بعد تعطل دام 4 ساعات.. عودة تطبيق «إنستا باي» للعمل وانتظام الخدمات    عاجل - توقعات الرد الإسرائيلي على هجوم إيران.. ومخاوف من ضرب مواقع نووية    إعلام فلسطيني: جيش الاحتلال ينسف مبان سكنية شمال مخيم النصيرات وسط غزة    سلوفينيا تقدم مساعدات عينية لأكثر من 40 ألف شخص في لبنان    حزب الله يعلن استهداف 23 موقعا لجيش الاحتلال    سيرا على الأقدام.. استمرار دخول الوافدين من لبنان إلى سوريا بعد القصف الإسرائيلي    «لو مكانك اختفي».. رسالة نارية من ميدو ل إمام عاشور (فيديو)    سيراميكا كليوباترا يكشف أسباب فشل انتقال هذه الصفقة إلى الزمالك    أول ظهور ل مؤمن زكريا مع زوجته بعد تصدره «الترند».. والجمهور يدعو لهما    درجات الحرارة في مدن وعواصم العالم اليوم.. والعظمى بالقاهرة 31    عاجل - حقيقة تحديث « فيسبوك» الجديد.. هل يمكن فعلًا معرفة من زار بروفايلك؟    عمرو سلامة يختار أفضل 3 متسابقين في الأسبوع الخامس من برنامج «كاستنج»    مهرجان «الموسيقى العربية» يفقد بريقه!    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 5-10-2024 في محافظة البحيرة    ميدو يكشف كواليس مثيرة بشأن رفض نجم بيراميدز الانتقال إلى الزمالك    حرب أكتوبر.. أحد أبطال القوات الجوية: هاجمنا إسرائيل ب 225 طائرة    سعر الريال السعودي اليوم في البنك الأهلي عقب ارتفاعه الأخير مقابل الجنيه المصري    خرجت عن السيطرة، وسائل إعلام أمريكية تكشف المستور بين الولايات المتحدة وإسرائيل    مصادر بالمركزي: انتظام خدمة إنستاباي بعد إصلاح عطل بسيط في السيستم    بالأدلة، وكيل القندوسي يدافع عن تصريحات اللاعب ضد الأهلي    وفاة جورج قرداحي في القصف الإسرائيلي على لبنان.. ما حقيقة الأمر؟    غارة إسرائيلية جديدة على الضاحية الجنوبية في بيروت    صحة المنوفية: تنظم 8365 ندوة على مستوى المحافظة لعدد 69043 مستفيد    الكشف ب 300 جنيه، القبض على طبيبة تدير عيادة جلدية داخل صيدلية في سوهاج    أعراض الالتهاب الرئوي لدى الأطفال والبالغين وأسبابه    اندلاع حريق داخل مصنع بالمرج    حبس تشكيل عصابي متخصص في سرقة أسلاك الكهرباء واللوحات المعدنيه بالأأقصر    إجراء تحليل مخدرات لسائق أتوبيس تسبب في إصابة 8 أشخاص بالسلام    تناولتا مياة ملوثة.. الاشتباه في حالتي تسمم بأطفيح    جثة على رصيف 10 بمحطة مصر.. والشرطة تحدد هويته    عمرو أديب عن حفل تخرج الكليات الحربية: القوات المسلحة المصرية قوة لا يستهان بها    الحوار الوطني| يقتحم الملف الشائك بحيادية.. و«النقدي» ينهي أوجاع منظومة «الدعم»    لمدة 12 ساعة.. قطع المياه عن عدد من المناطق بالقاهرة اليوم    تفاصيل مرض أحمد زكي خلال تجسيده للأدوار.. عانى منه طوال حياته    عمرو أديب عن مشاهد نزوح اللبنانيين: الأزمة في لبنان لن تنتهي سريعا    عمرو أديب: مشروع رأس الحكمة يوفر 750 الف فرصة عمل    دعاء قبل صلاة الفجر لقضاء الحوائج.. ردده