حظيرة النظام واسعة. هذا ما تكشفه الأيام الصعبة..والأحداث الجديدة علي نظام يعشق الملل. هكذا يمكن أن تتحول مني الشاذلي من صورة «ست البيت» علي الشاشة إلي «لاعبة دور» في أزمة النظام مع البرادعي. النظام يمتلك أدوات السيطرة الخرافية. وكل شخص في أصغر مكان يمكنه أن يلعب دوراً.. بمزاجه أو برغبته في الاستمرار. من المذيع علي الشاشة إلي أصغر موظف في أصغر قرية لا تظهر علي الخريطة. من هنا، علي الجميع القبول بفكرة الحظيرة..وهذا مافعلته مني الشاذلي في حوارها مع البرادعي وربما قبل ذلك بكثير. لم تلعب بمميزاتها ودخلت علي الخط الساخن بين النظام والشعب. مميزات مني الشاذلي أنها كانت صورة للمرأة العادية..التي تحاور كل أطراف المجتمع.صوتها وطريقتها في ارتداء الملابس..والجلوس أمام الضيف..كانت جديدة في لحظة سيطرت فيها المرأة السوبر علي الشاشة..ممثلة في هالة سرحان. وهذا سر نجاح مني الشاذلي الذي لم تحافظ عليه. لم تحافظ علي مسافة بين دورها المهني كمذيعة تدير الحوار السياسي ولا تتحول إلي طرف فيه. المسافة تلاشت أمامها ودخلت الفخ الذي يوحي لها بأنها مناضلة سياسية عليها أن تحدث توازناً مع النظام لتستمر علي الشاشة. الفخ قادها بسهولة إلي حظيرة النظام الواسعة. أصبحت أداة لأنها تركت المهنة وغادرت إلي الدور السياسي. المذيع من أيام الثورة هو صوت السلطة أو بتعبير أدق عازف في كورس السلطة ومبرمج دعايتها. وهذا ما كان يقال عن مذيعي مرحلة الناصرية، أشهرهم طبعاً «أحمد سعيد» الذي أوغل في العزف منفرداً حتي إنّه رسم عبر صوته في إذاعة «صوت العرب» صورة مفخّخة لحرب يونيو 1967 حوّلت الهزيمة إلي نصر كبير... وأضافت إلي الهزيمة العسكرية شعوراً بأنّ نظام عبد الناصر يكذب عبر واجهته الإذاعية. اكتشاف الخدعة أنهي موديل أحمد سعيد علي مستوي علاقة الجمهور بالمذيع. لكنّه لم ينهِ حاجة السلطة إلي صوت، ثم إلي وجه في مرحلة التليفزيون ليكون واجهتها. وبعد «صوت» أحمد سعيد، كانت «همت مصطفي» الوجه الوقور لعصر السادات. ولأنّ السادات له نفسية النجوم، لعبت حوارات «مصطفي» معه دور «بروباجندا» خالية من الأيديولوجيا المباشرة، ولو مررت أفكار الرئيس المهوس بالأضواء. لم يكن المذيع حينها يستطيع الخروج عن الخطوط الحمراء. ولم يكن التليفزيون سوي الشرفة التي يطل منها الرئيس علي شعب يحاصره. وقتذاك، خرج أكثر من مذيع لم يتحمّل هواهم الناصري رياح العصر الجديد. هؤلاء شكّلوا نواة لموديل مذيع معارض، يشاغب السلطة، مثل «حمدي قنديل» الذي كان أول بوادر ظاهرة تنتشر الآن، ويتحول فيها المذيع من مدير للحوار إلي مشارك مباشر يلقي اتهامات سياسية..ويدخل في المعادلات المعقدة للنظام. «مني الشاذلي» ست البيت الهادئة الوقورة التي تتكلم بمشاعر وإحساس الخائفة علي عائلتها تحولت فجأة إلي «الأستاذة مني» التي تنصح وتوجه وتلعب علي التوازن السياسي. وهذا مايجعلها هدفاً للعب دور وليس تقديم خدمة مهنية. من قال لها إن مُستقبلي الدكتور البرداعي بضع مئات؟ هل قامت بالتعداد الحصري؟ أم أنها رسالة تريد أن تقول إنهم «قلة» لا تعبر عن الملايين الذين لم يستقبلوه وربما لا يعرفونه. و لماذا تستهدف الصحف المستقلة وتعتبرها صانعة الصورة القاتمة عن مصر ؟ هل تريد أن تقول إنها محايدة؟ لعبة قصيرة المدي تجعل منها مذيعة محدودة..وكان أمامها أن تصبح مذيعة كبيرة تستطيع أن تثري الحوار مع شخصية مهمة مثل الدكتور البرداعي بشيء خاص وبحساسية الناس العاديين لا بترديد ما يقال، أو بالخوف من التورط مع النظام. افتقدت مني قدرتها علي اكتشاف حساسية خاصة، وهو مثلا ما يميز مذيعين مهمين مثل ليلي رستم التي تشعر بأن لديها شيئاً خاصاً..حتي وهي تسأل أسئلة عادية. مني اختارت أن تبعد نفسها أو تصورت أنه ليس لديها شيء خاص..فضلت أن تلعب دورا..ومن يلعب دورا عليه أن يدخل الحظيرة، وهي فعلت ذلك مرتاحة البال، وهي تعتبر نفسها محررة العبيد علي الشاشة. وهو مشوار أقصر من مشوار مفيد فوزي بكثير.