«تريدون أن أحلف اليمين فى ميدان التحرير.. لكم ما أردتم» كانت هذه هى الرسالة التى وجهها د.محمد مرسى إلى الثوار. «تريدون أن أحلف اليمين أمام المحكمة الدستورية.. لكم ما أردتم» كانت هذه هى الرسالة التى وجهها إلى المجلس العسكرى. «تريدون أن أحلف اليمين فى جامعة القاهرة.. لكم ما أردتم» كانت هذه هى الرسالة التى وجهها إلى المثقفين. إنها محاولة لإحداث التوازن بين د.مرسى الثائر، ود.مرسى رئيس الجمهورية فى لحظة أظنها ليست بعيدة لن يستطيع إرضاء الشارع والعسكر والنخبة، وعليه أن يحدد موقفه.
ورغم ذلك لا يمكن أن نغفل الكثير من الملامح الإيجابية للصورة. رئيس الجمهورية المنتخب على «الحركرك» يسعى حثيثا إلى تحسين مجموعه، وزرع صورة ذهنية عن الرئيس المتواضع والشجاع فى علاقته بالناس، هكذا شاهدناه فاتحا صدره وبلا قميص واقٍ فى ميدان التحرير، ولكن عليك أن ترى أيضا عددا من الحراس يقفون أمامه وكأنهم قميص بشرى واقٍ.
د.مرسى تقدم خطوات إلى قلوب الناس فى خطابه مساء أول أمس فى الميدان، استفاد من العديد من الملاحظات التى قرأها وسمعها فلم يقل مثلا أهلى وعشيرتى حاول أن يغير من مفردات جعلتنا نعيش زمنا غير هذا الزمن، أكد أن مصر دولة مدنية ديمقراطية حديثة ولم يقل بمرجعية إسلامية، رغم أنه فى ميدان التحرير وبين جمهور أغلبه تُشنف آذانه كلمة «إسلامية.. إسلامية».
وعد بأن يبدأ فى بذل جهده للإفراج عن المدنيين المعتقلين عسكريا، وبدأ بالشيخ عمر عبد الرحمن المعتقل فى أمريكا، لا أرى شيئا فى هذا فهو مصرى ولا يعنينا شىء آخر ما دام لم يرتكب جُرما لا يجوز اعتقاله إلا بحكم قانونى.
د.مرسى حرص على أن يلتقى بالجمهور مباشرة، وبالطبع الإجراءات الأمنية وصلت إلى حدودها الدنيا، كما أنه فى التحرير تعمد أن لا يرتدى «جرافت» فى الميدان، بينما وهو فى طريقه إلى حلف اليمين فى المحكمة الدستورية رأى أوتوبيسا يتحرك أوقف عربته وخرج منها ولوح للناس وبعدها توجه إلى الجامعة فى حراسة أمنية محدودة. من الإيجابيات أنه ذكر فى كل خطاباته التالية الثقافة والفنون والإعلام، مشددا على حرية الإبداع.. كنت أعلم أنه لم يقصد فى خطابه الأول إغفال حرية التعبير بعد إعلان نتيجة التصويت، ولكنى فى نفس الوقت أخشى من الهفوات فهى قد تعبر عن شىء مكبوت. لا أدرى بالضبط علاقة د.مرسى بالأدب، ولكن كل من التقى بالدكتور مرسى من الزملاء أكد أنه لا يخاصم الأدب.. تعمد فى خطابه أن يذكر قصيدة حافظ إبراهيم الشهيرة «وقف الخلق ينظرون جميعًا.. كيف أبنى قواعد المجد وحدى»، وإن كان قد استبدل بكلمة المجد الملك، فإنه فى كل الأحوال لم يكسر البيت الشعرى، وهذا يدل على أنه يتمتع بأذن موسيقية.. أتمنى أن لا أخطئ فى تحليلى، لأنى أرى أن الإنسان الذى لا يتجاوب مع الموسيقى يحمل بالضرورة مشاعر متبلدة، بل وشريرة أتذكر كلمة شهيرة لشكسبير فى إحدى مسرحياته يقول فيها «أحذر منه أنه لا يحب الموسيقى»!
الرجل مؤمن بقوة الشعب فهو فوق الجميع فى وقت كان فيه المخلوع لديه قناعة أن بقاءه مرتبط بثلاثة عناصر فوق الجميع «شرطة وجيش وإعلام»، كان الثلاثة هم أعمدة الحكم.. الشرطة تتابع وتعتقل من تشعر أنه من الممكن أن يهدده، والجيش كان لديه ولاء لمبارك القائد الأعلى، ومن الواضح من خلال كل الملابسات أن المأزق أو الشرخ فقط جاء مع ملف توريث الحكم لجمال، ويبقى الإعلام الذى كان تابعا له وللعائلة، والكل يعلم أنه حتى الإعلام الخاص مع اختلاف الدرجة كان يلعب لصالح مبارك والتوريث.
د.مرسى يسعى إلى المصالحة بين الشعب والجيش والشرطة، ولكن كان عليه أن يؤكد أن هذا الأمر لا يستقيم من دون معاقبة الفاسدين سواء فى الشرطة أو الجيش.
هذه المرة أكتب بمشاعر إيجابية عن رئيس الجمهورية، رغم أننى لاحظت أن من تخصصوا فى نفاق مبارك بدؤوا فى نفاق د.مرسى وبنفس المفردات.. لست أدرى إذا كان د.مرسى محصنًا ضد النفاق أم لا؟! إنها عادتهم ولن يشتروها.. أنتظر من د.مرسى أن لا يشتريها منهم!