الآن    وكيله الحالي: تصريحات قندوسي صحيحة وأسانده.. واستدعاء الأهلي اليوم جلسة وليس تحقيقًا    الكويت.. السلطات تعتقل أحد أفراد الأسرة الحاكمة    ندى أمين: هدفنا في قمة المستقبل تسليط الضوء على دور الشباب    الجيش الأمريكي: نفذنا 15 غارة جوية على أهداف مرتبطة بجماعة الحوثي اليمنية    المصرية للاتصالات: جاهزون لإطلاق خدمات شرائح المحمول eSim    «مش كل من هب ودب يطلع يتكلم عن الأهلي».. إبراهيم سعيد يشن هجومًا ناريًا على القندوسي    هيغضب ويغير الموضوع.. 5 علامات تدل أن زوجك يكذب عليكي (تعرفي عليها)    معتز البطاوي: الأهلي لم يحول قندوسي للتحقيق.. ولا نمانع في حضوره جلسة الاستماع    عبداللطيف: طه إسماعيل قام بالصلح بيني وبين محمد يوسف بعد إصابتي في سوبر 94    رئيس جامعة الأزهر: الحروف المقطعة في القرآن تحمل أسرار إلهية محجوبة    البابا تواضروس الثاني يستقبل مسؤولة مؤسسة "light for Orphans"    لمدة 5 أيام.. موعد صرف مرتبات شهر أكتوبر 2024 وحقيقة تبكيرها (تفاصيل)    عز يرتفع من جديد.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم السبت 5 أكتوبر 2024    «ممكن تحصلك كارثة».. حسام موافى يحذر من الجري للحاق بالصلاة (فيديو)    تفاصيل الحلقة الأولى من "أسوياء" مع مصطفى حسني على ON    رشا راغب: غير المصريين أيضًا استفادوا من خدمات الأكاديمية الوطنية للتدريب    تناولت مادة غير معلومة.. طلب التحريات حول إصابة سيدة باشتباه تسمم بالصف    عظة الأنبا مكاريوس حول «أخطر وأعظم 5 عبارات في مسيرتنا»    بمشاركة 1000 طبيب.. اختتام فعاليات المؤتمر الدولي لجراحة الأوعية الدموية    أذكار يوم الجمعة.. كلمات مستحبة احرص على ترديدها في هذا اليوم    «وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ».. موضوع خطبة الجمعة اليوم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حمدان أبو زيد يكتب: عفوًا الرئيس.. مصر تحتاج إلى طبيب نفسي
نشر في الدستور الأصلي يوم 28 - 06 - 2012

ثمانية عشرة يومًا كان فيها الميدان عنوانًا لجميع المصريين، الذين ذهبوا وأخذوا مواقعهم وخيامهم وطعامهم وملابسهم الشتوية وأطفالهم ونساءهم، والذين ذهبوا إلى أعمالهم، تاركين قلوبهم فى الميدان تشارك قلوب إخوانهم المرابطين هناك، والذين جلسوا فى منازلهم لا يحركون عيونهم عن شاشات التليفزيون ولا يبعدون آذانهم عن سماعات الراديو ليتابعوا ما يحدث فى الميدان من اعتصام سلمى للشباب.. كان الجميع مصريين، لم يفرق جمعهم شىء، ولم يشتت شملهم هاجس من جنس أو لون أو عرق أو دين، كان الفتيات يقفن بجوار الشباب، غير خاشيات من تحرش أو سفالة، وكان الرجال المسنون يقفون فى حماية أولادهم من الشباب.. كان الجميع فى الميدان، هدفهم واحد، غايتهم واحدة، مطلبهم جماعى هو تغيير النظام الذى أفسد الحياة السياسية والاجتماعية والأخلاقية.. كان شعارهم الذى وحّد الناس من خلفهم «الشعب يريد إسقاط النظام»..
