حفل شهر فبراير بأحداث متنوعة متسارعة مثله، مثلما أصبح عليه واقع الحياة في بلدنا والمنطقة التي نعيش فيها والعالم، لكن برزت وسط غمار الأحداث وقائع بعينها يصح أن نطلق عليها «مفاجآت من العيار الثقيل» لعدم اتساقها مع المنطق العام ومع طبيعة الأمور، لذا وجب التوقف عندها والتعليق عليها.. كما أري أن كلا منها يستحق عنواناً منفرداً بذاته لئلا يذوب ويختفي ضمن سياق المقال. خروج الدكتور أحمد كمال أبو المجد حلقة أخري في نزيف حكماء مصر خروج الدكتور أحمد كمال أبو المجد من التشكيل الجديد للمجلس القومي لحقوق الإنسان، كان أولي المفاجآت ذات العيار الثقيل، وجاء مناقضاً لجميع التوقعات بعد أن شغل منصب نائب رئيس المجلس طوال الفترة المنقضية من عمر المجلس بكفاءة واقتدار ملحوظين... ولست أجد تعليقاً علي خروجه أفضل مما نشرته جريدة الأهرام مع خبر التشكيل الجديد للمجلس وجاء فيه: «... أولي المفاجآت خروج الدكتور أحمد كمال أبو المجد -نائب رئيس المجلس- الذي اشتهر بالسمعة الطيبة والاستقلالية في اتخاذ القرار وإعداد التقارير القوية في وصف أوضاع حقوق الإنسان في مصر. حقاً خسرت مصر في مجلسها القومي لحقوق الإنسان واحداً من أبرز حكمائها وأشجعهم، ولأننا اعتدنا في هذا البلد أن نتلقي القرارات الفوقية دون تفسير أو تبرير -الأمر الذي سبق أن وصفته بعبارة «الشعب يجلس في مقاعد المتفرجين»- فقد كان من الطبيعي أن تثور الاجتهادات حول أسباب خروج الدكتور أحمد كمال أبو المجد وأولها أن السلطة المسئولة عن المجلس ضاق صدرها بالنبرة العالية الجادة لأدائه والإدانة الشجاعة لمدي احترام الحكومة لمعايير حقوق الإنسان في مجالات عديدة تتناولها تقارير المجلس، سواء التقارير السنوية أو تقارير تقصي الحقائق حول أحداث بعينها مثل الجريمة الأخيرة في نجع حمادي في 6 يناير الماضي... وأنا أشفق علي السلطة المسئولة وهي في حالتنا مجلس الشوري أن ينسب إليها ضيق الصدر من الصوت العالي للمجلس القومي لحقوق الإنسان وبالتبعية الدكتور أحمد كمال أبو المجد، لأن المتابعين لما جري الأسبوع الماضي في اجتماعات المجلس الدولي لحقوق الإنسان في جنيف يعرفون تماماً أنه لم يعد في الإمكان إخفاء حقائق أو تجميل واقع، بل الأفضل جداً لمصر أن ترصد كل خلل وتبلور سبل علاجه بنفسها قبل أن تسمع ذلك من الأسرة الدولية. المجلس القومي لحقوق الإنسان بالقطع خسر حكمة وجهد الدكتور أحمد كمال أبو المجد الذي يترك فراغاً ملحوظاً أتمني أن يعوضه المستشار مقبل شاكر الذي حل محله في منصب نائب الرئيس... لكن سيظل هذا الخروج المفاجأة حلقة أخري في نزيف حكماء مصر الذين نفقدهم بلا تبرير مفهوم أو تفسير معروف!!. انتكاسة لحقوق المرأة في مجلس الدولة ثانية المفاجآت الصادمة كانت تصويت الجمعية العمومية لمجلس الدولة برفض تعيين المرأة في الوظائف القضائية... وأتصور أن كل من يزعمون أنهم متنورون أو مثقفون أو وطنيون أو حتي دعاة حقوق إنسان عندما قرأوا هذا الخبر صرخوا من شدة الفزع والهلع... يا إلهي، لماذا كلما تقدمنا خطوة يأتي من يسحبنا خطوات إلي الخلف؟!!... إننا بعد معاناة مؤلمة لسنين طويلة نجحنا بالكاد في انتزاع حق المرأة في العمل في القضاء واعتبرنا ذلك إنجازاً كبيراً يعيد الاعتبار والاحترام والمساواة للمرأة، وبدأنا بعد ذلك نركز علي المجالات الأخري التي تعاني من التمييز ضد المرأة للعمل علي إصلاحها... فهل يستقيم أن تأتي الانتكاسة من آخر المعاقل التي يمكن أن نتصور منها التقهقر إلي الوراء؟!!... من مجلس الدولة الذي يشهد تاريخه أنه كان معقلاً راسخاً للعدالة والتنوير؟... وطبعاً فجرت تلك المفاجأة ردود فعل غاضبة محتجة علي الردة التي تنطوي عليها - وكان مريحا أن الاحتجاج كان منصباً علي المرأة وحدها إنما وقف بجوارها الرجل في رفض قرار مجلس الدولة. أما عن موجة المساومة التي اجتاحت الإعلام فيما يمكن السماح به للمرأة ومالا يمكن السماح به. لست أجد تعليقاً سوي ما سبق أن كتبه الدكتور سعد الدين إبراهيم حين قال: «حتي إن اجتمع كل الرجال واتفقوا علي منح المرأة كل الحقوق بلا انتقاص، يظل ذلك أبلغ إهانة للمرأة، لأنه ليس للرجل أن يمنح أو يمنع حقوق المرأة شريكته في المجتمع، بل حقوقها كاملة مكتسبة ومضمونة ومصانة من واقع الدستور وبفعل مواطنتها». تبرئة المتهمين الأربعة بقتل والد الشاب في جريمة ديروط جاء حكم محكمة جنايات أسيوط ببراءة المتهمين الأربعة في قضية مقتل والد الشاب الذي ارتكب فضيحة أخلاقية في قرية المناشي مركز ديروط منذ شهور كمفاجأة غير متوقعة بعدما قدمت النيابة أولئك المتهمين للمحاكمة بتهمة القتل. واستندت المحكمة في أسباب حكمها إلي عدم وجود دليل مادي علي ارتكاب الجريمة من قبل المتهمين بعد أن استند الدفاع عنهم إلي اختفاء صلتهم بالواقعة وإلي التشكيك في تحريات الشرطة التي بنت عليها النيابة أركان الجريمة... بذلك نجد أنفسنا مرة أخري أمام جريمة قتل بدون قاتل وأمام عدالة بلا قصاص!!وسنظل نمر بمثل ذلك الموقف مرات ومرات طالما تكتفي المحكمة بتبرئة المتهمين دون أن تسأل النيابة عن ملابسات الاتهام ودون فتح ملف الأداء الأمني للشرطة في تعقب القاتل والقبض عليه وتضييق الخناق حوله بأدلة دامغة، وليس مجرد أداء شكليا ينتهي بتبرئة متهم مشكوك في إدانته وهروب قاتل بجريمته.