في السنوات الأخيرة عن وجود خلل في عمل الشرطة الروسية، خاصة بعد وقوع العديد من الحوادث بمشاركة رجال شرطة.