كان الميدان عنوان وحدتنا.. فانتصرنا
لم يسأل أحد زميلا له فى الميدان «إنت مسلم ولاّ مسيحى»، الجميع مصريون.. تلك الأيام أذابت ما كان بين المصريين من بغضاء وتناحر وإحن سابقة، كنا نظن أن (الناس مش طايقين بعضهم)، لكننا اكتشفنا أن الشعب المصرى شعب عريق بأخلاقه، عزيز بمؤاخاته بين مسلميه ومسيحييه.. لذلك كانت صورة الإبهار فى الثورة المصرية هى الشرارة التى أشعلت الربيع العربى الذى انتشر فى العالم أجمع، وليس العربى فقط (لا أنكر فضل تونس، فلها السبق، وللمصريين الإجادة).. هذه الثورة بهرت العالم كله بمسلميه ومسيحييه، لأنهم لم يسمعوا كلمات من أمثال (مسلم مسيحى، صعيدى بحراوى، أهلاوى زمالكاوى، بدوى حضرى..........).
كانت الصور التى التقطت من ميدان التحرير فى تلك الأيام الثمانية عشرة تؤكد أن الميدان هو مصر كلها، شمالها وجنوبها، مسلميها ومسيحييها ويهودييها وجميع الملل والنحل والطوائف فيها، جميعنا شاهد صورة الشباب المسيحيين الذين كانوا يقفون حراسة للمسلمين أثناء صلاتهم، وشاهدنا المسلمين وهم يحرسون إخوانهم الأقباط أثناء قداسهم.. لم تفرقهم ديانة، وحّدهم جميعا إسقاط النظام، الجميع يعبد إلها واحدا، كل يعبده كما علمه دينه.. شاهدنا المسلمين يأكلون مع إخوانهم المسيحيين من طبق واحد ويقتسمون رغيف خبز واحدا ويشربون ماء واحدا من نيل واحد.
عندما سقط منهم الشهداء والمصابون فى معارك واعتصامات التحرير، بداية من فجر 26 يناير 2011، وحتى 11 فبراير، لم تفرق الرصاصات بين جسد مسلم أو مسيحى، ولم تفرق بين عين مسلم أو عين مسيحى، الجميع كان يشترك، وجدنا المسلم يحمل المسيحى المصاب أو المقتول، ولا يسأل عن دينه، وكان يتبرع بدمائه لأخيه ولا يعرف هل هو مسلم أم مسيحى؟ كان الأطباء المسيحيون يعالجون المصابين، ولم يكن عندهم وقت كى يبحثوا عن صليب أو مصحف فى رقبة هذا أو فى يد ذاك.. كان المشهد أقرب إلى الملائكة «لا يعصون الله ما أمرهم» ويفعلون ما تمليه عليهم ضمائرهم الإنسانية، الإنسانية التى لم تفرق بين بنى آدم، لا بلون ولا جنس ولا دين..
القائمون على إدارة البلاد أدركوا أن قوة الشعب فى وحدته
يبدو أن حسنى مبارك سقط وخُلع وأصابتنا لعنة خلعه وسقوطه (اتحسدنا)، فأصبحت المكائد تحاك للشعب المصرى الذى وحّده الظلم الواقع عليه دون أن يفرق بين مسلم ومسيحى، لقد أساء القائمون على إدارة شؤون البلاد، وكذلك القوى السياسية، والقوى الدينية (عن عمد مقصود أو عن جهل لن يُغتفر)، لقد أشعلوا فتيل فتن طائفية وإحن دينية (ليست بين مختلفى الديانة فقط، بل إنها انتشرت وتخطت لتصل إلى مذاهب الدين الواحد، مسلم سنى وآخر شيعى، وإخوانى وآخر سلفى، مسيحى أرثوذكسى وآخر بروتستانت وثالث كاثوليك، وداخل كل طائفة أيضا لا تتوقف المشاحنات)، فهؤلاء لن يسامحهم الشعب ولن يذكرهم التاريخ إلا بالسوء لأنهم فرّقوا بين طوائف شعب وحّدهم ميدان واحد ومطلب واحد وإله واحد، هم حطموا هذا التوحد (حتى يكسبوا بطولة خدّاعة وزعامة وهمية بالضغط على وتر الدين) وشقوا صف المصريين منذ أن أتيحت لهم فرصة إدارة البلاد وتحديد مصير شعبٍ (للأسف) وثق بهم.
بداية الانشقاق (الاستفتاء على المواد الدستورية)
استفتاء 19 مارس 2011 الذى ذهب سياسيون ورجال دين (سواء إسلامى أو مسيحى) إلى تحزيب (جعله حزبيا) وتطئيف (جعله طائفيا) هذا الاستفتاء المشؤوم الذى صار «مسمار العسكرى» (أو استفتاء جحا) فى كل مصيبة يحيكها، حتى يماطل فى انتقال حقيقى للديمقراطية.. فرجال الدين الإسلامى خرجوا على المواطنين يؤكدون أن «نعم» تعنى التقرب إلى الله والحفاظ على شريعته وعلى دينه الإسلامى المصدر الرئيسى للتشريع، أما رجال الدين المسيحى فبثوا فى الناس أن الدستور القديم (71) طائفى ويجبر المسيحيين على الامتثال لقوانين غير التى تلزمهم بها شريعتهم، وأنه حان الوقت كى يقولوا «لا» لهذا الدستور ويُعامَل المسيحيون بشريعتهم وأحكامها وتكون لهم قوانين خاصة (ليس فى الأحوال الشخصية فقط)، واشتعلت الميادين بين مسلم يبحث عن جنة الخلد وطاعة الله ب«نعم»، ويحاول الابتعاد عن نار الجحيم ب«لا» التى يراها المسيحيون فرصتهم التى انتظروها مئات السنين (منذ دخل عمر بن العاص مصر سنة 642 ميلادية، وكانوا قبلها يعيشون تحت نير واضطهاد الحكم البيزنطى)، حتى تعود لهم الغلبة فى ديارهم (حسب اعتقادهم).
انتهى الاستفتاء الذى أجراه الشعب فى أول تجربة للديمقراطية الحقيقية وخرجت نتيجته (77٫2٪ نعم) و(22٫8٪ لا)، ودخل جميع المسلمين الجنة، وترحم المسيحيون على مستقبلهم، آسفين على ما حدث، إلا أن المجلس العسكرى لم يعجبه ما جرى، «فضرب كرسى فى الكلوب» وطلّع لنا الإعلان الدستورى الثانى (كان الأول فى 13 فبراير بعد تنحى مبارك، وفيه أعلن المجلس العسكرى تحمله مسؤولية إدارة البلاد، وتعطيل الدستور، وحل البرلمان بغرفتيه) وتضمن الإعلان الدستورى (صدر فى 30 مارس) 63 مادة، بينما تم الاستفتاء على 12 فقط!
أحداث إمبابة.. بداية الاشتباكات الطائفية
بعد حالة الاحتقان بين المسلمين والمسيحيين التى خلفتها نتيجة استفتاء مارس، كان الجميع محتقنًا (المسلمون والمسيحيون)، مما دفع بعض الإسلاميين (خصوصا السلفيين) إلى المطالبة بما كانوا يظنون أن النظام السابق كان يحابى فيه الأقباط، كالقبطيات اللاتى يتم تسليمهن من أمن الدولة للكنيسة إذا أعلن إسلامهن.. وكان سيناريو أحداث إمبابة الذى بدأ بتجمهر مجموعة من السلفيين أمام كنيسة مارمينا بعد تناقل شائعات عن اختباء فتاة مسيحية أشهرت إسلامها فى الكنيسة، وتزامن مع ذلك ظهور كاميليا شحاتة على إحدى القنوات الإعلامية المسيحية، مؤكدة أنها لم تعتنق الإسلام ولم تحتجزها الكنيسة، وتعالت هتافات المسلمين أمام الكنيسة «إسلامية.. إسلامية»، و«بالروح بالدم نفديك يا إسلام»، ورد عليها المسيحيون بطلقات الرصاص من فوق الكنائس ومن شرفات منازلهم، وخلّفت تلك الاشتباكات حريقًا فى كنيسة العذراء بإمبابة تمت السيطرة عليه، لكن حرائق نفوس المصريين (مسلمين ومسيحيين)، لم تهدأ.
أحداث ماسبيرو
أحس الأقباط أن حقهم مهضوم، وزادت من إحساسهم وشعورهم، تلك الأحداث التى جرت فى مصر من حرق كنيسة فى أطفيح ثم قيام مسلمين من قرية المريناب بأسوان بهدم كنيسة قالوا إنها غير مرخصة، وما أعقب ذلك من تصريحات لمحافظ أسوان اعتبرت مسيئة بحق الأقباط (ومسيئة أيضا للعقلاء من المسلمين الذين يفهمون دينهم حقًا).. هؤلاء الأقباط ظنوا أن ما كان نظام مبارك يحيكه لهم من حرق للكنائس وتدمير للأديرة وتضييق على المسيحيين سيكون مع التيار الدينى أسوأ، فخرجت المظاهرات حاشدة إلى ماسبيرو (اشتدت المظاهرات يوم الأحد 9 أكتوبر «الأحد الدامى»)، وللأسف وقعت أحداث ماسبيرو التى قتل فيها مسيحيون كثيرون (ما يقرب من 35 شخصًا أغلبهم من الأقباط) برصاصات لا ترحم حتى أصحاب الديانة الواحدة، هى أصلا لا تعترف إلا بدين القتل من أجل تحقيق مصالح نراها دنيئة، لكنها (وحدها دون شك) تراها نبيلة.. كانت المظاهرات فى بدايتها سلمية وبدأت الهتافات بالتنديد بالإعلان الدستورى وضرورة تسليم السلطة، إلا أن أولاد الحلال ممن ينفخون فى كير الفتن الطائفية أشعلوها بكلمات مثل «المسيحيين رايحين يقتلوا الجيش عند ماسبيرو» (من المسلمين)، و«يا نجيب حقهم يا نموت زيهم» (من المسيحيين)، وعليها خرج الناس كالمجانين، ينهشون كل مسيحى يقابلهم، رافعين شعار «إسلامية.. إسلامية»، والجيش لم يقف مكتوف الأيدى، بل دافع عن سمعته بين جيوش العالم كجيش يحتل الترتيب العاشر، وهنا تعالت صيحات التفرقة بين المسلمين والمسيحيين، فخرج المسيحيون من ماسبيرو وقد شكلوا جبهة الدفاع عن الأقباط، و«أقباط مضطهدون»، وائتلاف شباب ماسبيرو.
الدعم المادى الطائفى للأحزاب الليبرالية
بعدها بدأ كثير من الأقباط من رجال الأعمال أصحاب المليارات والملايين، يحاولون دخول لعبة السياسة، وقاموا بإنشاء أحزاب ليبرالية (أو دعم الأحزاب القائمة) بدعم مادى (بالمناسبة ليست المرة الأولى التى يتم فيها دعم أحزاب سياسية من رجال أعمال مسيحيين، بل حدث كثيرا أيام مبارك، وكذلك التيار الإسلامى دعم أحزابًا سياسية كثيرة، ويكفى أن حزبى «الحرية والعدالة» و«النور» يملؤهما رجال الأعمال الداعمون لهما).
دعاية الانتخابات البرلمانية الموجهة لتيار بعينه
لم تكد تنتهى أحداث ماسبيرو حتى أطلت علينا الانتخابات البرلمانية، ودخل فيها الإخوان المسلمون ممن يحلمون (أو هكذا أكدوا فى دعايتهم الانتخابية) بعودة دولة الخلافة الراشدة، منافسين التيار الليبرالى والأحزاب السياسية (على اختلافها)، والمستقلين ممن يحلمون بتحقيق حلم الدولة المدنية التى يعيش فيها المسلم مع المسيحى فى حماية العسكرى (لا تحت سيطرته)... بدأت عملية الأسلمة والأقبطة، فهذا الحزب إسلامى يسعى لحكومة شعارها «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، ودستورها كتاب الله وسنة نبيه، وسلطاتها ربانية إلهية، وهذا حزب ليبرالى (يعنى مسيحى أو كافر أو علمانى، خصوصا إذا كان مدعومًا من بعض رجال الأعمال المسيحيين)، وجرت الانتخابات البرلمانية طائفيةً إلى حد بعيد، حتى إن الناخبين كانوا متأكدين أن «فلان» (المسلم) سيرشح «علان» (الإسلامى)، وأن «خلان» (المسيحى) سيرشح «تركان» (الليبرالى العلمانى الكافر، وممكن يكون مسيحى).
ميدان التحرير ما زال سيد الموقف
أدت أحداث مثل محمد محمود (19 نوفمبر عقب جمعة «المطلب الواحد»، وإصدار على السلمى وثيقة المبادئ الأساسية للدستور) إلى مقتل أكثر من 40 متظاهرًا، وأعقبتها أحداث مجلس الوزراء (16 ديسمبر) التى خلفت أكثر من 15 قتيلا، هذه المظاهرات خرجت لمحاولة رأب الصدع الحاصل بين شقى الأمة، الذين خرجوا جميعًا، مطالبين بحقوق الشهداء والمصابين والقصاص لهم، وضرورة تسليم السلطة، لم تفرق الرصاصات المتطايرة (الطائشة أحيانا والمصوبة غالبا) بين جسد مسلم ومسيحى، كما لم يفرق الغاز المسيل للدموع بين أنف قبطى وآخر مسلم.
قضية العامرية التى وصلت إلى حد التهجير
كل ذلك كان عاديًّا، فقد كانت تلك الفتن تحدث أيام مبارك (وظننا أنها من تدبير نظامه)، لكن ما حدث فى الإسكندرية من مشكلات طائفية بدأت بقيام شاب مسيحى (من قرية بمدينة العامرية) بتصوير 3 سيدات مسلمات متزوجات وهن فى أوضاع مخلة، وتوزيع تلك الفيديوهات على أصدقائه، أجج مشاعر المسلمين، ومما زاد الأمر سوءًا هو قول المسؤول عن الأقباط هناك «اللى عندها معزة يربطها»، فى إشارة إلى سوء أخلاق تلك السيدات.. هذه التطورات أدت إلى زيادة الاحتقان، فتطورت الأمور إلى اشتباكات بين الجانبين بالطلقات النارية أسفرت عن إصابات من الطرفين، لكن لم ينته الأمر، بل وصل إلى حد تهجير عائلة قبطية من مسكنها بأحكام عرفية، مما أدى إلى زيادة الشقوق واتساعها بين المسيحيين والمسلمين فى أرجاء البلاد كافة.
التشكليل الأول لتأسيسية الدستور الذى أشعل الخلاف
بدأ الإعلان عن الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور، التى من المفترض أن تمثل جميع طوائف الشعب بعد أن يشكلها البرلمان ذى الأغلبية الإخوانية والسلفية، وبدأ صراع القوى السياسية وتناحر الأحزاب والطوائف والتيارات الفئوية.. كل يريد مقعدا، الكل يريد أن يمثّل فى الجمعية التأسيسية، لم يكتف أى حزب أو مؤسسة أو طائفة بمقعد واحد فقط فى التأسيسية، الكل كان يسعى لحصد العدد الأكبر (وكأننا بنفاصل)، وذلك للتباهى بعدد مقاعده أمام منافسيه (يا آدى الخيبة)، لكنّ حزبى «الحرية والعدالة» و«النور» لم يسمحا لأى حزب أو كيان سياسى بمنافستهما فى التشكيل الأول، لكن الملاحظ هو عدد الأقباط الذين لم يزيدوا على 6 أعضاء فقط (مع ملاحظة أن ممثل الأزهر كان عضوا واحدا، هو الدكتور نصر فريد واصل)، مما جعل الأقباط (ومن قبلهم مؤسسة الأزهر) يرفضون التأسيسية الإخوانية السلفية وانسحبوا من تشكيلها (وكان هذا المسمار الأول فى نعش التأسيسية الأولى) كما كان ذلك مسمارا فى نعش المواطنة بين المصريين.
مرشحو الرئاسة وطائفية الدعاية
فى الوقت نفسه كانت هناك دعوات لترشيح بعض الشخصيات من أمثال الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل (القطب الإسلامى السلفى) ودعوات لترشيح عمر سليمان (نائب الرئيس المخلوع) وكلٌ كان يسعى وراءه مؤيدوه، الأول وراءه كثير من المسلمين (مسلمون ملتزمون وسلفيون وبعض الإخوان) والآخر كان يدعمه (بقوة) المسيحيون لأنهم كانوا يرون فيه ندًا قويًّا يستطيع أن يقف فى وجه الإخوان والسلفيين، وأنه إن لم يُعطِ المسيحيين حقوقهم المشروعة فلن يجور عليهم أو يظلمهم، ولكن اللجنة العليا للانتخابات صدمت المصريين (مسلمين ومسيحيين) من المؤيدين للرجلين واستبعدت الاثنين لأسباب تراها اللجنة وجيهة، فالأول (أبو إسماعيل) تأكدت اللجنة (بما لديها من مستندات) أن والدته تحمل الجنسية الأمريكية، وهو ما صب فى صالح مرسى وعبد المنعم أبو الفتوح (مرشحى التيار الإسلامى)، والثانى (سليمان) لم يكمل النصاب القانونى (30 ألف توكيل انتخابى) للترشح، وهو ما صب فى صالح أحمد شفيق الذى وجده المسيحيون بديلا لهم عن سليمان.
طائفية الدعاية الانتخابية
وبدأ السباق الانتخابى بين 13 مرشحا كان أبرزهم محمد مرسى (مرشح الإخوان المسلمين)، وأحمد شفيق وعمرو موسى (عن النظام السابق وفلوله)، وحمدين صباحى وعبد المنعم أبو الفتوح (عن التيار الثورى، الأول اشتراكى ناصرى، والثانى إسلامى معتدل منشق عن الإخوان).
وبدأ المرشحون حملاتهم الانتخابية والدعاية لأنفسهم، كلٌ كما يشاء، ونزل الناخبون للإدلاء بأصواتهم، فاختارت أغلب التيارات الثورية صباحى وأبو الفتوح (من أراد الدولة المدنية اختار صباحى، ومن أراد الدولة الإسلامية اختار أبو الفتوح)، لكن أحمد شفيق كان له اتجاه آخر، لقد تردد أن البابا شنودة الثالث الراحل طلب مقابلته وترددت شائعات قوية عن أنه أعطاه مباركته ليكون رئيسا لمصر مدعوما من التيار المسيحى، وخرجت أصوات المسيحيين تنادى بشفيق للدولة المدنية وعودة الاستقرار، واستطاع الرجل بمعاونة المسيحيين (وأيضا عناصر وفلول النظام السابق) أن يدخل جولة الإعادة مع مرشح الإخوان الذى كان دخوله الإعادة أمرًا متوقعًا.
الإعادة التى بدأت تصالحية وانتهت طائفية
وبدأت جولة الإعادة بين تيارين متغايرين، وأكد أكثر الناخبين أنهما أسوأ اثنين يمكن الاختيار من بينهما، لكن صندوق الانتخابات هو الذى يفرض كلمته.
ومنذ بدأ الإعلان عن أن الإعادة بين مرسى وشفيق، وكل منهما بدأ ينظر إلى أصوات منافسه، فمرسى غيّر من شعار حملته (من «مشروع النهضة» إلى «قوتنا فى وحدتنا»)، وكأنها رسالة إلى الإخوة الأقباط الذين خرجوا بشراهة (فى الجولة الأولى) إلى صناديق الاقتراع كى يعطوا أصواتهم لشفيق، ورسالة كذلك المرأة التى خرجت شائعات قديمة بأن الإخوان ومحمد مرسى سيحبسونها فى البيوت ولن تذهب إلى عملها، وسيفرض عليها الحجاب، حتى غير المسلمة، فكان ذلك رسالة بخلاف ذلك، وكذلك فعل أحمد شفيق (خرجت شائعات تؤكد أن شفيق سيحذف بعض آيات القرآن الكريم من كتب مادة الدين لطلاب المدارس)، حيث عدّل شفيق من أسلوبه الدعائى (الذى كان فى الجولة الأولى فى الظلام، ثم أصبح علانية فى الإعادة)، فقد بدأ يعلن أنه «عفا الله عما سلف» وأنه سيبتعد عن سياسة الإقصاء أو التعقب والترصد لمن هاجموه أو وجهوا إليه إهانات وإلصاق النظام السابق به، خصوصا من الثوار أو من الإخوان المسلمين، وكأنها دعوة صريحة إلى مصالحة التيار الإسلامى، كما أنه تعهد للتيارات الإسلامية الأخرى (غير الإخوان المسلمين ممن تم تهميشهم) بتمثيل مشرف فى الحياة السياسية، وأن يكون لهم دور فاعل.
وبدأت حرب الدعاية الانتخابية والضغط على وتر «مسيحى ومسلم»، وأعلن المسيحيون دعمهم لشفيق بكل ما أوتوا من وسائل دعم، حتى إن بعض القساوسة منهم (نُشرت أخبار تؤكد ذلك لم يتم نفيها إلا مع اقتراب إعلان النتائج بفوز مرسى)، حرّضوا المسيحيين على التصويت لصالح شفيق، وكذلك فعل التيار الإسلامى، حيث دعا لمرشحه مرسى من فوق منابر المساجد وفى حلقات الدروس الدينية، حتى إن بعض المشايخ من مؤسسة الأزهر نفسها أو محسوبون عليها أو من خارجها، بعضهم كفَّر من يعطى صوته لشفيق، والبعض الآخر ألصق به تهمة قتل الثوار، والبعض الثالث ألصق به تهمة الخيانة، مؤكدين أن على المسلمين أن يقفوا يدا واحدة وراء المرشح الذى يقول «لا إله إلا الله».
وبدأ الشقاق والتنافر والتناحر يزداد بين المسلمين والمسيحيين وزادت الهوة اتساعا، فى أيام التصويت التى خرج فيها المسيحيون إلى صناديق الاقتراع بأكثر من المرة الأولى، وكذلك خرج المسلمون يدافعون عن دينهم، مؤكدين أن هذه المعركة لا تقل عن معركة بدر الكبرى ضد الكفار.
نريد طبيبا نفسيا يصلح ما أفسده الساسة
أيها الإخوة السياسيون المسلمون والأقباط وذوو المِلل والنحل والمختلفة، إن مصر اليوم فى حاجة إلى طبيب نفسى يعالج الآلام ويداوى الجروح التى شقت الصفوف، والتى تسبب فيها الساسة (عن عمد أو جهل)، أكثر من حاجتها إلى رئيس (مدنى أو دينى) يحاول أن يرتب الأمور الداخلية والخارجية.. مصر تحتاج إلى من يعالجها قبل أن تبحث عمن يُطعمها ويكسوها، نحن فى وقت أشد ضراوة مما سبق، كنا نظن أن الفتن الطائفية لا وجود لها وأنها صنيعة النظام السابق كى يغطى على انتهاكاته، أما الآن فقد تأكدنا أن داخل كل منا متطرف مارد ينتظر الوقت المناسب حتى يخرج من صدورنا ومن بين أجسادنا ويملأ الأرض خرابًا وتدميرًا، فهل من ناصح أمين يرشدنا إلى طبيب نفسى بدرجة رئيس جمهورية أو رئيس جمهورية بدرجة طبيب نفسى، لا نريد رئيسًا يبحث عن قصر مشيد دائم، أو كرسى مُطرّز لصيق، أو سلطة غاشمة مطلقة...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.